البحث عن أصول كوفيد - 19 ومنع جائحات المستقبل «2 من 3»

لاحظ بعض الباحثين في وقت مبكر أن كلا من الفرضيتين معقول. وقد أثبتت الأبحاث اللاحقة في منشأ كوفيد - 19 حتى الآن كونها غير حاسمة، وهذا لا يبقي على الفرضيتين الرئيستين ساريتين وفحسب، بل إنه يقوض أيضا ادعاءات صارخة من قبل بعض ممثلي المعسكرين الرئيسين. في الأصل، كان بعض الأمل قائما في أن يكشف جينوم SARS-CoV-2 ذاته عن منشأ الفيروس بسرعة، إما عن طريق العثور على فيروس مطابق تقريبا "مثل فيروس تستضيفه خفافيش حدوة الفرس أو عائل وسيط مثل حيوان البنجول" أو عن طريق إثبات خضوع الفيروس للتلاعب الجيني في سياق مختبري بالدليل الدامغ.
لم تتحقق هذه الآمال في التوصل إلى حل واضح وسريع للمناقشة. إذ يتوافق جينوم SARS-CoV-2 مع حدوث العدوى بشكل طبيعي أو في سياق مرتبط بالأبحاث. من الواضح أن هذه هي الحال إذا أصيب باحث بعدوى الفيروس أثناء جمع عينات من الفيروس في الميدان، لأن الفيروس بذلك يكون ناشئا من الطبيعة مباشرة، لكن المنشأ سيظل مرتبطا بالأبحاث. ما يزيد الأمر تعقيدا على تعقيده أن الباحث الميداني ربما أصيب بحالة خفيفة أو دون أعراض، حتى إنه لم ينتبه هو وزملاؤه إلى انتقال العدوى من الميدان، ثم انتقالها الآن بشكل مباشر إلى بشر آخرين.
من ناحية أخرى، لا يظهر جينوم SARS-CoV-2 أي "بصمة جينومية" قاطعة تؤكد التلاعب الاصطناعي، مثل إعادة التركيب الواضحة للمادة الجينية على نحو يستحيل حدوثه في بيئة طبيعية.
من جانبهم، كان أنصار الرأي القائل، إن SARS-CoV-2 نشأ من حدث طبيعي حيواني المنشأ يأملون في أن يتم التعرف على الحيوان الذي يؤوي SARS-CoV-2 بسرعة، على سبيل المثال في المزارع أو الأسواق الرطبة، أو أن الفيروس سيعثر عليه بشكل مباشر في خفافيش حدوة الفرس. هذا الأمل أيضا لم يتحقق حتى الآن، وإن كان من الممكن أن يتحقق بالطبع. تحدث مثل هذه الاكتشافات غالبا بعد أعوام عديدة من اندلاع الفاشية الأولى. لكن تظل الحقيقية هي أن الباحثين والعلماء لم يتعرفوا بعد على مكمن العائل الثديي الوسيط الذي ربما خدم كمكمن طبيعي للفيروس.
مع ذلك، نجد أن بعض الحقائق التي ظهرت خلال أول عام ونصف العام من الجائحة، وترتبط بقوة بمنشئها، شديدة الأهمية ومثيرة للقلق. أصبح المجتمع العام والسياسي على دراية متزايدة بالبحوث المكثفة حول الفيروسات الشبيهة بفيروس سارس التي كانت جارية في الولايات المتحدة والصين وأماكن أخرى، سواء في جمع العينات الفيروسية من الميدان أو في دراسة قدرتها على نقل عدواها وإحداث المرض في المختبر.
وقد تعلمنا أن قدرا كبيرا من هذا العمل يمكن تصنيفه على أنه من أبحاث "اكتساب الوظيفة". يتضمن هذا المصطلح العام تعديل الفيروسات لإكسابها وظائف بيولوجية جديدة، وكان الاهتمام مركزا، خصوصا على ما يسمى "أبحاث اكتساب الوظيفة محل الاهتمام"، وهي فئة تشمل أبحاث ربما تعزز قابلية الانتقال إلى البشر و/أو إحداث المرض، وتجرى على مسببات الأمراض الوبائية المحتملة. الواقع أن التجارب التي أجريت في معهد ووهان لعلوم الفيروسات التي تضمنت تعديل فيروسات كورونا التي يرجع أصلها إلى الخفافيش للتعبير عن البروتينات التي من المحتمل أن تعزز القدرة على الدخول إلى الخلايا البشرية، يرى عديد من العلماء والباحثين أنها تندرج بشكل مباشر تحت فئة أبحاث اكتساب الوظيفة محل الاهتمام.
زعم عديد من خبراء السلامة البيولوجية لفترة طويلة أن مثل هذا العمل الذي يستخدم للكشف عن العوائل المستهدفة بسرعة أكبر، وتحسين التنبؤ بالفاشيات، وتطوير اللقاحات والعقاقير العلاجية، يتطلب قدرا أعظم كثيرا من الإشراف، والتحكم، والتدقيق، بما في ذلك تقديم تقرير شفاف لجماهير الناس عن الأنشطة البحثية. في الولايات المتحدة، تتضمن إرشادات المعاهد الوطنية للصحة فقرة شرطية مفادها أن "الآليات المعززة لمراجعة العامل الممرض المحتمل للجائحة التي تستعين بها الوكالات، يجب أن توفر أقصى حد ممكن من الشفافية لعامة الناس فيما يتصل بالمشاريع الممولة التي تنطوي على إنشاء، أو نقل، أو استخدام عوامل ممرضة محتملة معززة".
علمنا أيضا أن المعاهد الوطنية للصحة قامت بتمويل علماء أمريكيين وصينيين للعمل بشكل تعاوني على جمع عينات من فيروسات تشبه فيروس سارس في الميدان، وإعادتها إلى معهد ووهان لعلوم الفيروسات لإخضاعها لتحليل جيني متقدم. وفي إطار العمل البحثي في معهد ووهان لعلوم الفيروسات، تضمنت الأبحاث إنشاء مؤتلفات جينية تخيلية لفيروسات شبيهة بفيروس سارس لدراسة قدرتها على إصابة الخلايا البشرية بعدواها وإحداث المرض. كما علمنا أن بعض أعمال الاستنساخ الفيروسي في معهد ووهان للعلوم الفيروسية حدثت في مرافق مختبر السلامة البيولوجية 2 التي يرى عديد من الباحثين أنها لا توفر الحماية الكافية ضد إطلاق الفيروسات في سياق أبحاث مختبرية، حتى وإن بدا الأمر وكأن المعاهد الوطنية للصحة توافق على مثل هذا العمل في مرافق مختبر السلامة البيولوجية 2... يتبع.
خاص بـ "الاقتصادية"
بروجيكت سنديكيت، 2021.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي