حتى لا يجدوا ملاذات آمنة 

 
منذ أن تولى خادم الحرمين الشريفين، مقاليد الحكم في السعودية، وهو يعمل على تحقيق ازدهار حقيقي، ونقلة نوعية في الاقتصاد السعودي، تمكن من بناء اقتصاد قوي ومتين قادر على المحافظة على المكتسبات وحماية الأجيال.

وفي تجارب الأمم وما سجله التاريخ، فإن أكبر التحديات التي تواجه الخطط الاقتصادية الطموحة، تكمن في الفساد، واستغلال الرواج الاقتصادي والاستثمارات العامة الكبيرة في بناء الثروات الشخصية على حساب الوطن واقتصاده ومستقبله. وفي هذا الصدد، قال الملك سلمان، كلمة خالدة ما زالت تمثل منارة للعمل، حينما أكد أن "المملكة لا تقبل فسادا على أحد، ولا ترضاه لأحد، ولا تعطي أيا كان حصانة في قضايا فساد".

وقامت في الداخل السعودي حرب معلنة وصريحة ضد الفساد، بدأت من القمة، مع تشكيل اللجنة العليا للتحقيق في قضايا الفساد برئاسة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، وقد انتهت اللجنة من أعمالها باستعادة مبالغ تجاوزت 400 مليار ريال. وتوالت بعد ذلك أعمال مكافحة الفساد، وتم دمج هيئة الرقابة والتحقيق في هيئة مكافحة الفساد، من أجل حوكمة أفضل وتسريع الأعمال، ولا يكاد يمر شهر دون إعلان بشأن قضايا تتعلق بالفساد.

ومع ذلك، فإن الفساد يجد ملاذات آمنة في الخارج، وهناك فساد يتم بين الدول، تصعب مواجهته ما لم يكن هناك نظام دولي قادر على إحداث تنسيق عالمي يمكن الوصول إلى الملاذات الآمنة للفساد والقضاء عليها حتى لا يجد الفاسدون والمرتشون ومن يستغل المال العام ملاذا آمنا بعد ذلك، وهو ما وعد به الأمير محمد بن سلمان، في أكثر من مناسبة بأنه "لن ينجو أحد تورط في قضية فساد كائنا من كان"، ولتحقيق هذا ومحاربة الفساد حتى في ملاذاته الآمنة دوليا، عملت المملكة خلال رئاستها مجموعة العشرين في عام 2020، على عقد أول اجتماع وزاري في تاريخ دول مجموعة العشرين، في مجال مكافحة الفساد، وقدمت مبادرات عملية من أجل تنسيق الجهود دوليا، وإنشاء منصة عالمية آمنة لتسهيل تبادل المعلومات بين سلطات إنفاذ القانون المعنية بمكافحة الفساد، وذلك تحت مظلة مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة، بصفته الوصي على اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد، التي تشكل الإطار القانوني للتعاون المباشر فيما بين أجهزة مكافحة الفساد المعنية بمكافحته.

وشهد ملف مكافحة الفساد في السعودية تطورا ملموسا انعكس على جهود الإصلاح التي تشهدها المملكة في إطار عملية التحديث التي طالت جميع مفاصل الدولة ضمن "رؤية 2030"، منذ موافقة مجلس الوزراء على تنظيم هيئة لمكافحة الفساد، وتعزيز مبدأ الشفافية ومواجهة الفساد المالي والإداري بشتى صوره.

لم تكن المملكة لتدع مبادرتها في ظل مجموعة العشرين دون عمل جاد لتحقيقها على أرض الواقع، فقد تم إطلاق الدورة الاستثنائية الأولى للجمعية العامة للأمم المتحدة لمكافحة الفساد، وتضمنت تدشين "مبادرة الرياض" الشبكة التشغيلية العالمية لسلطات إنفاذ قانون لمكافحة الفساد GlobE، وهذا الحدث سيكون تاريخيا ومبعث السعادة لعديد من أمم وشعوب الأرض، التي اصطلت واكتوت بنار الفساد، وتسبب في مشكلات اجتماعية واقتصادية وفقر مدقع، رغم الجهود العالمية للإنقاذ والدعم والإقراض.

لقد كشف كورونا عن حجم الأثر البالغ للفساد في تعظيم أثر الكوارث الصحية والبيئية في الشعوب التي تساهلت مع الفساد وكانت ملاذات آمنة له. وأحرزت السعودية تقدما بسبعة مراكز عالمية في ترتيب مؤشر مدركات الفساد "سي بي آي"، الذي أصدرته منظمة الشفافية الدولية، إذ حققت المركز الـ51 عالميا من أصل 180 دولة، وتقدمت في مركزها بين مجموعة دول العشرين الاقتصادية لتحقق المركز العاشر.

وتشارك المملكة المجتمع الدولي في محاربة الفساد من خلال توقيعها ومصادقتها على عدد من الاتفاقيات، وأصبحت مكافحة الفساد في السعودية توجها عاما للدولة لتطهير المؤسسات الحكومية من بؤر الفساد وفلوله. وتعد الشبكة العالمية لسلطات إنفاذ القانون المعنية بمكافحة الفساد GlobE، مبادرة فريدة وخطة محكمة تعكس رؤية خادم الحرمين الشريفين، وولي العهد الأمير محمد بن سلمان، في ضرورة ملاحقة الفساد في كل مكان وعبر العالم، وضرورة أن يكون للمجتمع الدولي المشاركة الفاعلة في تأسيس شبكة GlobE، وتقديم الدعم اللازم لإنجاح هذه المبادرة ومتابعة تطويرها بما يخدم المصالح المشتركة لجميع الدول.

ولقي هذا الإنجاز الكبير ترحيبا دوليا، حيث أشاد الأمين العام للأمم المتحدة بمبادرة الرياض الرامية إلى إنشاء شبكة عالمية لمكافحة الفساد، والدعم البالغ عشرة ملايين دولار، الذي قدمته تمهيدا لإنشائها، التي تخدم احتياجات الدول للتعاون الدولي العابر للحدود في مجال مكافحة الفساد، بما يسهم في التغلب على أي تحديات مصاحبة لذلك.

إن هذا الترحيب الدولي والجهود الأممية في تنفيذ مبادرة الرياض الخاصة بإنشاء الشبكة العالمية لسلطات إنفاذ القانون المعنية بمكافحة الفساد "جلوب"، يؤكد ثقة العالم بالقدرات والخبرات السعودية في هذا المجال، التي أثبتت كفاءتها وفاعليتها.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي