عيال البطة السوداء
في عام 1844 نشر الكاتب الدنماركي هانس أندرسن روايته "البطة السوداء"، التي تدور أحداثها حول بطة بيضاء جميلة وضعت عدة بيضات كانت تتعهدها بالرعاية إلى أن فقست فراخا بيضاء تشبه أمها، في حين أن البيضة الأخيرة تأخرت كثيرا ولم تفقس مع البقية، ما أثار قلق البطة الأم ثم بعد فترة بدأت هذه البيضة التحرك شمالا ويمينا وكأن الفرخ الموجود في داخلها يكافح بصعوبة من أجل الخروج، ثم كانت المفاجأة حين ظهر فرخ أسود كبير الحجم لا يشبه بقية إخوته، فيما بعد كان هذا الطائر الأسود يتعرض لكثير من السخرية والتنمر من بقية إخوته لأنه لا يشبه أحدا منهم، ما دفعه إلى الانعزال والوحدة وعدم الثقة بالآخرين.
ما دفعني للبحث عن أصل هذه العبارة المتداولة بكثرة في مجتمعاتنا "ولد البطة السوداء" هو تلك النبرة الحزينة التي يقولها شخص ما حين يتعرض إلى موقف لا يروق له أو يثير ضيقه. لماذا يعشق البعض استدرار شفقة الآخرين ودفعهم إلى الإحساس بتأنيب الضمير نحوه؟ وهل الأشخاص من ذوي الشخصيات الحساسة هم فقط من يشعرون أنهم "عيال البطة السوداء"، أم أن ذلك الشعور قد يشعر به الجميع في موقف ما؟
الحقيقة التي يجب أن يعلمها الجميع هي أن "عيال البطة السوداء" هم فئة من البشر يعيشون على اجترار مواقف الماضي واسترجاع مواقف الظلم والانتقاص التي حدثت لهم، ويشعرون بلذة عجيبة وهم يتقمصون دور الضحية التي عانت تنمر الآخرين عليها وسخريتهم منها، كما أنهم يبالغون في لوم من حولهم حتى يشعروهم بتأنيب الضمير وأنهم السبب فيما هم فيه من ألم وحزن!
"عيال البطة السوداء" يريدونك أن تخبرهم بكل حدث في حياتك فور حدوثه، ويطمعون في مساندتك لهم عند كل إخفاق وعثرة بغض النظر عن ظروفك وحالتك الراهنة، ويظنون أنه يجب أن تضاعف جهودك لتداري مشاعرهم المرهفة، ويعتقدون أنك لم تخلق في هذه الحياة إلا لإرضائهم والاستماع إلى شكواهم "ونقتهم اللي ما تخلص"، ويأملون منك أن "تطبطب" عليهم وتدعمهم وتدفعهم إلى الاستمرار قدما في الحياة رغم أنهم
"ماخذين وضعية" مكانك سر، وإن لم تفعل ما سبق، فإنك بالنسبة إليهم قاسي القلب وتعدهم "عيال البطة السوداء"!
وخزة
إن كنت تعد نفسك في كل مواقف الحياة التي تمر بها "ولد البطة السوداء" فأتوقع أنك بحاجة إلى علاج نفسي!