محللون لـ "الاقتصادية": القيادة السعودية تعيد الحيوية إلى "العشرين" .. قدرة على تجاوز التحديات بالحلول
عندما عقد قادة مجموعة العشرين قمتهم الأولى في العاصمة الأمريكية واشنطن في نوفمبر عام 2008، رحب كثير من قادة العالم - حتى من غير المشاركين في المجموعة - بتلك الخطوة.
لم يكن الدافع الوحيد للترحيب حاجة المجتمع الدولي إلى منتدى جديد يسهم بفاعلية وسرعة في العمل على إخراج الاقتصاد الدولي من الأزمة المالية التي عصفت به حينها، بل كان منبع الترحيب مبنيا على أمل أن تعكس تركيبة المنتدى الجديد، تنوعا حقيقيا يطرح بمصداقية درجة أعلى من التمثيل الدولي لحل المشكلات العالمية.
في الحقيقة كانت الآمال معلقة بالمجموعة الجديدة، فالمنتدى لم يكن نخبويا يضم الدول المتقدمة فقط على غرار مجموعة السبع، ومن ثم لا يعبر عن الغالبية العظمى من سكان الكرة الأرضية، بمشكلاتهم الحقيقية والتحديات الاقتصادية التي يواجهونها، ولم تكن المجموعة شديدة الاتساع والعمومية على غرار الجمعية العامة للأمم المتحدة، ومن ثم تفقد القدرة على الوصول إلى اتفاق حقيقي قابل للتطبيق.
وما أشبه الليلة بالبارحة، فالقمة التي ستعقد في الرياض تأتي في أوقات لا تقل ضراوة عن الظروف التي عقدت فيها القمة الأولى، وربما أكثر خطورة وأشد تحديا، فالاقتصاد العالمي يمر بأزمة حقيقية، تختلف ملامحها عن أزمة عام 2008 لكن نتائجها تبدو مماثلة، فمعدل النمو الاقتصادي العالمي متراجع، والضغوط الاقتصادية تطول الجميع، يضاف إلى ذلك التحديد الحياتي من تفشي فيروس كورونا، الذي بدون التوصل إلى علاج ناجع للقضاء عليه أو تلجيمه، فإن عودة الاقتصاد العالمي إلى المسار الصحيح لتحقيق النمو والاستقرار ستكون محل شك.
وبين نقطة الانطلاق عام 2008 بتمنياتها، واللحظة الراهنة بتحدياتها، يعد ترؤس الرياض القمة مرحلة جديدة تسعى إلى الجمع بين البدايات عبر تبني دعوة إلى الإصلاح الاقتصادي الشامل، وبين احتياج الساعة عبر العمل المشترك سواء من أجل التوصل إلى علاجات أو لقاحات لفيروس كورونا أو عبر سياسات علاجية للاقتصاد العالمي.
وقال لـ"الاقتصادية" راسل دين، الاستشاري في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، "السعودية تقود مجموعة العشرين في لحظة محورية، وقد نجحت بمهارة شديدة خلال القمة الافتراضية الاستثنائية التي عقدتها في مارس لوضع أسس الجهود الدولية لمكافحة فيروس كورونا، إذ أوجدت ما يمكن اعتباره موقفا دوليا موحدا لتفعيل التعاون لمواجهة الأزمة".
وأضاف دين، أن "القمة التي ستعقد في الرياض على مدار يومين تمثل في جزء منها امتدادا للبناء على ما توصلت إليه قمة شهر مارس، لكن القيادة السعودية لا تريد الوقوف عند هذا الحد، إذ تشعر بأن عليها عبئا يجب تحمله يتعلق بضرورة التحرك الجماعي للمجموعة لتعود إلى أهدافها الأولى المتعلقة بالانتعاش الاقتصادي، والسعودية ترى أن ذلك لن يتم إلا عبر تفعيل الحوكمة العالمية، التي تم تهميشها لأعوام".
وأوضح، أن الرياض ترى أنه لا يجب أن تكون هناك دولة واحدة وصية على المجتمع الدولي، إنما قيادة المجتمع الدولي يجب أن تتم بشكل جماعي عبر الحوار والنقاش الدائم، وهي في الحقيقية تنظر إلى المستقبل بما قد يتضمنه ذلك من ضرورة تمهيدها الأرضية الآن لتوسيع نطاق المجموعة مستقبلا إذا تطلب الأمر.
وبحسب دين، فإنه من هنا تأتي أهمية تسليم مفاتيح قيادة المجموعة للسعودية، لأنه عندما يتعلق الأمر بالمشكلات التي لا تمكن معالجتها إلا بشكل تعاوني على المستوى العالمي، فإن مواقف الرياض خلال فترة رئاستها تكون عمليا قد أسهمت في إعادة الحيوية إلى المجموعة من جديد، وأثبتت أن قدرتها لا تقف عند حدود إصدار بيانات ضخمة للاعتراف بوجود تحديات عالمية، وأنها برهنت على أنها قادرة تماما على تقديم حلول فاعلة لتلك التحديات.
واستدرك "إذن فإن ما نادت به الرياض مطولا ولأعوام، وساعدها توليها قيادة مجموعة العشرين في تلك الأوقات المفصلية للعالم ككل، تمثل في أن البحث عن حل لمشكلات الكوكب أيا كانت يجب أن يبدأ برؤية واضحة لما يحتاج العالم إلى أن يفعله، وأن المؤسسات متعددة الأطراف لا تستمد أهميتها من كونها متعددة الأطراف، إنما من كونها مرنة ومتفهمة لطبيعة التحدي الذي تواجهه".
وأشار إلى أن هذا تحديدا ما جعل الرياض خلال رئاستها مجموعة العشرين تعمل على "تليين" هياكل المؤسسة، وأن تتخذ من الإجراءات والتدابير ما يضخ الحيوية في أوصالها من جديد، وأن تسد الثغرات عبر مزيد من الرقابة الجماعية والتنسيق المطلوب.
وهذا الإطار النظري الذي وضعته القيادة السعودية عند قيادة المجموعة يرتبط - من وجهة نظر الدكتورة جيسيكا بونتون أستاذة المنظمات الدولية في جامعة برمنجهام - بطابع خاص يتعلق بالقيادة السعودية ذاتها.
وقالت جيسيكا لـ"الاقتصادية"، "ترؤس الرياض مجموعة العشرين مثل نقطة إيجابية في هذا التوقيت من جوانب متعددة، فمناخ عدم الثقة كان سائدا بين عدد من أبرز قادة المجموعة، وعاق عمليا أن تتحرك المجموعة بفاعلية في الأعوام الماضية.. السعودية لم تعمل على تحطيم تلك الجدران العازلة بضربة واحدة، متفهمة أن ذلك غير واقعي، وسيواجه بردود فعل ربما لا تصب في مصلحة المسار العام للمجموعة، ولذلك حرصت على إذابة تلك الخلافات وتحويلها من جدران عازلة إلى جسور يمكن العبور عليها في الاتجاهين".
وأوضحت أن هذا النجاح جزء منه يعود إلى مكانة الرياض في المجتمع الدولي، وجزء آخر يعود إلى طبيعة القيادة السعودية ذاتها، والعلاقات الشخصية المميزة التي تربط خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز بجميع قادة المجموعة وبلا استثناء، ومكنه ذلك من طرح جدول أعمال يصعب الجدل بشأنه سواء عندما يتعلق الأمر بطبيعة الخطوات المحددة الواجب اتخاذها للتعامل مع وباء كورونا، وهو ما برز في قمة شهر مارس الافتراضية، أو مع ما يجب اتخاذه من تدابير لإنقاذ الاقتصاد العالمي، ما سيتضح في تلك القمة.
وأضافت جيسيكا أن "الشق الثاني يرتبط بولي العهد الأمير محمد بن سلمان وجيل الشباب في المملكة، وعلى الرغم من أن قضايا الشباب كانت دائما حاضرة في أروقة ونقاشات قادة المجموعة، لكن من الواضح أن هناك محورا مختلفا في تلك القمة عن مثيلتها من القمم الأخرى، يتمثل في فكرة تمكين الشباب ليس فقط بوصفهم صوتا يجب الاستماع له، لكن من منطلق كونهم قوة فاعلة في عملية الإصلاح الشامل".
وأشارت إلى أن هذا الطرح يعد بجميع المعايير جديدا على المنتدى الدولي، ويعكس في جزء منه رؤية سعودية مختلفة، لكنها تتسم بواقعية تنبع من فهم لتطور الأوضاع الدولية.
مع هذا يشير البعض إلى أنه لا تنبغي المبالغة في التوقعات، فما تطرحه القيادة السعودية بشأن مجموعة العشرين، يعد رؤية مستقبلية تساعد على إعادة هيكلة المؤسسة وتجديد دورها، ومن ثم لا يتوقع أن تكون نتائجها سريعة وآنية.
من جانبه، قال الباحث جاك نيل، "علينا أن ندرك أن التفاوض على الإصلاح في حد ذاته عملية تستغرق وقتا طويلا، وحتى إن تمتعت القيادة السعودية بقبول دولي يساعد على تمرير وجهة نظرها الإصلاحية تجاه المجموعة، فإن التشكيلة الداخلية لهذا المنتدى تتصف باتساع نطاق العضوية من دول متباينة النمو، ما يجعل مناقشة تفاصيل عملية الإصلاح في حد ذاتها في حاجة إلى وقت، علاوة على تنفيذها".
ويدفع هذا الوضع بالباحث جاك نيل إلى دعوة الدول الأعضاء إلى ضرورة مناقشة الفترة الزمنية المتعلقة برئاسة كل دولة للمجموعة التي تبلغ عاما، إذ يعد تلك الفترة غير كافية لوضع الرؤية السعودية موضع التطبيق الشامل، ويطالب بتمديد الفترة الزمنية للرئاسة السعودية لتبلغ عامين، على أن يصبح ذلك بمنزلة قاعدة مستقبلية.
من هذا المنطلق وفي ظل المناخ الاقتصادي والسياسي العالمي شديد التعقيد، فإن تولي الرياض مسؤولية قيادة مجموعة العشرين لا يعد قضية سهلة أو سلسلة. ومع هذا تعول الرياض على المجموعة كآلية دولية قادرة على تحقيق الاستقرار والنمو الاقتصادي المستدام، لكنها تدرك أن ذلك لن يتم إلا عبر نهج طويل، وأنه لا توجد عصا سحرية يمكن أن تغير المسار الدولي سريعا.
لكنها ترى أن النقاش والحوار وإعطاء فرصة حقيقية للمهمشين في المجتمع الدولي، وعدم حصر القرار الدولي في عدد محدود من الدول الثرية مدخل أساس لإعادة التوازن المفقود للساحة الدولية اقتصاديا وسياسيا، تلك القناعة السعودية هي ما تجعل قيادتها المجموعة ذات طابع مختلف يتناسب واحتياجات المرحلة الدولية الراهنة.