الهيدروجين وصناعة النقل

أول صناعة من المنتظر أن ينجح الهيدروجين في جذبها لاستخدامه كبديل للوقود الأحفوري هي صناعة النقل، حيث يمكن أن يحل الهيدروجين مباشرة محل الغاز وزيت الديزل. كما يحمل الهيدروجين بعض المزايا التي تجعله يتفوق على السيارات الكهربائية لأن الهيدروجين يعد ناقلا للطاقة وليس مصدرا للطاقة في حد ذاته. ويتم تحويل وقود الهيدروجين إلى كهرباء بوساطة جهاز يسمى مجمع خلايا الوقود حتى يمكن استخدامه في تشغيل المركبات. وداخل كل خلية وقود فردية يتفاعل الهيدروجين المضغوط والمندفع من خزان مدمج مع محفز غالبا ما يكون مصنوعا من البلاتين باهظ الثمن. وعندما يمر الهيدروجين عبر المحفز يجرده المحفز من إلكتروناته ويحررها، ما يضطرها إلى التحرك على طول دائرة خارجية، وبالتالي يتم إنتاج تيار كهربائي، ثم يستخدم محرك كهربائي هذا التيار الكهربائي لتشغيل المركبة. ولا تطلق هذه العملية سوى منتج ثانوي واحد فقط هو بخار الماء، ما يجعل الميزة الرئيسة للسيارات التي تعمل بخلايا وقود الهيدروجين على السيارات التقليدية هي إمكانية الوصول إلى بصمة كربونية صفرية.
لكن إذا كان علينا مواجهة مشكلة تحويل الهيدروجين إلى كهرباء لاستخدامه في تشغيل المركبات، فلماذا لا نستخدم المركبات التي تعمل بالبطاريات الكهربائية مباشرة؟ يتمثل الاختلاف بين المركبة الكهربائية التي تعمل بالبطارية والتي تعمل بخلايا وقود الهيدروجين في الفرق الكبير بين سرعة التزود بالوقود في الحالتين، حيث تكفي خمس دقائق للمركبة العاملة بخلايا وقود الهيدروجين مقارنة بـ 45 دقيقة للمركبة العاملة بالبطارية الكهربائية. كما أن المركبة التي تعمل بخلايا وقود الهيدروجين تمنح المستخدم تخزينا أفضل للطاقة بنحو خمس مرات لكل وحدة حجما ووزنا، ما يوفر مساحة أكبر في المركبة لمزايا أخرى، مثل مساحات التخزين والمساحات المخصصة للركاب، فضلا عن أنها تسمح لمستخدمها بالسفر مسافات أطول.
يرى الخبراء أن مركبات خلايا وقود الهيدروجين يمكن أن تكون فعالة، خصوصا عندما يتعلق الأمر بالشاحنات التي تسافر مسافات طويلة، وغيرها من القطاعات التي يصعب فيها التزود المتكرر بالكهرباء، مثل الشحن البحري والسفر الجوي لمسافات طويلة، وجميع التطبيقات التي يكون فيها استخدام البطاريات الثقيلة أمرا غير فعال. وكلما كانت المركبة أو الجهاز الذي نتناوله أضخم كان التحول إلى الهيدروجين أكثر جدوى، ومثال ذلك: لو افترضنا أن شاحنة ذات 18 إطارا ستعمل بواسطة بطارية ليثيوم فسيصبح الأمر مثيرا للسخرية لأننا سنحتاج إلى أن نحول الشاحنة بأكملها إلى بطارية ليثيوم حتى تكون التجربة عملية وإلا فسيتعين على سائق الشاحنة شحنها طوال الوقت بدلا من قيادتها.
لكن انتشار المركبات التي تعمل بخلايا وقود الهيدروجين بطيء على الصعيد العالمي، ففي نهاية عام 2019 بلغ عدد مركبات خلايا وقود الهيدروجين المستخدمة على الطرق أكثر من 18 ألف مركبة، في حين بلغ عدد المركبات الكهربائية 7.2 مليون مركبة. وإلى الآن لا توفر مركبات خلايا وقود الهيدروجين سوى ثلاث شركات فقط، هي: "هوندا"، و"هيونداي"، و"تويوتا"، وجميعها يقترب سعر الواحدة منها من 60 ألف دولار، أي: ضعف تكلفة بعض المركبات الكهربائية الخالية من الكماليات. وتعمل "هيونداي" جنبا إلى جنب مع "تويوتا" وتابعتها "هينو" المنتجة للشاحنات على تصميم وإنتاج شاحنات خلايا وقود الهيدروجين.
من ناحية أخرى، وضعت مجموعة النفط والغاز الفرنسية العملاقة "توتال" أخيرا بعض استثماراتها في شركة هايزون الناشئة التي تنتج الشاحنات والحافلات التي تعمل بخلايا وقود الهيدروجين. بينما صرحت شركة نيكولا للسيارات أنها ستبدأ إنتاج نسختها المخصصة للمستهلك النهائي من شاحنات خلايا وقود الهيدروجين عام 2023. لكن شركة واحدة لم تقنع بعد بمزايا الشاحنات التي تعمل بخلايا وقود الهيدروجين وهي شركة تسلا، حيث تعمل "تسلا" بدلا من ذلك على شاحنة نصف كهربائية تأمل أن تبدأ تسليمها عام 2021، بل ذهب إيلون ماسك الرئيس التنفيذي لـ "تسلا"، إلى حد وصف تقنية خلايا وقود الهيدروجين بأنها غبية للغاية.
وقد كان العائق الكبير أمام انتشار مركبات خلايا وقود الهيدروجين الافتقار إلى البنية التحتية المتمثلة في محطات الوقود، لأنه رغم أن سيارات خلايا وقود الهيدروجين تتزود بالوقود بطريقة مماثلة للسيارات التقليدية، إلا أنها لا تستطيع استخدام محطاتها نفسها. وفي جميع أنحاء العالم لا يوجد سوى 407 محطات وقود هيدروجين عاملة اليوم، ويقع أغلبها في أوروبا تليها آسيا وأخيرا أمريكا الشمالية. وفي الولايات المتحدة لا يوجد سوى ما يزيد قليلا على 40 محطة وقود هيدروجين عامة يقع جميعها في ولاية كاليفورنيا باستثناء محطة واحدة. ومن ثم فمن يرغب في امتلاك مركبة تعمل بخلية وقود هيدروجين عليه أن يبني محطات الوقود ومرافق التكرير ويشتري الشاحنات القادرة على نقل الهيدروجين إلى المحطات أو يمد الأنابيب تحت الأرض لنقل الهيدروجين إلى المحطات.
وبعيدا عن مشكلة البنية التحتية، فهناك نقطة سلبية يتم طرحها كثيرا على أنها مشكلة ملازمة لوقود الهيدروجين وهي عدم كفاءته. وذلك لأنه بعد تصنيع وقود الهيدروجين ونقله وتوزيعه وتحويله إلى كهرباء في خلية الوقود، يفقد 70 في المائة من كفاءته. لكن ما يخفف من أثر هذه المشكلة إلى حد ما حقيقة أن الهيدروجين شديد كثافة الطاقة، ما يعني أن الحجم الصغير منه يمكن أن يحتوي على كثير من الطاقة. وعندما نشتري كيلوجراما من الهيدروجين كأننا نشتري كمية الطاقة نفسها التي يوفرها جالون من البنزين، لكن يحدث الفرق عند تحويل هذا الهيدروجين إلى قدرة محركة للمركبة، حيث تكون القدرة الناتجة أكثر كفاءة بمقدار ضعفين إلى ثلاثة أضعاف من القدرة الناتجة عن حرق البنزين نظرا لأن ما يحدث بخلية الوقود هو تفاعل كهروكيميائي وليس احتراقا، ما يجعل خلية الوقود أكثر كفاءة بكثير. وهذا يعني أنه للوقوف على سعر الهيدروجين مقابل ما يحمله من قيمة يمكن قسمة سعر الهيدروجين الحالي على اثنين أو اثنين ونصف، كما يتضح أن الهدف هو خفض سعر وقود الهيدروجين الخاص بالمركبات ليقترب من سعر وقود البنزين وزيت الديزل.
وإلى جانب السعي لخفض سعر الهيدروجين، يجب أيضا العمل على خفض تكلفة مكونات المركبات التي تعمل بخلايا الوقود وتكلفة تخزين الهيدروجين نفسه، حيث لا يزال من المكلف للغاية اليوم إنتاج خلية وقود، ودون تدخل حكومي بالدعم المباشر أو غيره يمكن أن تصل تكلفة الوحدة الواحدة إلى 50 ألف دولار. كما أن الهيدروجين يجب أن يخزن تحت ضغط كبير، لذلك يجب أن تتوافر له خزانات ضغط عالية باهظة الثمن.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي