مقتل شيكاو .. معين الإرهاب واحد وإن تغيرت الزعامة

مقتل شيكاو .. معين الإرهاب واحد وإن تغيرت الزعامة
كيفية الوفاة تمت بعيدا عن القوات الحكومية النيجيرية.
مقتل شيكاو .. معين الإرهاب واحد وإن تغيرت الزعامة
ماذا بعد أبي بكر شيكاو؟

انتحر أو قتل، لا يهم، فالنتيجة واحدة، نهاية أبي بكر شيكاو أمير الحرب وأحد أكثر الإرهابيين وحشية في العالم، الذي حول جماعة "بوكو حرام" من طائفة متطرفة مغمورة في صحراء إفريقيا إلى جيش منظم من "الجهاديين"، وخلفت حربه مع الدولة النيجيرية عشرات الآلاف من القتلى، وامتدت تأثيراته إلى أربع دول مجاورة.
لا تأكيد رسمي من جانب التنظيم المتطرف ولا الدولة النيجيرية عن مقتل الرجل، رغم انتشار وتداول الخبر على نطاق واسع في وسائل إعلام إفريقية ودولية، تلتقي على واقعة الوفاة دون الاتفاق بشأن الكيف. فرواية أولى تفيد بأنه رفض التنازل عن قيادة التنظيم، وفجر سترة ناسفة ارتداها داخل لباسه، ما أودى بحياته ومن كان في جلسة المفاوضات معه. فيما الرواية الثانية تقول: "إنه قتل خلال مواجهات مع مجموعة متطرفة أخرى، في إطار صراع النفوذ وإحكام السيطرة"، وتتبنى رواية ثالثة فرضية انتحاره بعد تأثر جماعته بتداعيات الانشقاقات الداخلية والعمليات الجوية من قبل الجيش النيجيري وأنشطة قوات دول بحيرة تشاد في غضون الأشهر الثلاثة الماضية، مع انتهاز مقاتلي الفصيل المنشق والمنافس.
مهما يكن من أمر، بشأن كيفية الوفاة، يبقى المؤكد أن شيكاو المعروف بعناده، ورفضه الخضوع لأي أوامر خارجية منذ توليه قيادة "بوكو حرام"، عام 2009، بعد مقتل مؤسسها محمد يوسف، الذي شكل قتله على يد قوات الأمن نقلة جديدة للتنظيم من العنف إلى التسلح، لن يخرج مجددا للسخرية والاستهزاء، مثلما حدث غير ما مرة، كان آخرها عام 2018، عقب إعلان الجيش النيجيري مقتل زعيم الجماعة.
بايعت جماعة "بوكو حرام" تنظيم داعش خلال قيادة ابن ولاية يوبي لها، بالتحديد في آذار (مارس) 2015 في بيان بصوت شيكاو، لتغير الجماعة اسمها فتصبح ولاية غرب إفريقيا. عام بعد المبايعة سيعزل أبوبكر البغدادي شيكاو ويعين أبو مصعب البرناوي محله، ما أحدث مجموعتين متطرفتين، فصيل تاريخي بقيادة أبي بكر شيكاو، وجماعة جديدة معترف بها من قبل تنظيم داعش، يقاتلان الجيش النيجيري كل على حدة، وتدور بينهما اشتباكات للسيطرة على المنطقة.
يتذكر العالم بأسره أبا بكر شيكاو بواقعة "فتيات شيبوك"، عام 2014، حيث اختطف 276 تلميذة من إحدى المدارس الداخلية في جنح الليل. أطلق سراح بعض منهن، بينما لا تزال نحو 100 فتاة مفقودة أو في الأسر. وكانت وحشية شيكاو في استخدام النساء والفتيات في التفجيرات الانتحارية، فكان يرسلهن ملفوفات بالمتفجرات على أجسادهن، مستخدما إياهن قنابل بشرية رغما عنهن.
أوقع التمرد الذي يشهده شمال شرق نيجيريا، منذ أكثر من عشرة أعوام، بقيادة جماعة بوكو حرام أكثر من 40 ألف قتيل، وكان سببا وراء نزوح مليوني شخص، فيما امتدت تداعيات أعمال العنف إلى دول مجاورة كالنيجر وتشاد والكاميرون.
يبقى أكثر الأسئلة تداولا على الألسن بعد التحقق من واقعة الوفاة، هو ماذا بعد أبي بكر شيكاو؟ فكيفية الوفاة التي تمت بعيدا عن القوات الحكومية النيجيرية تثبت حقائق وتنفي أخرى في الوقت ذاته. لعل أولها ما جاء على لسان ممثلي الحكومة من هزيمتها مقاتلي ولاية غرب إفريقيا، فقدرة هذه العناصر على الوصول إلى الرجل والجلوس معه على طاولة التفاوض، لا بل وتفضيله الموت بدلا عن قبول نتائج المفاوضات، كفيلة برسم صورة قوة وحجم تنظيم ولاية غرب إفريقيا.
وبقدر ما تثبت واقعة القضاء على شيكاو تراجعا لنفوذ "بوكو حرام" في المناطق التقليدية التي هيمنت عليها نحو عقد فأكثر، إلا أنها في المقابل تعني صعود تنظيم داعش في ثوب ولاية غرب إفريقيا في كل هذه المناطق التقليدية. ومن شأن مقتل الرجل أن يسهل عملية انضمام مقاتلي "بوكو حرام" إلى ولاية غرب إفريقيا، ما يعني أن هذه الأخيرة قد عادت إلى أصلها، إذ انشقت الجماعة عن "بوكو حرام"، بعد خلافات حول أيديولوجية شيكاو وطبيعة قيادته.
يعد كثيرون واقعة القضاء على أبي بكر شيكاو تمثل نهاية حقبة بالنسبة إلى الدولة النيجرية، وبدء رحلة جديدة في مكافحة التطرف مع عودة اسم أبي مصعب البرناوي إلى واجهة المشهد، فهذه الشخصية التي لم تحظ باهتمام كبير، على مدار الأعوام الماضية، رغم رمزيتها كنجل لمؤسس جماعة بوكو حرام، مرنة وقابلة للتفاوض مع الحكومة والمسؤولين مقارنة بشيكاو. ويعزز هؤلاء طرحهم بإنكار "داعش" على "بوكو حرام" إفراطها في التكفير والهجوم على المساجد والمسلمين.
على المبشرين بهذا القول أن يتذكروا جيدا مقولة "ليس في القنافذ أملس"، فالتنظيمات الإرهابية على اختلافها تشرب من معين واحد، عقيدة التطرف، التي لا تؤمن سوى بالسلاح والعنف والدم، دون حاجة إلى التذكير بالدور النوعي للأمير الجديد للتنظيم أبي مصعب البرناوي في تعزيز ولاية غرب إفريقيا، منذ عام 2016، وتبنيه سياسة أكثر تطورا تجاه المجتمعات المحلية.
كما أن البرناوي المنتصر أمير بغنائم جديدة، فقد انضم عدد من كبار قادة "بوكو حرام" إلى ولاية غرب إفريقيا، ما يعني أن ولاية غرب إفريقيا قد سيطرت على مخزون الجماعة من الأسلحة والذخائر، وأنها استولت على منافذ جمع العوائد والتمويل بشكل الضرائب والرسوم المفروضة على السلع وممتلكات سكان المناطق التي كانت "بوكو حرام" تسيطر عليها، من شأن هذه المغانم أن تعزز طموحات البرناوي لتصل إلى شيكاو، وقد تتجاوزه في ظل الوهن الكبير للدول في منطقة الساحل.

الأكثر قراءة