تحدي تغير المناخ .. «تسونامي التكنولوجيا» ليس الحل

تحدي تغير المناخ .. «تسونامي التكنولوجيا» ليس الحل
التكنولوجيا لابد أن تكون جزءا من الحل لكنها لن تكون العلاج السحري لقرون من الانبعاثات.

لم تواجه البشرية من قبل قط تحديا جماعيا على هذا القدر من الترويع مثل تغير المناخ، إذ يتعين علينا خفض الانبعاثات الغازية المسببة للانحباس الحراري الكوكبي إلى ما يقرب من الصفر في غضون العقود الثلاثة المقبلة لكي نحظى بالفرصة للنجاح في الإبقاء على الزيادة في درجات الحرارة عند مستوى لا يتجاوز درجتين مئويتين فوق مستويات ما قبل الصناعة. كلما تجاوزنا هذه العتبة، زاد احتمال تعرضنا لسيناريوهات كارثية حقا. والآن، مع عودة الولايات المتحدة إلى اتفاقية باريس للمناخ، حان الوقت لكي يعود العالم إلى منازلة هذه التحديات الجسيمة. وفقا لدارون أسيموجلو، أستاذ الاقتصاد في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، وهو مؤلف مشارك مع جيمس أ.روبنسون في كتاب "لماذا تفشل الأمم: أصول القوة والازدهار والفقر والممر الضيق: الدول والمجتمعات ومصير الحرية".
وعلى هذا، فإن صوت بيل جيتس الذي يحظى بقدر كبير من الاحترام يشكل إضافة مرحبا بها إلى هذه الجهود. في كتابه الجديد بعنوان "كيف نتجنب كارثة مناخية: الحلول المتاحة والاختراقات التي نحتاج إليها"، يزعم جيتس أننا في احتياج إلى مزيد من التجريب مع أفكار وإبداعات تكنولوجية جديدة، إذا كان لنا أن نتمكن من إيجاد حل. لكن دفعه في اتجاه الهندسة الجيولوجية الشمسية يعد خطوة في الاتجاه الخطأ، لأنه قد يقوض الحوافز اللازمة لمواجهة تحدي تغير المناخ.
الفكرة وراء الهندسة الجيولوجية الشمسية بسيطة: إذا لم يكن بوسعنا الحد من كم غازات الانحباس الحراري الكوكبي في الغلاف الجوي، فربما نتمكن من حجب ضوء الشمس الذي يولد الحرارة، على سبيل المثال عن طريق إنشاء غطاء عاكس. تؤدي الانفجارات البركانية هذه الوظيفة بشكل طبيعي. في أعقاب ثوران بركان جبل بيناتوبو في الفلبين عام 1991 استقرت كميات ضخمة من حمض الكبريتيك والغبار في طبقة الستراتوسفير، فأفضى ذلك إلى التقليل من كمية ضوء الشمس التي تتلقاها الأرض بشكل مؤقت. وعلى مدار الأعوام الثلاثة التالية، انخفضت درجات الحرارة بنحو نصف درجة مئوية على مستوى العالم، ونحو 0.6 من الدرجة المئوية في نصف الكرة الشمالي.
الآن، يعمل عديد من العقول اللامعة على مشاريع الهندسة الجيولوجية الشمسية. على سبيل المثال، اقترح العلماء في إطار تجربة الإخلال المنضبط بطبقة الستراتوسفير في جامعة هارفارد استخدام غبار كربونات الكالسيوم بدلا من رذاذ الكبريتات السامة، لكن الفكرة هي ذاتها في المجمل، وقد دعم جيتس ذاته عديدا من هذه الجهود التكنولوجية.
لكن ما الخطأ الذي قد يحدث؟ بادئ ذي بدء، يجب أن ندرك أن المخاطر المرتبطة بالهندسة الجيولوجية الشمسية لا تقل جسامة عن الفوائد المحتملة. إضافة إلى إيجاد حالة من عدم الاستقرار المناخي، يبدو أن ثوران بركان بيناتوبو أدى أيضا إلى التعجيل بتدمير طبقة الأوزون. لكي نتمكن من التأثير بشكل حقيقي في تغير المناخ، يتعين علينا أن نعمل على تكرار التأثير الذي خلفه انفجار البركان على نطاق أوسع كثيرا، ما قد يفضي إلى تقلبات مناخية أعظم، بما في ذلك انخفاض درجات الحرارة بشكل حاد في بعض أجزاء من العالم. ولأن هذه التأثيرات لن تتوزع بالتساوي عبر الدول والمناطق، فسيكون لزاما علينا أيضا أن نشعر بالقلق إزاء تفاقم حالة عدم الاستقرار الجيوسياسي.
إذا كان لهذا المقترح فوائد محتملة كبيرة، إلا أنه لا يخلو أيضا من تكاليف محتملة ضخمة، فإن التصرف المعقول الواجب يتمثل في إجراء تجارب صغيرة الحجم حول قابليته للتطبيق، وهو على وجه التحديد ما تقوم به الآن بعض المشاريع التي يدعمها جيتس. المشكلة هي أن التجارب على نطاق صغير لن تكشف بالضرورة عن التكاليف الحقيقية، نظرا إلى تعقيد الديناميكيات المناخية على المستوى العالمي. إن إيجاد غطاء من الغبار السحابي الذي يحجب أشعة الشمس قد ينتج تأثيرا واحدا إذا أجري على نطاق صغير، وتأثيرا آخر مختلفا تمام الاختلاف على نطاق واسع.
علاوة على ذلك، حتى لو نفذنا هذا المقترح انطلاقا من أفضل النوايا، فإن الهندسة الجيولوجية لا تخلو من جانب مظلم. فكلما آمنا بفاعليتها، زاد رفضنا للحلول المجربة والمختبرة مثل ضريبة الكربون والاستثمارات في الطاقة المتجددة. هذا ما يسميه أهل الاقتصاد "الخطر الأخلاقي"، فبمجرد أن تدرك القوى الاقتصادية الفاعلة أنها لن تتحمل تكاليف السلوك المتهور، يصبح السلوك المتهور أكثر احتمالا. في سياق مكافحة تغير المناخ، بمجرد أن تعرف الحكومات أن هناك طريقة للاستمرار في إحداث التلوث دون الاضطرار إلى الاختيارات الصعبة اللازمة لتجنب وقوع الكارثة، فإنها ستمتنع عن اتخاذ هذه الاختيارات. وسنظل نرجئ فرض ضرائب الكربون إلى أجل غير مسمى، وسيتضاءل دعم البحوث الخضراء، ولن يصبح لدى المستهلكين الحافز الكافي للحد من بصمتهم الكربونية.
هذا الخطر الأخلاقي ليس مجرد فضول نظري. على سبيل المثال، يقترح جيتس ذاته أنه حتى لو جرى فرض ضريبة الكربون في الولايات المتحدة، فلن يكون استخدام الطاقة الشمسية وطاقة الرياح حلا وافيا. لكن مثل هذا التفكير قد يكون خطأ فادحا. من السهل أن نتخيل مدى جاذبية هذا التشكك في نظر الساسة الذين لا يرغبون في ملاحقة سياسات من شأنها أن تربك المجتمعات التي لا تزال تعتمد على إنتاج الفحم. لكن لا ينبغي لنا أن نستبعد إمكانية إدخال تحسينات هائلة على فاعلية الطاقة الشمسية وطاقة الرياح من حيث التكلفة، ولا يجوز لنا أن نتجاهل مدى التقدم الذي يمكن إحرازه من خلال الجمع بين مصادر الطاقة المتجددة والتقدم في تكنولوجيات التخزين.

الأكثر قراءة