إسبانيا والطريق إلى السندات الدائمة
عقد المجلس الأوروبي قمة افتراضية أخيرا للنظر في الكيفية التي ينبغي للاتحاد الأوروبي أن يتعامل بها مع التداعيات الاقتصادية الناجمة عن جائحة مرض فيروس كورونا 2019 - كوفيد - 19. ويـعـد الاقتراح الذي تعتزم إسبانيا تقديمه الأكثر توازنا ورزانة وإبداعا بين المقترحات التي سيجري عرضها.
يتلخص الابتكار الرئيس الذي تقدمه إسبانيا في إصدار الاتحاد الأوروبي سندات دائمة. والفكرة ليست جديدة. فقد أصدرت بريطانيا لأول مرة سندات موحدة، أو سندات دين الحكومة البريطانية الموحد، في 1752، واستخدمتها في وقت لاحق لتمويل الحروب النابليونية وحرب القرم، وقانون إلغاء الـرق، وقرض الشـدة الإيرلندي، والحرب العالمية الأولى. وأجاز الكونجرس الأمريكي في 1870 إصدار سندات الدين الموحد لتوحيد الديون المتراكمة أثناء الحرب الأهلية. لكن السندات الدائمة لم تكن من قـبل قـط محل نظر من جانب الاتحاد الأوروبي. الآن، تقترح إسبانيا إصدار هذه السندات كإجراء غير عادي للتعامل مع وضع غير عادي. وستكون شديدة الفاعلية. نحن نتعرض حاليا لهجمة شرسة من فيروس كورونا المستجد المجهول إلى حد كبير، وستزودنا السندات الدائمة بالموارد المالية التي نحتاج إليها لكسب هذه المعركة. نحن منخرطون أيضا في معركة أخرى ضد خطر يهدد بتدمير حضارتنا: تغير المناخ. واقترحت استخدام السندات الدائمة لتمويل هذه المعركة أيضا. كما يوحي مسماها، فإن أصل السندات الدائمة لا يصبح واجب السداد أبدا، وإن كان من المناسب في ظروف مختلفة استرداد أصلها أو سداده. في 2015، على سبيل المثال، استردت المملكة المتحدة سندات دين الحكومة البريطانية الموحد وسندات الحرب بالكامل. إن تكلفة أقساط الدين لإصدار بقيمة تريليون يورو (1.1 تريليون دولار) يحمل قسيمة بنسبة 0.5 في المائة ستكون خمسة مليارات يورو سنويا. أي أن هذا يـعطي مبلغ خمسة تريليونات يورو رافعة مالية بمقدار 200 ضعف. الواقع أنه حتى مقدمي "المقترح غير الرسمي" الإسباني ربما لم يدركوا كامل الآثار المترتبة على هذه الحقيقة، فهم يكرسون جزءا كبيرا من مقترحهم حول كيفية سداد الفوائد على السندات الدائمة.
غير أن هذه ليست مشكلة. فمن الممكن أن تتعهد حكومات الاتحاد الأوروبي بسهولة بسداد خمسة تريليونات يورو سنويا لخدمة إصدار من السندات الدائمة بقيمة تريليون يورو، إما بالإجماع أو عن طريق تحالف من الراغبين. ولا حاجة إلى إيجاد موارد جديدة للإيرادات.
وبيع سندات دائمة بقيمة تريليون يورو بعائد 0.5 في المائة ليس مشكلة أيضا. فالعائد على أطول السندات المستحقة الحالية أمدا (سندات الـ 100 عام النمساوية) أقل قليلا من 0.5 في المائة. بطبيعة الحال، ربما تستغرق السوق بعض الوقت لتتعود على فكرة السندات الدائمة. لكن بيع إصدار السندات الدائمة لن يتم دفـعـة واحدة بالضرورة، بل يمكن بيعها على أجزاء، وسيتكالب عليها المستثمرون للأجل البعيد مثل شركات التأمين على الحياة. ومع اكتمال الأجزاء، يمكن بيعها بعلاوة تزيد على السندات النمساوية.
هناك جدال دائر حول حجم إصدار السندات الدائمة. تسعى رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين إلى إصدار بقيمة تريليون يورو، لكن المقترح غير الرسمي الإسباني يتحدث عن مبلغ يصل إلى 1.5 تريليون يورو. وهذا يتيح الفرصة لإدراج الخطر الثاني الذي يهدد حضارتنا، تغير المناخ. كان هذا التهديد يشغل أذهان عامة الناس قبل أي شيء آخر، وكان الشاغل الأساسي للمفوضية الأوروبية، قبل أن يحجب ظل جائحة فيروس كورونا المستجد الثقيل كل شيء آخر. ولكن لا ينبغي لنا أبدا أن ننسى تغير المناخ.
يجب أن يكون الهدف الأساسي لإصدار سندات دائمة بقيمة 1.5 تريليون يورو مكافحة الجائحة، ولكن إذا تمت السيطرة عليها، فربما يتبقى بعض المال لمكافحة تغير المناخ، وإذا لم يتبق منه شيء، فيمكن النظر في إصدار منفصل من السندات. ولكن من الأهمية بمكان تأكيد أن كلا من الجائحة وتغير المناخ من الأحداث الاستثنائية التي تدعو إلى سياسات استثنائية، فلا ينبغي أبدا استخدام السندات الدائمة في ظل الظروف العادية. أود هنا أن أعرض ملاحظتين أخريين: الأولى، تتعلق بالمقطع التالي في المقترح الإسباني غير الرسمي: "يمكن ربط الصندوق ضمن مظلة الإطار المالي المتعدد الأعوام عند مستوى أقل من سقف الموارد الخاصة التقليدية لكنه أعلى من سقف الإنفاق". ليس من الواضح ما إذا كان هذا يعني أن الإطار المالي المتعدد الأعوام يجب أن يخضع لأهداف إصدار السندات الدائمة، أو أن إصدار السندات الدائمة يجب أن يخضع للإطار المالي المتعدد الأعوام. نظرا لصعوبة الاتفاق على الإطار المالي المتعدد الأعوام، فإذا كان التفسير الأخير صحيحا، فربما يتم إصدار السندات الدائمة في وقت متأخر أو قد لا يتم إصدارها أبدا.
ينص المقترح غير الرسمي على أن "تحويل الأموال يجب أن يكون مقدما"، بدءا من الأول من كانون الثاني (يناير) 2021، "وأن يجري تنفيذه خلال العامين إلى الأعوام الثلاثة المقبلة من أجل دفع عجلة اقتصادات الدول المتضررة". يبدو أن هذا يشير إلى أن التفسير الأول هو الصحيح. ومع ذلك، فإن مزيدا من الوضوح أمر مرغوب فيه للغاية.
تتعلق ملاحظتي الأخرى بإيطاليا، حيث يتحرك الرأي العام باتجاه الانسحاب من اليورو والاتحاد الأوروبي. ولكن ما الذي قد يتبقى من أوروبا من دون إيطاليا؟ يؤكد هذا السؤال أهمية استخدام السندات الدائمة ــ ولابد أن يحض السؤال ذاته المجلس الأوروبي على التحرك بسرعة أكبر مما يفكر فيه حاليا.
خاص بـ «الاقتصادية»
بروجيكت سنديكيت، 2021.