رئيس فريق الهيكل المالي في "العشرين" لـ "الاقتصادية": القمة تاريخية .. والجائحة سرعت تحول الاقتصاد العالمي
رغم أن قمة العشرين تعقد هذا العام في السعودية، في ظل ظروف استثنائية وتحديات معقدة وموجعة للاقتصاد العالمي، إلا أن المملكة أثبتت بالوقائع فاعلية رئاستها للقمة وتفاعلها على مستوى الحدث، مع إطلاق مبادرات لافتة ساعدت على التخفيف من آثار الجائحة، هذا ما أكده نبيل المبارك، رئيس فريق الهيكل المالي العالمي في مجموعة الفكر التابعة لمجموعة العشرين T20.
المبارك أوضح أيضا في الحوار الذي أجرته معه "الاقتصادية" أن السعودية لم تتأخر عن القيام بما يجب وأكثر لقيادة العالم للتعامل مع مستجدات الجائحة، واصفا استضافة المملكة قمة العشرين بالحدث التاريخي، وتتويج لجهود المملكة في تأسيس أعمال المجموعة منذ إنشائها.
ولفت رئيس فريق الهيكل المالي العالمي في مجموعة الفكر التابعة للعشرين T20 إلى أن الجائحة لم تكن كلها سلبيات بل كان لها إيجابيات متعددة، ومن أهم تلك الإيجابيات تسريع تحول الاقتصاد العالمي الذي يمر بمرحلة دقيقة من تطوره الزمني في جوانبه الجيوسياسية والتقنية، بجانب التحولات الاجتماعية والثقافية.
وفي شأن القطاع المالي عد المبارك أن القطاع المالي بعد الجائحة لن يكون كما عرفناه قبل نحو 50 عاما، وأن من يقرأ المستقبل جيدا سيستفيد، ومن يتأخر فسيكون خارج السرب.
وفيما يتعلق بالدول النامية، أبان المبارك أن وضعها صعب جدا، وانهيارها خسارة للجميع ودون إعادة هيكلة حقيقة لاقتصاداتها وضمان الحوكمة فإنها ستعاني كثيرا، مشيرا إلى أن مجموعة العشرين اضطرت لاتخاذ قرارات تأجيل الدفعات والإعفاء من العمولات لمساعدتها على النهوض.
العملات المشفرة والرقمية، وفق رئيس فريق الهيكل المالي في مجموعة العشرين، ستكون على الهامش في حال لم يكن هناك قبول واعتماد رسمي لها في النظام المالي العالمي الحالي، مبينا حاجتها إلى آليات إشراف ورقابة دقيقة، وأن الأمر لا يزال بعيد المنال.
- ما أهمية انعقاد قمة العشرين 2020 في السعودية؟
بالتأكيد أن استضافة السعودية لقمة العشرين حدث تاريخي، وتتويج لجهود المملكة في تأسيس وأعمال المجموعة منذ إنشائها، وزادت تلك الأهمية مع حدوث الجائحة عند بداية عام 2020، ما وضع تحديات ضخمة على كاهل المملكة بقيادة العالم وليس مجموعة العشرين في إدارة الأزمة واتخاذ قرارات تاريخية للتعامل مع الوباء وتخفيف الآثار الإنسانية والاقتصادية على الدول خاصة الدول النامية.
- تقييمكم لقيادة السعودية للعشرين في هذه الفترة الحساسة، والمبادرات الفاعلة التي تمخضت عن القمة حتى الآن؟
التقييم يجب أن ينظر إليه من ناحيتين، الأولى الإدارة لجدول الاستضافة وأعمال القمة الطبيعية التي كانت بالتنسيق مع الدولة المستضيفة للقمة قبل المملكة وهي اليابان، وقد كان انتقال الإدارة للقمة من اليابان للمملكة والاستعدادات هائلة وبمستوى الحدث، وبتنسيق عالي المستوى مع اليابان منذ أواخر عام 2019 على جميع المستويات لأعمال القمة ولكل مجموعات العمل الحكومي والخاص.
أما الناحية الثانية التي لم تكن على جدول القمة ولم تكن في الحسبان، فهي قيادة العالم للتعامل مع جائحة لم تكن على البال، حيث لم تتأخر المملكة عن القيام بما يجب وأكثر لقيادة العالم للتعامل والتعاطي مع كل تلك المستجدات بكل تفاصيلها، وقد رأينا قيادة العالم لدعم الدول الأقل إمكانات لمساعدتها على توفير متطلبات التعامل مع الفيروس والإعفاءات للديون والتسهيلات الكثيرة المقدمة بناء على توصيات القيادة السعودية للمساعدة قدر المستطاع، مع العلم أن الجائحة أثرت في الجميع بما فيها الدول المتقدمة والدول العظمى.
- نرغب في إيضاح أكبر عن فريق عمل الهيكل المالي ضمن أعمال قمة العشرين؟
هذا الفريق هو واحد من أصل 11 فريق عمل كل يحمل تخصصا محددا، ضمن مجموعة مراكز الفكر ThinkTank، ويتلخص دور هذه المجموعة في طرح السياسات المقترحة لكل فريق عمل ضمن التخصص، وقد بدأ العمل في هذه الفرق منذ تشرين الثاني (نوفمبر) 2019، وعلى كل فريق رئيس يعمل معه أربعة رؤساء وسكرتير فريق، ويعملون على استقبال السياسات المقترحة من كل دول العالم، والقيام بمراجعة تلك السياسات والنقاش مع مؤلفي تلك السياسات واقتراح التعديلات وقبول أو رفض السياسات، من خلال مراحل محددة مسبقة وبالتنسيق مع سكرتارية المجموعة وهي مركز الملك عبدالله للأبحاث البترولية.
وفي النهاية نصل إلى السياسات المختارة لكل فريق بعد تصفيتها وتنقيحها، ومن ثم ترفع للسكرتارية بهدف قبولها لأن تكون ضمن البيان الختامي للمجموعة الذي يرفع لقادة مجموعة العشرين.
ويكمن التحدي أمام رئيس كل فريق في كم السياسات المقترحة التي سيتم قبولها لأن تكون ضمن البيان الختامي للمجموعة ككل.
ومجموعة فريق الهيكل المالي تعد الوحيدة التي قبلت كل السياسات المقترحة منها وتم تضمينها في البيان الختامي وبعدد ثمانية سياسات مقترحة، تمثل 25 في المائة من عدد السياسات التي تضمنها البيان الختامي وعددها 32 سياسة مقترحة.
- ما أبرز مشاريع العمل التي قدمها الفريق، وأين وصلت؟
السياسات المقترحة ضمن عمل الفريق وصل عددها إلى 15 سياسة مقترحة في بداية المشوار، وبعد عمل وتنقيح مع مؤلفي تلك السياسات استقر الاختيار على ثماني فقط.
وتمثلت السياسات فيما يلي، توسعة شبكة الأمان المالي العالمي، استراتيجيات السياسة النقدية وأزمة كوفيد – 19، الشركات التقنية الكبرى: الحاجة إلى إطار تنظيمي عالمي وشامل.
وتضمنت أيضا "لقد حضرت الأموال الرقمية" التي تتمثل في وجوب تحول تفكير مجموعة العشرين إلى رقمي، و"جدول الأعمال المنظم ضروري لتوجيه عملية الانتقال الخطيرة وجني الثمار طويلة الأجل".
إلى جانب مراقبة التزام الدول في مواجهة التدفقات المالية غير المشروعة، وحان وقت تنفيذ مبادرة شفافية الديون السيادية القائمة على التقنية: المفهوم، والتصميم، وإجراءات السياسة العامة.
والسابعة تقييم أثر العملات المستقرة STABLECOINS في النظام النقدي العالمي، إذ تدرس مجموعة العشرين وصندوق النقد الدولي أثر مشروع فيسبوك ليبرا، والثامنة أزمة كوفيد – 19: كيف تقدم مجموعة العشرين دعما كثيفا للدول المدينة منخفضة الدخل؟
وكما يلاحظ فجميعها عدا الأخيرة ضمن نطاق الهيكل المالي العالمي، وجميعها تمثل تحديات قادمة للعالم خلال الأعوام المقبلة، والبعض منها نعيشها اليوم.
أما السياسة المقترحة الأخيرة، فهي طارئة بسبب الجائحة، وقد تم بالفعل دعم الدول من قبل مجموعة العشرين من خلال وزراء المالية والمحافظين، وكذلك قادة مجموعة العشرين الذي دعموا هذا القرار بشكل سريع وواضح كما قلنا ذلك في بداية اللقاء.
- الجائحة أثرت بشكل كبير في الاقتصاد العالمي، وأظهرت أهمية تنسيق السياسات الاقتصادية بين الدول، كيف تقيمون هذا التنسيق خلال الفترة الحالية؟
بالجائحة أو بدونها، الاقتصاد العالمي يمر بمرحلة دقيقة من تطوره الزمني، وهي فترة يحدث فيها تغييرات جوهرية على كثير من الأصعدة، سواء داخل الدول بما فيها من تقود العالم اليوم، أو على المستوى العالمي ككل، الجائحة جاءت لتسرع هذا التحول الذي يمر به العالم، سواء في جوانبه الجيوسياسية أو جوانبه التقنية، أو التحولات الاجتماعية والثقافية حول العالم، والعالم لم يشهد مستويات تحديات في وقت واحد مثلما نشهده اليوم، وأظهرت أن العالم اليوم يحبذ أن يكون أكثر توحدا وأكثر رغبة في تنسيق الجهود أكثر من أي وقت مضى.
والتشابك التقني وسيطرة الشركات التقنية الضخمة وتغلغل التقنية في كل مفاصل الحياة وكذلك تطور وسائل التواصل، والتأثير العكسي أصبح عابرا للحدود.
وبالتالي ليس أمام صانعي السياسات إلا العمل معنا، رغم أن آخر خمسة أعوام كان مع الأسف هناك توجه مخالف لذلك من قبل بعض الدول. وأرى أن الجائحة لم تكن كلها سلبية، ولكن كان لها إيجابيات، والعالم بعد الجائحة ليس هو العالم قبلها.
أعتقد أن العالم عرف جيدا أن العمل الجماعي أفضل السبل لتحقيق المصالح للعالم عموما ولكل دولة خصوصا.
- كيف يمكن تطوير القطاع المالي العالمي، وتوفير أدوات جديدة في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة التي تمر بها الدول؟
القطاع المالي في العالم يمر بأهم تحديات حقيقية في شكله وأسلوبه التقليدي الذي بدأ من سبعينيات القرن الماضي، وهي تحديات مع الأسف ليست نتيجة أزمة مثل الأزمة المالية في 2007 و2008 وليست تحديات وقتية، وهي تحديات في بنيه القطاع وطريقة عمله والأسس التي بنى عليها.
وأكاد أجزم أن القطاع المالي العالمي لن يكون كما عرفناه قبل نحو 50 عاما الماضية، ومن يقرأ جيدا المستقبل، سيكون مستفيدا، ومن يتأخر فسيكون خارج السرب.
والتطوير يسير ولا يحتاج إلى من يطوره، هو يتطور من خارج صناع القطاع، من خلال لاعبين جدد، ولن أزيد أكثر في هذا الموضوع، في انتظار التطورات خلال الأعوام المقبلة.
- فريق عمل الهيكل المالي في قمة العشرين درس موضوع العملات المشفرة، ما نظرتكم إلى تلك العملات، وكيف يمكن أن تصبح أداة موثوقة وتعتمد عليها الدول، وبعيدة عن عمليات غسل الأموال وتمويل الإرهاب؟
تقنيا العملات المشفرة والعملات الرقمية، وغيرها من التقنيات كلها جاهزة للاستخدام كتقنيات ويمكن العمل معها فورا من خلال المنصات المتعددة، ولكن ما لم يكن هناك قبول واعتماد رسمي في ظل النظام المالي العالمي الحالي، فلا يمكن إلا أن تكون على الهامش. ولكي يتم تلافي كل المخاطر التي يمكن أن تتزامن مع تلك العملات، لا بد من أن يكون هناك آليات إشراف ورقابة دقيقة وكذلك أن تكون جزءا من النظام المالي الحالي. الأمر الذي لا يزال بعيد المنال ويحتاج إلى حدوث تغييرات كثيرة اقتصادية وسياسية حتى يمكن أن يكون لها دور.
- ماذا عن التمويل الإسلامي، وأهمية دوره وتطوير أدواته؟
بالتأكيد التمويل الإسلامي فرض وجوده على الأجندة الاقتصادية العالمية، وأصبح ينظر إليه كخيار جيد مقابل التمويل التقليدي، ونشاهد عديدا من الدول الإسلامية وغير الإسلامية تتسابق لتتبنى وجود مراكز مميزة للتمويل الإسلامي، بما في ذلك لندن.
ولكن أعتقد أننا لا نزال بحاجة إلى مزيد من الأبحاث وتطوير للمنتجات، كذلك مزيد من الشفافية في الإجازات الشرعية للمنتجات الإسلامية، بمفاهيم مناسبة للظروف الحالية.
- هل نجح العالم في محاصرة غسل الأموال، وتمويل الإرهاب، ومراقبة التدفقات المالية غير المشروعة؟
بالتأكيد هناك نجاحات كثيرة، ولكن هذه الأشياء في صراع مستمر بين الخير والشر، وبالتالي ضرورة استمرار تطوير آليات الرقابة على حركة الأموال وجميع الأعمال المالية.
- كيف تنظرون إلى وضع السياسات النقدية المتخذة خلال فترة الجائحة، وماذا عن الفترة المقبلة؟
أعتقد أن الجائحة فرضت تحديات في كل شيء، والسياسة المالية ليست بعيدة عنها، فقد أوجدت تحديات جديدة أمام صانعي تلك السياسات، وتحديدا بسبب توقف العمليات الاقتصادية والتطورات التقنية المتلاحقة، والضغوط الاجتماعية.
والأهم من الجائحة، تشابك التقنيات مع الأعمال التقليدية، فرض تحديا حقيقيا أمام صانعي السياسات النقدية.
- هناك مبادرة تتعلق بشفافة الديون السيادية القائمة على التقنية، نود التعرف عليها بشكل أكبر؟
ليس على الديون السيادية التقنية، ولكن المقترح يسعى إلى مزيد من الشفافية في جميع أنواع الديون السيادية، لكل دول العالم، وذلك لعدد من الأسباب، أهمها تنامي تلك الديون بشكل يفوق حجم اقتصاد العالم، التي يتخوف أن يكون لهذا النمو تبعات، اقتصادية أو وجود فقاعة، والسياسة المقترحة جاءت على أساس بيان مجموعة العشرين في عام 2019 حول أهمية تحسين مستوى الشفافية لجميع الديون السيادية والخاصة، ومعالجة نقاط الضعف بالنسبة لهذه الديون، وتقترح الدراسة الاستفادة من التقنية والابتكار التقني لإيجاد منصة تعاونية دولية لتتبع ومتابعة هذه الديون.
- قضية الديون السيادية من القضايا الاقتصادية الشائكة خصوصا للدول النامية، هل يمكن أن يتجاوز أزمتها العالم في فترة قصيرة، وكيف تتوقعون مسارها في الفترة المقبلة؟
الوضع بالنسبة إلى هذه الدول صعب جدا، وبدون إعادة هيكلة حقيقة لاقتصاديات تلك الدول، وضمان الحوكمة، ومزيد من الشفافية في طريقة صرف تلك الديون وكيفية سدادها، الجميع سيعاني، ورأينا كيف اضطرت مجموعة العشرين لاتخاذ قرارات سريعة مع تطور الجائحة لمساعدة تلك الدول على تأجيل الدفعات والإعفاء من العمولات، لأن انهيارها يعني خسارة الجميع.
- كيف ستقدم مجموعة العشرين الدعم اللازم للدول منخفضة الدخل؟
الدعم المباشر غير ممكن في ظل الظروف العالمية الحالية من خلال قراءتي للمشهد الدولي، ولكن مجموعة العشرين فعلا تبنت قرارات مهمة لدعم تلك الدول، ولكن كما ذكرت سابقا، هذه كلها معالجات مؤقتة، ولابد من إعادة هيكلة من داخل تلك الدول بما يسمح لها بالخروج من هذا المستنقع.