وزير التجارة الصيني لـ "الاقتصادية": السعودية تغلبت على الصعوبات وأنجزت كثيرا خلال رئاستها "العشرين"
أكد تشونج شان وزير التجارة في جمهورية الصين الشعبية، أن السعودية تستضيف قمة مجموعة العشرين في قت حرج يواجه خلاله العالم أزمة مالية، مبينا أنه منذ تولي الرياض رئاسة وقيادة المجموعة تغلبت على الصعوبات وأنجزت وحققت كثيرا من العمل.
وقال في حوار خاص مع "الاقتصادية" بمناسبة انعقاد هذه القمة في الرياض، "إنه في هذا الوقت الحرج الذي ينتشر فيه الوباء في العالم ويعاني الاقتصاد العالمي ركودا عميقا، يتوقع المجتمع الدولي عموما أن تلعب مجموعة العشرين دورا كبيرا في التعاون الدولي لمكافحة الوباء وتعزيز الانتعاش الاقتصادي".
وأشار إلى أن الرياض وبكين تلعبان دورا ثنائيا بين هذه المجموعة، باعتبارهما قوتين اقتصاديتين مهمتين لتذليل الصعاب والمشكلات التي تواجه دول العالم من قضايا اقتصادية وصحية ومالية.
وأوضح أنه من أهم المبادرات المطروحة في قمة الرياض تعميق التعاون الدولي لمكافحة الوباء، وضمان إنتاج وتجارة الإمدادات الطبية والأدوية، وجعل اللقاحات منتجا عالميا عاما لبناء مجتمع الصحة المشترك للبشرية، والعمل معا على تعزيز الانتعاش الاقتصادي، وإيجاد بيئة تجارية واستثمارية جيدة، وإطلاق إمكانات الاقتصاد الرقمي الكامنة.
ولفت إلى أنه في الوقت الراهن، تواجه العولمة الاقتصادية تيارا معاكسا، ويتعرض النظام التجاري متعدد الأطراف للأضرار الشديدة، وتشهد الحوكمة الاقتصادية العالمية تغيرات كبيرة، بينما تعاني منظمة التجارة العالمية أزمة غير مسبوقة.
وتطرق وزير التجارة الصيني في هذا الحوار إلى نقاط متنوعة ومختلفة، أبرزها العلاقات التاريخية الثنائية بين السعودية والصين وتطورها من فترة إلى أخرى في المجالات كافة، خاصة وفق رؤية 2030 السعودية، وهنا محصلة الحوار..
ـ كيف ترى تأثير الوباء في الاقتصاد العالمي؟
أحدث تفشي وباء كوفيد - 19 في أنحاء العالم صدمة شديدة في مؤشرات الاقتصاد العالمي ونموه، ما أدى إلى تقلص التجارة الدولية والاستثمار الحاد وسدود سلاسل الصناعة والإمدادات حتى قطعها، وعدم سلاسة في التداول الدولي مثل تدفق الأشخاص والخدمات اللوجستية، بينما تبدأ الأحادية والحمائية آخذة في الازدياد.
ووفقا لما توقعه صندوق النقد الدولي وبعض المؤسسات العالمية، سيشهد الاقتصاد العالمي في عام 2020 أسوأ ركود منذ الكساد الكبير في ثلاثينيات القرن الماضي.
كما أن الفيروس لا يعرف حدودا، وتعد الجائحة الوبائية اختبارا كبيرا أمام جميع الدول. حققت الصين نتائج استراتيجية كبيرة في الحماية الوقائية من الوباء والسيطرة عليه تحت توجيه الرئيس الصيني شي جين بينج وتخطيطه شخصيا، وأظهر الاقتصاد الصيني اتجاها حسنا على نحو مستقر، وحقق نموا إيجابيا في الأرباع الثلاثة الأولى من هذا العام.
وتتمسك الصين بمفهوم مجتمع المصير المشترك للبشرية، وتبذل قصارى جهدها لدعم الدول في مكافحة الوباء، ولقد قدمت المعونات لمكافحة الوباء لأكثر من 150 دولة ومنظمة دولية، كما صدرت المواد الوقائية إلى أكثر من 200 دولة.
وتعمل الصين بثبات على توسيع انفتاحها، وتستمر في تبسيط القائمة السلبية لدخول الاستثمار الأجنبي، كما تعزز بناء منطقة التجارة الحرة التجريبية وميناء هاينان للتجارة الحرة بشكل مطرد، وقد اُختتمت الدورة الثالثة لمعرض الصين الدولي للاستيراد بنجاح، كما تم تنفيذ سلسلة من التدابير الرئيسة لتوسيع الانفتاح واحدة تلو الأخرى، ما ضخ طاقة إيجابية في انتعاش الاقتصاد العالمي.
ويشهد العالم تغيرات كبيرة غير مسبوقة منذ قرن من الزمان، ولا تزال حالة تفشي الوباء العالمي شديدة، وتشهد حالة عدم الاستقرار واليقين في الاقتصاد العالمي ازديادا، ويجب على كل الدول تعزيز ثقتها وتجميع قوتها عند مواجهة مزيد من الصعوبات.
وضعت الجلسة الخامسة للجنة المركزية الـ19 للحزب الشيوعي الصيني خطة شاملة لتنمية الصين خلال فترة الخطة الخمسية الـ14، واقترحت أن تبني الصين نمطا جديدا للتنمية تكون فيه الدورة المحلية هي رئيسة، بينما تروج الدورات المزدوجة المحلية والدولية لبعضها بعضا، ما دفع إلى مستوى أعلى من الانفتاح، وكل ذلك سيوفر سوقا أوسع وفرص تنمية لجميع الدول.
وفي هذا السياق، تكون وزارة التجارة الصينية على استعداد للعمل مع السلطات الاقتصادية والتجارية في مختلف الدول على مواصلة دفع التعاون الدولي للوقاية من الوباء والسيطرة عليه، وتخفيف تأثيرات الوباء، وتعزيز تنسيق السياسات الاقتصادية، وانتعاش الاقتصاد العالمي ونموه.
ـ ما توقعاتك لقمة الرياض لقادة مجموعة العشرين؟
نشأت آلية قمة مجموعة العشرين في أحرج وقت للأزمة المالية الدولية، فقد قدمت خلال الأعوام الـ12 الماضية مساهمات مهمة في تعزيز التعاون العالمي والتعامل مع التحديات المشتركة.
ومنذ تولي المملكة رئاسة مجموعة العشرين، تغلبت على الصعوبات ونجحت في إنجاز كثير من الأعمال. وترأس الملك سلمان بن عبدالعزيز القمة الخاصة لقادة مجموعة العشرين في مواجهة الالتهاب الرئوي الناتج عن فيروس كورونا المستجد، وحضر هذا الاجتماع الرئيس الصيني شي جين بينج وقادة الدول الأخرى، حيث اتفقوا على ضرورة توحيد جميع الأطراف لمواجهة تهديد الوباء، كما نظم الجانب السعودي الاجتماعين الخاصين لوزراء التجارة والاجتماع للتحضير للقمة تجاريا.
وفي الوقت الحرج الذي ينتشر فيه الوباء في العالم ويعاني الاقتصاد العالمي ركودا عميقا، يتوقع المجتمع الدولي عموما أن تلعب مجموعة العشرين أكبر دور في التعاون الدولي لمكافحة الوباء وتعزيز الانتعاش الاقتصادي. ومن هذه الناحية فإن الصين على استعداد للعمل مع جميع الأطراف على دفع القمة للتركيز على التضامن والتعاون، والوصول إلى توافق أوسع وتحقيق نتائج أكثر عملية.
وأول هذه النتائج تعميق التعاون الدولي لمكافحة الوباء، وضمان إنتاج وتجارة الإمدادات الطبية والأدوية، وجعل اللقاحات منتجا عالميا عاما لبناء مجتمع الصحة المشترك للبشرية.
وثانيا، العمل معا على تعزيز الانتعاش الاقتصادي، وإيجاد بيئة تجارية واستثمارية جيدة، وإطلاق إمكانات الاقتصاد الرقمي الكامنة، والحفاظ المشترك على استقرار وسلاسة السلسلة الصناعية وسلسلة الإمداد العالمية، وزيادة الدعم والمساعدة للدول النامية، ومواصلة العمل على الحد من الفقر، وتحسين معيشة الشعوب، وتعزيز القوة الداخلية.
أما ثالثا، فيتمثل في بناء الاقتصاد العالمي المفتوح، ومعارضة الأحادية والحمائية، والحفاظ على التجارة الحرة والنظام التجاري متعدد الأطراف، وتعزيز الانفتاح المشترك على أساس التعاون للفوز المشترك والتعاون للمسؤولية المشتركة والتعاون للحوكمة المشتركة، ودفع العولمة الاقتصادية نحو اتجاه أكثر انفتاحا وتسامحا وشمولا وتوازنا، ومربح اللجميع.
ـ ما موقف الصين تجاه إصلاحات منظمة التجارة؟ وكيف يمكن تعزيز التعاون مع السعودية لإصلاحها؟
تعد منظمة التجارة العالمية ركيزة مهمة من حيث الحوكمة الاقتصادية العالمية، في الوقت الراهن، كما تواجه العولمة الاقتصادية تيارا معاكسا، ويتعرض النظام التجاري متعدد الأطراف للأضرار الشديدة، كما تشهد الحوكمة الاقتصادية العالمية تغيرات كبيرة، بينما تعاني منظمة التجارة العالمية أزمة غير مسبوقة.
وقد اقترح الرئيس الصيني شي جين بينج في الجمعية العامة للأمم المتحدة المنعقدة في 22 أيلول (سبتمبر) الماضي بناء اقتصاد عالمي مفتوح بثبات، وحماية النظام التجاري متعدد الأطراف مع منظمة التجارة العالمية باعتبارها حجر الزاوية فيه، ومعارضة الأحادية والحمائية بموقف واضح.
كما تدعم الصين الإصلاحات الضرورية في منظمة التجارة العالمية. ظل موقف الصين تجاه إصلاح منظمة التجارة العالمية ثابتا وواضحا، فقد حظيت "المبادئ الثلاثة" و"الاقتراحات الخمسة" التي قدمناها و"اقتراح الصين بشأن إصلاح منظمة التجارة العالمية" باستجابة إيجابية من عديد من الأعضاء.
وتعتقد الصين أن الإصلاح لا يعني الإطاحة وإعادة البدء، يجب الحفاظ على القيم الأساسية للنظام التجاري متعدد الأطراف، وحماية المصالح الإنمائية للأعضاء النامين، واتباع آلية صنع القرار عن طريق توافق الآراء، وتوطيد سلطة منظمة التجارة العالمية وفعاليتها، ودفع مواكبة المنظمة مع العصر ولعب أكبر دور في توسيع الانفتاح وتعزيز التنمية.
وتعد كل من الصين والسعودية مشاركين نشيطين ومدافعين قويين ومساهمين مهمين للنظام التجاري متعدد الأطراف بصفتهما دولتين ناميتين كبيرتين. وترغب الصين حقيقة في تعزيز التواصل والتعاون مع المملكة لدفع الإصلاحات الضرورية في منظمة التجارة العالمية بشكل مشترك، وانتخاب مدير عام للمنظمة يلبي توقعات جميع الأطراف في أقرب وقت ممكن، من أجل خروج المنظمة من المأزق تحت قيادته.
ذلك علاوة على دفع حل المأزق في اختيار أعضاء هيئة الاستئناف للحفاظ على التشغيل الفعال لآلية تسوية المنازعات، والقيام بعمل جيد في تصميم نتائج المؤتمر الوزاري الـ12 لمنظمة التجارة العالمية، ودفع تيسير الاستثمار والتجارة الإلكترونية وغيرها من الموضوعات لتحقيق النتائج العملية.
ـ كيف تقيم إنجازات وآفاق تنمية العلاقات الاقتصادية والتجارية بين الصين والسعودية؟
تعد الصين والسعودية شريكين استراتيجيين شاملين، ويصادف هذا العام الذكرى الـ30 لإقامة العلاقات الدبلوماسية بين الدولتين، وتبادل الرئيس الصيني شي جين بينج والملك سلمان بن عبدالعزيز رسائل التهنئة، مشيدين عاليا بإنجازات تعاون الدولتين في مختلف المجالات منذ إقامة العلاقات الدبلوماسية، وفي الوقت نفسه أشارا إلى اتجاه تطوير العلاقات الثنائية.
وعندما نستعرض هذه الأعوام الـ30، يسعدنا أن نرى أن التعاون الاقتصادي والتجاري الثنائي حافظ دائما على زخم إنمائي صحي وقد حقق نتائج مثمرة، إذ نمت التجارة الثنائية إلى 78 مليار دولار أمريكي في عام 2019، بزيادة تقارب 260 مرة مقارنة بعام إقامة العلاقات الدبلوماسية.
وأصبحت الصين أكبر شريك تجاري للسعودية، وكما تعد السعودية أكبر شريك تجاري للصين في المنطقة العربية، ويستمر مجال الاستثمار الثنائي في التوسع.
وحتى نهاية عام 2019، بلغ إجمالي استثمارات الصين في السعودية 3.5 مليار دولار أمريكي، وتراكم الاستثمار السعودي المباشر في الصين إلى 1.65 مليار دولار أمريكي، كما توسع مجال التعاون الاستثماري من قطاع الطاقة إلى البنية التحتية والتكنولوجيا الفائقة وغيرها من المجالات، وترجمة المشاريع الكبرى إلى الواقع بشكل فعال.
ويجري مشروع مصفاة ينبع الصينية السعودية التي بدأها زعيما الدولتين بشكل جيد، ووفر أكثر من ستة آلاف فرصة عمل للجانب السعودي منذ بداية هذا العام.
وعند مواجهة كوفيد 19 المفاجئ، قدم الجانب السعودي الدعم والتأييد للصين لمكافحتها ضد الوباء، كما قدمت الصين للجانب السعودي المساعدة المادية بقدر استطاعتها، وهنا ألف الجانبان قصة جميلة عن تبادل المساعدات وتوحد الجهود في الأوقات الصعبة.
ـ وماذا عن سبل تعزيز التعاون بين الدولتين؟
يتمتع الاقتصادان الصيني والسعودي بتكاملية كبيرة، وللتعاون الاقتصادي والتجاري بين الدولتين آفاق واسعة، ونحن على استعداد لتعزيز التعاون مع السعودية في ثلاثة مجالات.
أول هذه المجالات، تعزيز الترابط بين استراتيجيات التنمية، وضعت الصين الخطة "الخمسية الـ14" الخاصة بالتنمية الوطنية والأهداف طويلة الأجل حتى عام 2035، كما أطلقت السعودية "رؤية 2030" لتنويع النمو الاقتصادي.
وترغب الصين في تعزيز الترابط مع السعودية في مختلف المجالات وترحب بها للمشاركة في السوق الصينية الضخمة وفرص التنمية.
وثانيا، تعميق التعاون العملي لإجراء تطوير اللقاحات والأدوية بشكل مشترك، ومواصلة استكشاف نقاط نمو جديدة في مجالات الطاقة، النقل، الاتصالات، الإسكان، التمويل، التكنولوجيا، الرعاية الطبية، الحدائق الصناعية، وتعزيز التنمية عالية الجودة لـ"الحزام والطريق".
وثالث هذه المجالات، تعزيز التعاون الإقليمي متعدد الأطراف، واستئناف مفاوضات اتفاقية التجارة الحرة بين الصين ودول مجلس التعاون الخليجي، ودعم النظام التجاري متعدد الأطراف بقوة، وتعزيز التنسيق والتعاون تحت إطار الآليات مثل مجموعة العشرين.
وطالما نعمل معا للمضي قدما، فسنستهل مستقبلا مشرقا، إذ أبحرت الصين من نقطة انطلاق تاريخية جديدة، إنها على استعداد للعمل جنبا إلى جنب مع السعودية للابتكار وإيجاد غد أفضل للعلاقات الاقتصادية والتجارية الثنائية.