تطوير اتجاهات اقتصاد الهيدروجين

يتفق الجميع أنه كلما قل الاعتماد على الوقود الأحفوري وزاد تطوير مصادر طاقة جديدة، كان ذلك أفضل. وبغض النظر عن الإيمان بتداعيات عملية تغير المناخ من عدمه، فإن فوائد التحول من الوقود الأحفوري إلى الوقود الصديق للبيئة تمتد إلى ما هو أبعد من مجرد خفض انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، فضلا عن الحقيقة الراسخة المتمثلة في كون إمدادات النفط والغاز ستنضب حتما يوما ما. وقد كانت شركة تسلا رائدة للآمال العظيمة في هذا المجال منذ فترة حتى الآن، بفضل تطويرها ونشرها لتقنية البطاريات. وبغض النظر عن مدى النجاح الذي يرغب بعض الحالمين في أن تحققه "تسلا"، فهي لن تحل هذه المشكلة بمفردها، بل من المحتمل ألا تتمكن الصناعة ككل من حلها باستخدام نهج البطاريات فقط. ويرجع ذلك ببساطة إلى أن الطلب على تقنية بطاريات الليثيوم أيون ينمو بشكل أسرع مما يمكن أن تفي به توريدات الليثيوم. ومن ثم فنحن بحاجة إلى نهج متعدد الأوجه لحل هذه المشكلة.
الحل الآخر الذي كانت تفضله الصناعة منذ وقت ليس ببعيد كبديل للوقود الأحفوري، هو تقنية وقود الهيدروجين. وتعمل شركات مثل تويوتا وشل على تطوير الصناعة القائمة على هذه التقنية. ولن يكون السباق سهلا بين مختلف الحلول، لكن الهيدروجين قد يثبت أنه السلحفاة التي تغلبت على الأرنب. ويواجه الهيدروجين ثلاث عقبات أولية يجب عليه تخطيها حتى يصبح مصدرا للطاقة يمكن الاعتماد عليه في أي صناعة، وهذه العقبات هي السلامة والبنية التحتية والتكلفة.
حتى نطمئن القارئ حول ما بدأ يدور في ذهنه الآن سنبدأ بالعقبة الأولى وهي السلامة. إذا كانت خلايا وقود الهيدروجين على موعد مع الانتشار في السيارات المتحركة على الطرق العامة على نطاق واسع، فإن الهيدروجين لا يحتاج فقط إلى أن يكون آمنا في حد ذاته، لكن يجب أن يدرك الناس ويؤمنوا بأنه آمن. لا شك في أن ملء خزان كبير قابل للاشتعال بالهيدروجين فكرة سيئة للغاية، فالهيدروجين يتميز بدرجة حرارة اشتعال منخفضة نسبيا ونطاق اشتعال واسع جدا، وحقيقة أنه غاز مضغوط تجعل هاجس الانفجارات مصدر قلق. لكن الهيدروجين يتصف بميزة كبيرة تمنحه التفوق على الوقود المشتق من النفط في هذا الخصوص، وهي أنه أخف من الهواء، ما يعني إمكانية التخلص منه باستخدام صمامات الطوارئ النافثة في حالة نشوب حريق، حتى إذا اشتعل فإنه لن يتجمع حول السيارة ويبتلعها وركابها في النيران. وقد اختبرت "تويوتا" إطلاق رصاصة من عيار 0.50 على خزان ألياف الكربون الذي تستخدمه لتعبئة وقود الهيدروجين فلم ينفجر الخزان. وما حدث ببساطة أن الخزان سمح للغاز الأخف من الهواء بالهروب والتدفق إلى الغلاف الجوي. ومن ثم يمكن القول: إن الهيدروجين أكثر أمانا من البنزين، والسلامة ليست مصدر قلق كبير فيما يتعلق باستخدام وقود الهيدروجين على نطاق واسع.
أما العقبة الثانية المتمثلة في الافتقار إلى البنية التحتية فهي بالفعل مشكلة كبيرة. لقد حققت المركبات التي تعمل بالبطاريات تفوقا كبيرا في مجال البنية التحتية، وأصبحت هناك شبكة خدمات للمركبات الكهربائية تضم مرافق سابقة الإنشاء لتوليد ونقل الوقود الذي تحتاج إليه المركبات العاملة بالبطاريات، بل أصبح تركيب وحدة شحن كهربائي في ممر المنزل أو في المرآب لا يمثل تحديا كبيرا. لا يتمتع الهيدروجين بمثل هذه المرافق التكميلية لبدء اقتصاد الهيدروجين، هناك فقط عدد قليل من مرافق الإنتاج ذات النطاق الواسع في العالم، وأكبرها منشأة "شل" لتكرير النفط في راينلاند ألمانيا، وهي تستخدم الهيدروجين الذي تنتجه بالكامل في عملية تكرير النفط. لكن الدروس المستفادة من هذه الجهود سمحت لشركة شل وشريكتها شركة آي تي إم بجعل الهيدروجين خيارا قابلا للتطبيق في مجال تخزين الطاقة.
إن نقل الهيدروجين في شاحنات مضغوطة سيكون أمرا مكلفا للغاية، حيث لا توجد مرافق إنتاج هيدروجين ذات نطاق واسع قريبة من المدن. ورغم أنه يمكن نقل الهيدروجين داخل خطوط أنابيب الغاز الطبيعي القائمة بالفعل حول العالم، فإننا بحاجة إلى الهيدروجين النقي لاستخدامه في المركبات. لذلك اتخذت الشركتان خطوة منطقية لخفض التكلفة، حيث قامتا بتشييد منشأة لإنتاج الهيدروجين وتخزينه في الموقع. وتقع منشأة الإنتاج خلف محطة الوقود الرئيسة مباشرة، وهي قادرة على إنتاج 80 كيلوجراما من الهيدروجين يوميا. وتستطيع سيارة "تويوتا" من طراز ميراي وهي سيارة تعمل بخلايا وقود الهيدروجين قطع 480 كيلومترا مستهلكة خزانا كاملا من الهيدروجين البالغ وزنه خمسة كيلوجرامات، بتكلفة تتفوق بشكل كبير على تكلفة الشحنة الكاملة لسيارة "تسلا"، لكن يجب في معادلة التكلفة هذه مراعاة التكلفة الأولية للبطاريات التي لا تدوم إلى الأبد.
وننتقل أخيرا إلى العقبة الثالثة المتمثلة في التكلفة، ولا شك أنه حتى يصبح الهيدروجين مصدرا شائعا للوقود فلا بد أولا من خفض سعره حتى يكون قادرا على المنافسة مع البطاريات والوقود الأحفوري. وقد كانت هذه النقطة محل بحوث رئيسة على مدار الـ 50 عاما الماضية. وتتمثل أكبر فرصة لنجاح الهيدروجين في إنشاء اقتصاد جديد للهيدروجين، يتم فيه تزويد خطوط أنابيب الغاز الطبيعي بالهيدروجين المنتج باستخدام طاقة متجددة رخيصة، ما يسمح للهيدروجين بالنمو تدريجيا ليكون الطريقة الأساسية لتخزين الطاقة على كوكب الأرض، وييسر تحول الطاقة المتجددة إلى جزء لا يتجزأ من شبكة الطاقة دون القلق من تأثير ذلك في إمدادات الطاقة وتذبذبها، الأمر الذي سيسمح لمختلف الدول بالتوقف عن الاعتماد على استيراد الوقود الأحفوري، والاتجاه إلى تنمية اقتصادات الوقود.
ومن الأمثلة على هذا الاتجاه الجديد مساعي جزر أران - تلك الجزر الريفية الناطقة بالإيرلندية والتابعة لاسكتلندا - التي تشتهر بأنها مقصد السياح الباحثين عن المناظر الطبيعية الفريدة. كانت هذه الجزر تعتمد تاريخيا في التزود بالوقود على الجزيرة البريطانية الرئيسة. ولا توجد بهذه الجزر أشجار ولا فحم ولا مخلفات نباتية ولا نفط، لكن ما تمتلكه هذه الجزر هو إمدادات وفيرة من طاقتي الأمواج والرياح، ما يجعلها المرشح المثالي لتطوير اقتصاد هيدروجين صغير، اقتصاد يتم فيه توليد الطاقة المتجددة الكافية للاستهلاك المحلي، وإنتاج الوقود الكافي لتدفئة المنازل وتشغيل السيارات. وربما تنجح هذه الجزر في تكوين أول اقتصاد يعتمد بالكامل على الطاقة المتجددة ولا يولد أي كربون ملوث على الإطلاق.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي