التحول الهيدروجيني وتطبيقات النقل
في الوقت الحاضر هناك كثير من تقنيات الطفو المبتكرة وغير العادية التي من شأنها تغيير فكرتنا عن ماهية النقل المائي بشكل أساسي، لكن السفن التي تسير بالوقود البديل، مثل الهيدروجين السائل لها أهمية خاصة في هذا الإطار. واحدة من هذه العجائب التقنية هي "إنيرجي أوبزرفر": تلك السفينة التي يمكن أن تغير بشكل أساسي تصور الناس عن الطاقة النظيفة.
تعد "إنيرجي أوبزيرفر" السفينة الأولى والوحيدة في العالم ذات التشغيل الذاتي بالكامل اعتمادا على طاقة الهيدروجين. في البداية كانت هذه السفينة عبارة عن طوف سباق، لكن تم تعديله لاحقا لإثبات قدرات التقنيات الخضراء وإثبات أن من الممكن تركيب الأنظمة العاملة بهذه التقنيات على أي مركبة عائمة. وتتميز السفينة بأنها مكتفية ذاتيا من الطاقة، حيث تقوم أنظمتها بإنتاج الهيدروجين من مياه البحر عن طريق التحليل الكهربائي، وهي عملية يتم فيها تقسيم جزيئات الماء إلى عناصرها المكونة من الهيدروجين والأكسجين باستخدام التيار الكهربائي، وبعد ذلك يتم تخزين الهيدروجين السائل فوق السفينة في خزانات مصنوعة من الألمنيوم وألياف الكربون. ولا شك أن طريقة إنتاج الوقود هذه غير ضارة على الإطلاق بالبيئة. وإضافة إلى مولد الهيدروجين تضم السفينة التي يبلغ طولها 98 قدما مولدين يعملان بطاقة الرياح، و1399 قدما مربعا من الألواح الشمسية، وأشرعة، وكذلك وحدة إعادة توليد طاقة. ومن ثم تستمد السفينة الطاقة من عدة مصادر بديلة في أي وقت من النهار أو الليل وفي أي مكان في العالم.
وإظهارا للموقف المشرف الذي تتخذه البشرية تجاه البيئة غادرت السفينة في تموز (يوليو) 2017 في رحلة عالمية، وتولى قيادة الطاقم كل من المتسابق الشهير فيكتوريان إيروسارد والباحث والمخرج الوثائقي جيروم ديلا فوس. وخلال هذه الرحلة زارت السفينة 50 دولة وتوقفت 11 مرة للتعرف على أولئك الذين يعملون على حلول بديلة لإنتاج طاقة أنظف بأقل تأثير في كوكب الأرض.
هناك عدة أسباب وراء اختيار المهندسين الذين صمموا هذه السفينة للهيدروجين، وأكثر هذه الأسباب وضوحا هو أنه حرفيا موجود في كل مكان، حيث يعد الهيدروجين أكثر العناصر شيوعا في الكون. لكن تكمن الصعوبة الرئيسة في حقيقة أن الهيدروجين النقي نادر جدا وغالبا ما يكون جزءا من مركبات كيميائية، ومن هذه المركبات الماء الذي يحتل 71 في المائة من سطح كوكب الأرض. ومن الأسباب الأخرى أنه بصرف النظر عن الماء يمكن تصنيع وقود الهيدروجين من عديد من المصادر بما في ذلك طاقة الرياح والغاز الطبيعي والشمس حتى القمامة، إلا أن استخراجه لا يزال عملية مكلفة وغير فعالة. لكن تظل فكرة تحويل المركبات إلى العمل بواسطة وقود الهيدروجين فكرة جاذبة للشركات الكبيرة والاستثمارات الضخمة، وذلك لأن استخدام الهيدروجين لا يخلف أي بقايا كربونية، فعلى سبيل المثال تنتج سيارة تويوتا ميراي التي تعمل ببطاريات وقود الهيدروجين كلما قطعت 62 ميلا نحو نصف دلو من الماء نتيجة انبعاثات البخار، فلا مزيد من غازات الاحتباس الحراري ولا مزيد من الانبعاثات السامة. هذا فضلا عن أنه مقارنة بالوقود التقليدي، فإن كل كيلوجرام من الهيدروجين يساوي نحو 2.8 لتر من الغاز. ويتزايد أسطول سيارات الهيدروجين كل عام، لكن لأن تكلفة تطوير وإطلاق آلات إنتاج الهيدروجين تبلغ مئات الملايين من الدولارات فإن كبرى الشركات فقط، مثل "تويوتا" و"هيونداي" و"مرسيدس بنز" و"هوندا" هي التي تستطيع بناء أنظمة الهيدروجين.
ولا يقتصر استخدام الهيدروجين في تطبيقات النقل على السيارات، فقد تم إطلاق القطارات الألمانية العاملة بالهيدروجين التي صممتها وصنعتها شركة ألستوم الفرنسية على أحد الطرق لأول مرة في العالم. ويمكن لقطار الهيدروجين حال كانت خزانات الوقود الموجودة على سطحه ممتلئة بالكامل أن يقطع نحو 621 ميلا بسرعة تصل إلى 87 ميلا في الساعة. ولا يتم استخدام الكهرباء المولدة من خلايا الوقود بشكل مباشر، بل يتم استخدامها لشحن بطاريات الليثيوم أيون التي بدورها تعمل على توفير الطاقة للأنظمة داخل القطار والمحركات الكهربائية.
ويهدف المهندسون أيضا إلى الوصول بالهيدروجين إلى السماء، ففي تشرين الأول (أكتوبر) 2016 نفذت اختبارات الطيران الأولى لطائرة "إتش. واي 4" ذات الأربعة مقاعد والعاملة بخلايا وقود الهيدروجين. والغرض من هذه الطائرة هو أن تكون بمنزلة الأساس لتطوير طائرة ركاب أكبر تعمل بالهيدروجين ومصممة لحمل ما يصل إلى 19 شخصا. وفي عام 2019 خططت روسيا أيضا لإجراء اختبارات الطيران الأولى لطائرة خفيفة الوزن تعمل بالهيدروجين وتحتوي على مقعدين انطلاقا من طائرات سيجما 4 الروسية. ويمكن لهذه الطائرة ذات المقعدين الوصول إلى سرعة 124 ميلا في الساعة، ويبلغ مدى طيرانها نحو 404 أميال.
ورغم كل الصعوبات التي تحيط باستخدام الهيدروجين في وسائل النقل، فهناك احتمالات واعدة في الأفق، وقد وجدت السيارات والقطارات والطائرات التي تعمل بخلايا وقود الهيدروجين سبلا للوجود حتى في الوضع الحالي لمستويات تطور التقنية وتكلفة الأنظمة. والحقيقة إننا عند تقييم آفاق الهيدروجين كمصدر للطاقة، نعتمد بشكل أساسي على التقنيات الحالية لإنتاجه واستخدامه، لكن كل يوم تقريبا يظهر شيء جديد في هذا المجال، وربما تشهد طاقة الهيدروجين قريبا تغييرا جوهريا.