الهند وروسيا .. لا صوت يعلو على صوت المصالح

الهند وروسيا .. لا صوت يعلو على صوت المصالح
دراسة: الهند في حال امتلاكها المنظومة الروسية فهي في مأمن عن الاستهداف.

عقود من علاقات الصداقة والشراكة لم تشفع للهند أن تكون شريكا حقيقيا للولايات المتحدة الأمريكية، التي عملت طوال تلك العقود على علاقة شبه موازية مع خصم الهند اللدود إسلام آباد، لتكون سمة تلك العلاقة "التذبذب" بين فينة وأخرى بحسب ما تقتضيه حاجة واشنطن تجاه الحليف الهندي، لتفتح الهند عيناها على صفقات عسكرية جديدة، مستعينة بالماضي الجميل، الذي جمعها مع خصم مشترك لإسلام آباد، فروسيا وريثة الاتحاد السوفياتي، هي العتبة التي وطئتها نيودلهي في آخر صفقاتها العسكرية، على الرغم من الصفقات التي وقعتها مع واشنطن بمليارات الدولارات عقب زيارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترمب الأخيرة لنيودلهي.
لا صوت يعلو على صوت المصالح، هكذا لخصت الهند إبرامها صفقة الأسلحة مع روسيا، التي تتلخص في شراء منظومة الأسلحة الدفاعية من طراز أرض - جو، التي تشتهر بـs-400، ثمن الصفقة بلغ نحو 5.5 مليار دولار، لتثير الصفقة تداعيات الحليف الأهم لنيودلهي، والأكثر تحسسا من هذه المنظومة الدفاعية واشنطن، لتزداد الأمور تعقيدا على تعقيدها، لتنافي هذه الصفقة سياسة الحياد وعدم الانحياز الهندية، فيما تمثل الحنين الهندي إلى إرث الاتحاد السوفياتي سابقا، الذي لجأت إليه حينها بسبب انضمام العدو التقليدي باكستان إلى معاهدة دول جنوب شرق آسيا، ثم إلى حلف بغداد، إضافة إلى استغلال النفوذ الروسي في إدارة الصراع المتذبذب على الجبهة الصينية – الهندية، في ظل التطور السريع لبكين، والمناوشات القديمة الجديدة بين الطرفين، التي كان آخرها وأعنفها في وادي غالوان الواقع في القطاع الغربي من خط السيطرة الفعلية، ليسقط قتلى من الدولتين، لكن رجحت كفة الخسائر البشرية الهندية، وذلك يعود إلى استخدام الصين أسلحة متطورة تعمل بالموجات، ولتكون نتيجة الجولة الأخيرة لمصلحة بكين.
عند النظر إلى واقع أي صفقة عسكرية أو اقتصادية، سنجد أن الميزان الأمريكي هو المعيار الأول لضبط هذه الصفقة، خصوصا أن إدارة بايدن، التي لم تعلق بشكل واضح وصريح على الصفقة بحيث تسير في الخط نفسه، الذي سار عليه الرئيس ترمب، وتجاهل هذا المعيار، يمكن أن توطد العلاقة معها أو تزعزعها، خصوصا تلك الصفقات المتعلقة بمنظومة الدفاع الجوي الروسي s400، التي تثير غضب الأمريكان، إذ تنافس مشروعها الجوي الأهم الطائرة الشبحية الأحدث أمريكيا إف 35، التي ما زالت تراهن عليها بأنها الأهم والأقدر في الجيل الخامس من عالم الطيران، ولنيودلهي فيما حصل لتركيا بسبب رغبتها في امتلاك المنظومة الروسية العبرة، إذ لم يأل الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترمب جهدا في أذية تركيا بسبب نيتها تملك هذه المنظومة على الرغم من أن تركيا، عضو في الناتو، وتجمعها مصالح كبيرة مع واشنطن، وعلى أرضها قاعدة انجرليك الجوية وهي من أهم القواعد العسكرية الأمريكية في حوض شرق المتوسط.
الهند تقول لأمريكا: "خذوا عيني شوفوا بها"، فالتهديد الصيني أولوية كبرى لها، خصوصا في ظل التنامي السريع للنفوذ الصيني في المحيط الهندي، إضافة إلى النفوذ الصيني في آسيا الوسطى، كما تحظى الهند بدعم سياسي روسي كبير لها، وآخر هذه الوقفات في 2019 الدعم الروسي المطلق للهند بإلغاء الحكم الذاتي لكشمير الهندية، لحقتها وقفة روسية ضد الصين في النزاع الحدودي الأخير لمصلحة الهند، لكن هل هنالك موقف هندي واضح بتأييد أو رفض ضم جزيرة القرم إلى روسيا؟ بالتأكيد لا، لأسباب عدة أهمها: أن الموقف الهندي في هذه القضية لن يقدم ولن يؤخر، كما أن مثل هذا الدعم قد يثير غضب واشنطن، ويفتح ملفات شائكة مع الهند، قد تضرها خصوصا فيما يتعلق بأزمة كشمير مع باكستان.
ألمحت واشنطن إلى نيودلهي بضرورة إلغاء الصفقة، التي دفع منها 850 مليون دولار، فيما طلبت نيودلهي بخجل بديلا عن المنظومة الروسية، التي ستتسلم الدفعة الأولى منها في ديسمبر المقبل، البديل الأمريكي الذي لم يعرض صراحة على الهند بسبب تعقيد التوازنات العسكرية، يتلخص في ثلاثة أنظمة هي: باتيروت، وايجيسس، وثاد، جميعها ثقيلة على خزينة وزارة الدفاع الهندية، وفاعليتها ليست بفاعلية المنظومة الروسية، إذ تستطيع الأخيرة إسقاط نحو 80 هدفا في وقت واحد، من خلال تصويب صاروخين على كل هدف، وهذا مغر جدا لدولة كبيرة فقيرة مقارنة بأعدائها الكثر، كما تشكل العلاقة بين موسكو ونيودلهي عمقا استراتيجيا هنديا، من خلال ما يعرف بالإندو باسفيك، الذي يعده صناع القرار الهندي جسدا واحدا، لمقاومة التوسع الصيني وانتشار الأسلحة النووية في إيران وسورية.
تخشى الهند من التعرض لعقوبات كاتسا الأمريكية، التي أقرها الرئيس السابق ترمب على الهند في 2017، وهو قانون "أعداء أمريكا"، ويمكن واشنطن من فرض عقوبات على الدول التي تراها معادية لها، وتم اتخاذ إجراءات وتدابير من خلاله، تجاه كوريا الشمالية، وروسيا، وإيران التي تعامل معها القانون بحزمة من العقوبات تجاه برامج الصواريخ الباليستية أو أسلحة الدمار الشامل، إضافة إلى فرض عقوبات على بيع أو نقل المعدات العسكرية إلى إيران أو تقديم المساعدة التقنية أو المالية ذات الصلة، وكذلك دعم الحرس الثوري هناك، لكن روسيا واجهت عقوبات كاتسا بسبب مكافحة التأثير الروسي في أوروبا وأوراسيا، أما كوريا الشمالية فكان نصيبها من العقوبات برنامجها للتسليح النووي.
المخاوف الهندية من الصين لم تأت من فراغ، فالمخاوف الأمريكية من الصعود الصيني مؤشر عالمي على أهمية الصين وقدراتها، وطال الزمن أم قصر، سيصبح للصين شأن في تغيير السيادة العالمية من القطب الواحد إلى القطبية الثنائية بين الشرق والغرب، وعلى كل دولة أخذ حذرها واحتياطاتها، خصوصا أن الصين لاعب قوي في حرب التسليح وتحديدا طائرات الجيل الخامس الشبحية، حيث صنعت على أراضيها طائرات بفاعلية عالية أشهرها تشنجدو – جي 20، التي لا تقل عن نظيرتها الأمريكية إف - 35، لكن المنظومة الدفاعية الروسية قادرة على اصطيادها في مساحة 400 كيلو متر.
تقنيا، أفضت دراسة حديثة إلى أن منظومة الدفاع الجوي الروسي s400 غير فاعلة بكامل قوتها، بشرائها وحدها، إذ يستلزم الحصول على الكفاءة المطلقة للمنظومة، شراء المعدات الأخرى اللازمة لفاعلية هذه الأنظمة، التي تكلف مبالغ قد تتجاوز سعر المنظومة نفسها، خصوصا أنها بحاجة دورية إلى قطع الغيار. وبالنسبة إلى ما تواجهه الهند من تهديدات بالستية على مستوى الجيران النوويين، فإنها بحاجة إلى ضبط معقد لمنظومتها الدفاعية، بربطها ضمن شبكة متكاملة من الدفاعات، من خلال طائرات أنظمة الإنذار والتحكم المحمولة جوا. وخلاصة هذه الدراسة أن الهند في حال امتلاكها المنظومة الروسية فهي في مأمن عن الاستهداف، إذ برز أخيرا نوع جديد من التسليح هو الطائرات المسيرة المفخخة، ذات التكلفة الأقل، والأكثر أمانا على الجهة المنفذة.

الأكثر قراءة