إيران .. ديمقراطية المرشد تبتز الصناديق
دخلت أسماء المرشحين المحتملين للانتخابات الرئاسية الإيرانية، في دورتها الـ13، المزمع إجراؤها الجمعة 18 حزيران (يونيو) المقبل، منذ الأحد قبل الماضي مطبخ "مجلس صيانة الدستور"، المكون من لجنة مؤلفة من 12 عضوا، تقوم بفحص المرشحين والموافقة عليهم تحت إشراف المرشد الإيراني على خامنئي، وإليها تعود صلاحية المصادقة النهائية على أسماء المرشحين المسموح لهم بخوض غمار الانتخابات، المتوقع الإعلان عنها بحلول 27 أيار (مايو) الحالي، على أن تعقبه حملة انتخابية تمتد على مدار 20 يوما.
يذكر أن غربلة المرشحين من قبل مجلس صيانة الدستور، تجري في ظل قواعد جديدة فرضها قرار مثير للجدل تم إقراره دون مراجعة وموافقة البرلمان الإيراني، وتضمن ثلاثة شروط جديدة للمرشحين. أولا، أن يكون المرشح حاصلا على درجة الماجستير، ثانيا، أن يتحاور ما بين 40 و75 عاما في العمر، ثالثا، - وهو شرط صعب - يستوجب عدم وجود سجل جنائي، بما في ذلك الجرائم ذات الطابع السياسي. وأكد المتحدث باسم المجلس مفهوم "الرجل السياسي" ضمن شروط أهلية المرشحين، في إشارة ضمنية إلى استبعاد المرشحات "الإناث"؛ فمن شروط الترشح أن يكون المرشح رجل سياسة أو رجل دين أو الاثنين معا.
ما يفيد في توقع قائمة المسموح لهم بالمشاركة في النزاع الانتخابي، بشكل دقيق هذه المرة، عكس الدورة الأخيرة عام 2017، حيث قبل مجلس صيانة الدستور طلبات ستة أشخاص فقط للتنافس على الرئاسة، بينما رفض 1630 شخصا. خاصة عقب حديث الناطق الرسمي باسم المجلس بأن إجمالي المرشحين في هذه الدروة لم يتعد 592 مرشحا، ما يعزز الوصف الإعلامي المتداول بأن الإيرانيين مقبلون على واحد من أكثر الانتخابات برودا، منذ تشييد صرح جمهورية المرشد عام 1979.
وربما ترسم حدود التنافس الانتخابي بين الأسماء الأوفر حظا للعب دور مسؤول الواجهة أو الوجاهة، للتغطية على أعمال حكومة الظل، وفق تعبير محمد جواد ظريف في حواره المسرب أخيرا. فأسماء كثيرة ستسقط تباعا من قائمة المرشحين، خلال جلسات التداول بين أعضاء مجلس صيانة الدستور. لكن هذا الأخير سيحرص على وجود تمثيلية تعبر عن الاتجاهات الكبرى داخل المشهد السياسي الإيراني، فلا بد من مرشحين محافظين وآخرين معتدلين وممثلي الحرس الثوري.
وتكشف اللائحة النهائية للمرشحين للرئاسة عن حضور هذه التمثيلية، حيث يتجاور محافظون أمثال إبراهيم رئيسي رئيس السلطة القضائية وحسين دهقان وزير الدفاع ومحمود أحمدي نجاد ومحسن رضائي أمين مجمع تشخيص مصلحة النظام مع عسكريين مثل سعيد جليلي الأمين السابق للمجلس الأعلى للأمن القومي ورستم قاسمي القيادي الكبير في الحرس الثوري وسعيد محمد القائد السابق لمعسكر خاتم الأنبياء الذراع الاقتصادية للحرس الثوري، جنبا إلى جنب معتدلين من طينة علي لاريجاني رئيس البرلمان وإسحاق جهانجيري النائب الأول للرئيس الحالي ومحسن هاشمي رفسنجاني نجل الرئيس الأسبق علي أكبر هاشمي رفسنجاني وشمس الدين حسيني وزير الاقتصاد السابق.
يبدو أن التنافس على خلافة روحاني بات محسوما بين اسمين بارزين، لكل منهما تجارب سابقة مع الرئاسيات، فعلي لاريجاني يترشح للمرة الثانية بعد محاولة أولى عام 2005، انتهت بفوز غير متوقع للمرشح المنافس محمود أحمدي نجاد. وكان إبراهيم رئيسي أبرز منافس للرئيس الحالي روحاني في انتخابات عام 2017، حيث فاز بنحو 38 في المائة من الأصوات في الدور الأول "نحو 16 مليون صوت".
يعد المرشح علي لاريجاني من أبرز الوجوه الحاضرة في السياسة الإيرانية، على مدى الأعوام الماضية، وبرز إلى الواجهة عند ترشحه قبل عقد ونصف وهو يقود حينها المفاوضات الإيرانية مع القوى الكبرى في الملف النووي، قبل أن يبتعد عن هذا الدور في أعقاب انتخاب أحمدي نجاد، نظرا إلى تباين وجهات النظر بينهما حول مقاربة هذا الموضوع الشائك. فالرجل من مؤيدي الاتفاق النووي مع القوى الكبرى، ومن المتحمسين لسياسة خارجية ترمي إلى تسهيل العلاقات الخارجية من أجل النمو الاقتصادي للبلاد. وفي انتقاد ضمني لمرشحين آخرين "المحافظين والعسكريين" يرى أن "الاقتصاد ليس ثكنة عسكرية أو محكمة يمكن أن تتم إدارته بالصيحات أو الأوامر"، مشيرا إلى أنه يترشح لشعوره بأن الموجودين في القائمة غير قادرين على حل المشكلات الاقتصادية الأساسية للبلاد.
فيما سطع نجم حجة الإسلام إبراهيم رئيسي، منذ عام 2019، بعدما أسندت إليه رئاسة السلطة القضائية، وفي بيان له عقب إيداع ترشحه قال "جئت كمستقل إلى الساحة لإحداث تغيير في الإدارة التنفيذية للبلاد ومحاربة الفقر والفساد والإذلال والتمييز". وفي البيان ذاته شدد الرجل على "النضال المستمر ضد الفقر والفساد، والاذلال والتمييز".
وراء شعار "الدفاع عن الفقراء" الذي رفعه المرشح في الانتخابات السابقة، يتوارى ماض دموي من العنف والإجرام، فقد سبق لرئيسي أن وصف المتظاهرين في أعقاب مظاهرات عام 2009 في إيران، بأنهم محاربون "أعداء الله" يستحقون الإعدام. وقبل ذلك كان ضمن "لجنة الموت" التي تضم أربعة قضاة حظيت بإشادة الخميني شخصيا، بعد مذبحة السجناء السياسيين صيف 1988.
لا أحد غير هذا الثنائي يمتلك حظوظا للمنافسة، باستثناء الرئيس الأسبق محمود أحمدي نجاد، نتيجة شعبويته المتزايدة وسط الإيرانيين، لكنه عاجز عن تجاوز رقابة مجلس صيانة الدستور، فالهيئة لن تتردد في إشهار الورقة الحمراء في وجه الرجل، على غرار ما حدث في الانتخابات الماضية. خاصة أنه تجرأ في أكثر من خطاب وتجمع جماهيري على توجيه سهام النقد إلى الأقانيم المقدسة في جمهورية المرشد.
يرغب المرشد في تجديد القيادة حتى يعطي الأمل للإيرانيين بأن المقبل أفضل، ليضمن بذلك تهيئة الأرضية للمرشد الذي سيخلفه، لكنه يجهل أو يتجاهل أن الإيرانيين شبه موقنين بأن هوية الرئيس القادم أيا كانت لن تغير الشيء الكثير من حال وأحوال البلاد، ما دامت السلطة الحقيقية بين يدي المرشد والحرس الثوري. فالنظام فعلا جمهورية لا قيمة فيه لنتائج الصناديق ما لم تكن على مقاس عباءة المرشد، ولا ديمقراطية خارج ما تحدده قيادة الحرس الثوري الإيراني.