هل العالم صاعد ولا يزال في صعود؟ «2 من 2»

سيواجه العالم مصاعب بالغة في تحقيق معدل نمو إجمالي ناتج محلي حقيقي يبلغ 4 في المائة، بل حتى بلوغ نسبة 3.7 في المائة التي حققها في العقدين الماضيين يمكن أن يكون صعبا كذلك. وهناك أربعة عوامل تحدد ما إذا كنا قد نحقق النمو الذي نحتاج إليه: الإنتاجية في الاقتصادات المتقدمة ومدى سرعة تباطؤ الاتجاه العام للنمو في الصين، ونجاح الهند، والأهم من ذلك، ما إذا كانت اقتصادات الأسواق الصاعدة الأخرى ذات الكثافة السكانية العالية ستتجه صعودا هي الأخرى. فهل في مقدور دول مثل إندونيسيا والمكسيك ونيجيريا وفيتنام وغيرها أن تقترب من الاستفادة من إمكاناتها الكاملة على المدى الطويل؟ إن فعلت، فإنها ستتيح فرصة أفضل أمام نمو إجمالي الناتج المحلي الحقيقي في العالم كي يضاهي النمو في العقد الماضي.
ومن الواضح أن التعافي بقوة مباشرة بعد کوفید - 19 يكاد يعتمد على عامل واحد هو تطوير اللقاحات والعلاجات وتوزيعها للقضاء على الجائحة. وفي رأيي أن مضاعف المنافع من المبالغ التي يلزم أن يوفرها المانحون، وتراوح بین 20 و30 مليار دولار، ستمثل دون تفكير أكبر حافز اقتصادي استطاع أي جيل أن يتفق بشأنه، ما يجعل المنافع المحتملة للفترة 2008 - 2009 تبدو أصغر بكثير.
وصندوق النقد الدولي يجب أن يضطلع بدور فعال في التشجيع على توفير هذا الحافز، إضافة إلى موضع تركيزه الجديد وهو تغير المناخ، ويجب أن يدخل مجال النظم الصحية ويدمج تحليل الإنفاق على الصحة ضمن عملة الرقابي. والاتساق مع وزراء المالية لدعم مبادرة تسريع إتاحة أدوات مكافحة كوفيد - 19 انعكاسا للتعاون بين المنظمات العالمية الرائدة المعنية بالصحة يشكل بداية صغيرة لكن يتعين العمل على توسيعها.
ومن واقع قيادتي عملية مراجعة مقاومة مضادات الميكروبات المستقلة التي أجرتها حكومة المملكة المتحدة، فأنا أعلم أن هناك تهديدات صحية أخرى في الأفق تساوي كوفيد - 19. ومن شأن مقاومة مضادات الميكروبات أن تسبب ما يصل إلى عشرة ملايين حالة وفاة سنويا بحلول عام 2050، وسينتج عن ذلك ضياع فرصة اقتصادية بقيمة 100 تريليون دولار. ويجد بعض المراقبين صعوبة في تصديق هذه الأرقام، لكن نتيجة للجائحة، نحن نعلم الآن أن هذه الأشياء أصبحت حقيقة بكل أسف. وينبغي أن تكون محاولات تعزيز الروابط بين علم الاقتصاد والتمويل والصحة في صلب أفكارنا المستجدة.
في أعقاب جائحة كوفيد - 19، يجب على اقتصادات الأسواق الصاعدة، خاصة أكبرها، أن تعتمد سياسات مالية ذكية، سياسات تمنح الأولوية للاستثمارات العامة. ونحن في حاجة إلى أساس مختلف لتقييم الإطار الاقتصادي الحقيقي وظروف سياسة المالية العامة. تحديدا، لقد حان الوقت للتمييز حقا بين النفقات الاستثمارية والنفقات الاستهلاكية الحكومية، فيرجح أن يترتب على الأولى أثر مضاعف إيجابي وينبغي عدم معالجته من المنظور المحاسبي نفسه للنفقات الحكومية على الاستهلاك. أما معالجة تغير المناخ والتهديدات الصحية المستقبلية فتقتضي الإنفاق على هذه الاستثمارات. ويتوقف تحقيق اقتصادات الأسواق الصاعدة للنمو بكامل إمكاناتها على هذه الاستثمارات التي يمكن القول: إن دورها أهم للنمو الاقتصادي والأوضاع المالية.
أما وضع إطار لسياسة مالية أذكى فلا بد أنه سيقتضي تقوية النظم المالية المحلية كضرورة حتمية. ويزداد الأمر صعوبة مع استمرار الاعتماد على نظام نقدي يستند إلى الدولار. ورغم التراجع الممهد نسبيا وإن كان بطيئا حاليا في حصة الاقتصاد الأمريكي على مستوى العالم مقارنة بغيره، لا يزال النظام النقدي القائم على الدولار مهيمنا عموما، تماما كما كان عندما بدأت العمل في المجال المالي عام 1982. ويعني ذلك أنه يجب على العالم أن يتعايش مع التقلبات العاتية في السياسة النقدية للاحتياطي الفيدرالي، وعواقبها على الولايات المتحدة، والأوضاع المالية العالمية التي تعقبها. فعندما يشدد الاحتياطي الفيدرالي سياسته، تتشدد الأوضاع المالية إلى حد كبير في الأسواق الصاعدة بشكل فوضوي في كثير من الأحيان. وعندما ييسر الاحتياطي الفيدرالي سياسته، يحدث العكس.
ولا بد أن هناك مخرجا، وهذا التغيير آت يوما ما. إن النظام النقدي في حاجة إلى التطور ليمثل انعكاسا أفضل الديناميكيات العالم المتغيرة، وإلى أن يتحقق ذلك، ستظل قدرة دول الأسواق الصاعدة على الاستفادة الكاملة من إمكانات نموها تواجه مصاعب، وإن لم تكن بقدر المصاعب نفسها في المبادرات المحلية الأخرى كنظم الصحة والتعليم.
ويحتاج كثير من دول الأسواق الصاعدة إلى التحلي بمزيد من الجرأة والذكاء في التعامل مع هذه المسائل، وبطبيعة الحال، صندوق النقد الدولي سيكون موجودا لمساعدتها.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي