هيمنة الدولار الهشة «2 من 2»

يواجه واضعو السياسات في الصين معوقات كثيرة في محاولتهم التخلص من التثبيت "الربط" الحالي لسعر الرنمينبي، وإن كانوا شرعوا في وضع الأساس لذلك على جبهات كثيرة بطريقة مميزة. فقد سمحت الصين تدريجيا لمؤسسات الاستثمار الأجنبية بشراء سندات بعملة الرنمينبي، كما أضاف صندوق النقد الدولي عام 2016 الرنمينبي إلى سلة العملات الرئيسة التي تحدد قيمة حقوق السحب الخاصة، وهي الأصول الاحتياطية الدولية للصندوق.
سبق بنك الشعب الصيني بأشواط غيره من البنوك المركزية الكبرى في تطوير عملة رقمية مركزية. ورغم اقتصار هذه العملة الرقمية التي يصدرها بنك الشعب الصيني على الاستخدام المحلي حاليا، فستسهم في تسهيل استخدام الرنمينبي دوليا، ولا سيما في الدول التي تنجذب نحو تكتل مرتقب للعملة تقوده الصين، وهو ما سيوفر للحكومة الصينية نافذة للاطلاع على معاملات مستخدمي عملة الرنمينبي الرقمية، تماما كما يعطي النظام الحالي الولايات المتحدة إمكانية الاطلاع على قدر كبير من معلومات مماثلة.
لكن هل ستسير الدول الآسيوية الأخرى حقا وراء الصين؟ لا شك أن الولايات المتحدة ستضغط بقوة للإبقاء على دوران أكبر عدد ممكن من الاقتصادات في فلك الدولار، لكنها ستكون معركة شاقة. فكما غطت الولايات المتحدة وتفوقت على بريطانيا في نهاية القرن الـ19 كأكبر قوة تجارية في العالم، فاقت الصين الولايات المتحدة بالطريقة ذاتها منذ وقت طويل.
أجل، قد تتخذ اليابان والهند مسلكا خاصا بها، لكن إذا أقدمت الصين على جعل الرنمينبي أكثر مرونة، فقد تولي الدولتان - على أقل تقدير - أهمية لتلك العملة مقارنة بأهمية الدولار في احتياطياتهما من النقد الأجنبي.
هناك أوجه تشابه لافتة بين انحياز آسيا الواضح للدولار اليوم، والوضع في أوروبا في ستينيات وأوائل سبعينيات القرن الماضي. لكن تلك الحقبة انتهت بتضخم مرتفع وانهيار نظام بريتون وودز الخاص بتثبيت أسعار الصرف، وهو نظام ظهر بعد الحرب. حينها اعترف معظم دول أوروبا بأن التجارة بين دول أوروبا أهم من التجارة مع الولايات المتحدة، الأمر الذي أفضى إلى ظهور كتلة المارك الألماني التي تحولت بعد عقود إلى العملة الموحدة، وهي اليورو.
غير أن هذا لا يعني أن الرنمينبي الصيني سيصبح العملة العالمية بين عشية وضحاها، إذ قد تستغرق التحولات من عملة مهيمنة إلى أخرى زمنا طويلا. فخلال العقدين بين الحربين العالميتين الأولى والثانية مثلا، كان الداخل الجديد، وهو الدولار، يتمتع بالنسبة إلى احتياطيات البنوك المركزية بالأهمية ذاتها تقريبا التي حظي بها الجنيه الاسترليني، الذي كان العملة العالمية المهيمنة لأكثر من قرن عقب حروب نابليون في أوائل العقد الأول من القرن الـ19.
إذن: ما المشكلة في أن تتقاسم العملات العالمية الثلاث - اليورو والرنمينبي والدولار - الأضواء؟ لا شيء غير ما يبدو من عدم استعداد الأسواق أو واضعي السياسات لمثل هذا التحول على الإطلاق. لا شك أن معدلات اقتراض الحكومة الأمريكية ستتأثر غالبا بمثل هذا التحول، لكن التأثير الكبير حقا قد يقع على الشركات المقترضة، خاصة الشركات صغيرة ومتوسطة الحجم.
لقد صار الافتراض بنهم شهية العالم للديون الدولارية اعتقادا راسخا فيما يبدو بين واضعي السياسات وكثير من الاقتصاديين الأمريكيين اليوم. لكن مجرد تحديث ترتيبات أسعار الصرف في الصين كفيل بتوجيه ضربة موجعة لوضع الدولار.
خاص بـ "الاقتصادية"
بروجيكت سنديكيت، 2021.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي