إيران .. تغييرات قيادية في الحرس الثوري تقابلها تسريبات حكومية

إيران .. تغييرات قيادية في الحرس الثوري تقابلها تسريبات حكومية
التسجيل المسرب يظهر مرارة وضع الفريق "الإصلاحي" وقلة حيلته.
إيران .. تغييرات قيادية في الحرس الثوري تقابلها تسريبات حكومية
تفرد المرشد الأعلى ورجالاته بالسلطة واضح للعيان.

دق محمد جواد ظريف وزير الخارجية الإيراني المسمار الأخير في نعشه الوظيفي، بحسب مراقبين، بعد تفجيره قنبلة من العيار الثقيل، بانتقاد سيطرة الحرس الثوري الإيراني على كل مفاصل الدولة الإيرانية، خصوصا السياسة الخارجية للبلاد، وذلك في تسجيل صوتي مسرب، منتقدا فيه دخول الحرب السورية. ويأتي توقيت التسجيل في مقتل، إذ يسبق الانتخابات الرئاسية للبلاد، التي تتزامن مع سلسلة متراكمة من الفشل السياسي والإداري والاقتصادي، بسبب ما يمارسه رجالات الحرس الثوري من هيمنة وسلطة على البلاد، كما تكشف التسجيلات حقيقة حالة الفصام السلطوي، التي تسيطر على الواقع الإيراني كما كان متعارفا عليه سابقا، فما بين السلطة شبه المطلقة للحرس الثوري، هنالك قيادات إصلاحية، تريد الانسلاخ عن الطابع السائد، والانفتاح على الغرب خصوصا الولايات المتحدة الأمريكية، للحصول على ضمانات واتفاق نووي جديد يزيل عن البلاد شبح العقوبات، بسبب البرنامج النووي الإيراني وبرامج التسليح الصاروخية.
لا شك أن إدارة بايدن منفتحة على إيران، على الرغم من تمسكها بسياسة إدارة ترمب تجاه ملفها النووي والعقوبات، لكن الأمر رهن تنازل إيراني بقبول الشروط الأمريكية، لكن التسجيل المسرب الأخير لظريف، يظهر تفوق تيار كبير في الحرس الثوري على بقية أطياف ومكونات الحرس الثوري، وهذا التيار يحظى بدعم روسي مفتوح ومحسوب على موسكو بشكل كلي، ما يوضح تعنت الموقف الإيراني بالذهاب نحو المفاوضات مع واشنطن، ما يظهر أن هنالك رابطا خفيا بين نفوذ موسكو ومصالحها مع تل أبيب، يجبر الحرس الثوري على قيادة البلاد نحو الهاوية لمصلحة منافع شخصية، وهذا ما أثار حفيظة شخصيات إصلاحية تريد الانفتاح على العالم والمنطقة.
تزامن التسجيل مع تعيين العميد محمد رضا فلاح زاده نائبا لقائد فيلق القدس، خلفا لمحمد حسين زاده حجازي، القائد الجديد دموي وغامض وسجله العسكري شبه مجهول، لكنه عنيف، وهو أحد قادة الحرس الثوري الخمسة الرئيسين المسؤولين عن معركة حلب بين عامي 2014 و2016، التي كانت سببا في إضعاف جبهة الثورة في حلب، إذ تشير الأخبار الشحيحة الواردة عن هذا الشخص إلى أنه من المفضلين لدى قاسم سليماني قائد فيلق القدس السابق، الذي قضى في بغداد بغارة أمريكية العام الماضي، وعلى الرغم من نفي جهات في الحرس الثوري العلاقة الجيدة بينه وبين سليماني، إلا أن الأخير زاره في المستشفى في طهران عقب إصابته في سورية 2016، لكن ما يتفق عليه الجميع هو أن الرجل الجديد غامض وضد التيار الإصلاحي وسيكون خصما لظريف في المرحلة المقبلة.
التسجيل المسرب يظهر مرارة وضع الفريق الإصلاحي وقلة حيلته بسبب تفرد المرشد الأعلى ورجالاته بالسلطة، فهم في نظره ضحوا بالسلام والتقارب مع الآخرين في العالم لحساب ساحة المعركة، على العكس تماما من نهج المنطق والعقل، فعقلية المرشد لا تتقبل إلا من هم على شاكلة قاسم سليماني، ودعاة التمدد الثوري الشيعي على حساب علاقات الصداقة والجيرة، فالقائد السابق لم ينصت لظريف عندما كان يطالبه بعدم استخدام طائرات الشحن المدنية والركاب في عمليات فيلق القدس، وشحن الأسلحة وتعريض المدنيين للخطر.
يعد تسجيل ظريف المسرب بمنزلة رسائل مشفرة للقيادة الأمريكية والعالم، وليس الهدف منه استحضار الماضي والذكريات، بل الإسراع باتخاذ خطوات حقيقية للتخلص من شر هذه القيادة الفاسدة وبطانتها، حيث وضع فيلق القدس مكانة له خارجية والكل يعرفها، لكن قاسم سليماني سعى إلى أكثر من ذلك في 1999، عندما تولى إخماد الحركة الاحتجاجية الطلابية في عهد الرئيس الإصلاحي محمد خاتمي، كما كتم أنفاس الحركة الإصلاحية آنذاك، ليكون دوره متنوعا ما بين الداخل والخارج، فهو الأشد عنفا وقسوة في تشكيلات الحرس الثوري، نظرا لما يتلقونه من تدريبات خاصة، وممارسة حربية حقيقية في الدول التي تتدخل طهران في شؤونها، فيما شملت التحذيرات أن يلعب فيلق القدس دورا رئيسا في تحديد نتائج الانتخابات الرئاسية المقبلة.
أشار وزير الخارجية الإيراني إلى فيلق القدس صراحة بأنه التيار القوي المحسوب على موسكو داخل الحرس الثوري، وبأنه طرف في تنفيذ رغبة موسكو في رفض خطة العمل المشتركة وخرقها، تلبية لرغبة موسكو في عدم تنفيذ ذلك، من خلال سلطته القوية، التي ينفذها رغما عن أنف الدولة، وهذا التصرف يفسر بوضوح تصرف الميليشيات التابعة لإيران في كل من اليمن، والعراق، ولبنان، فلا حوار ولا لغة إلا لغة الخراب والدمار، كما يفسر التسريب رغبة موسكو في لي ذراع واشنطن من خلال طهران، وجعلها شوكة في خاصرة المنطقة والعالم، للحفاظ على توازن القوى في العالم -كما تعتقد موسكو-، خصوصا في ظل نمو الصين الكبير، الذي يثير قلق واشنطن.
مرحلة ما بعد التسريب، شهدت التلفيق والنفي مرارا وتكرارا، لكن بثبوت التسريب انحسر النفي في دوائر مغلقة، مقتصرة على توقيت تسجيله، لكن توقيت نشره لم يكن من أعداء ظريف إنما من أطراف محسوبة عليه، للتأثير في نتائج الانتخابات، كما قلل كثيرون من أهمية التسجيل خصوصا جماعة المرشد الأعلى، فيما عده آخرون محسوبون على الحرس الثوري استجداء حكومة روحاني من الأمريكيين، للحصول على دور أكبر فيما يخص المفاوضات المتعلقة بالمشروع النووي وما يرتهن به من اتفاق، لمنح ظريف دورا أكثر أهمية بوجود مفاوضات على اتفاق نووي جديد من قبل إدارة بايدن، ما يضعف جبهة الحرس الثوري في الداخل حال إسقاط العقوبات.
ظريف الواقع بين فكي كماشة، قال "يؤسفني كيف أصبح النقاش النظري والسري حول التآزر بين المجالين العسكري والدبلوماسي موضوع صراع داخلي. عند التعبير عن آرائي كخبير، عددت أي التماس للراحة الشخصية، والتصرف بالتسامح، والرقابة الذاتية بمنزلة خيانة"، قد يكون هذا التسريب بداية النهاية للصراع على السلطة بين السياسيين المدنيين والقوات العسكرية في إيران.
جاءت تعليقات بعض المراقبين للشأن الإيراني، بأن هذا النظام جزء واحد لا يتجزأ ومنظومة فاسدة من الدمويين، والتسريب ما هو إلا مسرحية، لضرب الوجود الروسي في سورية، وللفت أنظار واشنطن إلى موسكو للحصول على مزيد من الدعم الروسي، بدفعها نحو الاستثمار في إيران أو دفع الأمريكيين إلى الحوار مع طهران، في ظل حالة الجمود، التي جاءت مخيبة لآمال المرشد، الذي أفتى بضرورة انتخاب الرئيس بايدن ضد الرئيس السابق ترمب، للحصول على اتفاق نووي جديد، وإسقاط العقوبات المفروضة على بلاده.

الأكثر قراءة