استراتيجية النقل وتحقيق المستهدفات
تعد وسائل النقل بمنزلة الشرايين التي تمر من خلالها موارد الاقتصاد الوطني، ولذلك فإن إصلاح الاقتصاد الوطني يبدأ من خلال مشاريع تطوير النقل وتحديثه، مع الاهتمام، إضافة مزيد من الخدمات اللوجستية المسهلة والميسرة لزيادة معدلات تبادل التجارة الخارجية بين دول العالم، بمعنى أن الاقتصاد الوطني يبدأ إصلاحه وتنشيطه من خلال تطوير وسائل النقل وخدماتها اللوجستية. لقد بدأ النقل عبر المركبات البرية، ثم تطور الحال إلى استخدام السكك الحديدية بكل أنواعها، ثم أصبح الطيران جزءا من وسائل النقل، ثم أعقبه النقل البحري من خلال السفن التي تميزت بأحجامها الكبيرة والسريعة حتى أصبح النقل عبر البحار ينقل الجزء الأكبر من التجارة الدولية.
ومع التطورات اللوجستية التي أدخلها الإنسان على وسائل النقل أصبحت وسائل النقل تلعب الدور الأهم في زيادة التبادل التجاري بين الدول، وأصبحت التجارة الدولية مؤشرا مهما في تطور الاقتصاد الدولي وتواكبا مع استراتيجية مشاريع تطوير النقل، فقد أطلق ولي العهد الأمير محمد بن سلمان الثلاثاء الماضي الاستراتيجية الوطنية للنقل والخدمات اللوجستية، حيث أكد أن الهدف من هذه الاستراتيجية هو ترسيخ مكانة المملكة كمركز لوجستي عالمي يربط القارات الثلاث بعلاقات تجارية واقتصادية متقدمة من خلال بناء منظومة كاملة من وسائل النقل وخدماتها اللوجستية المتقدمة لدعم مسيرة التنمية الشاملة بين دول القارات الثلاث.
كما أن هذه الاستراتيجية ترسم طريق بناء الموارد البشرية والفنية في قطاع النقل والخدمات اللوجستية في المملكة، ولذلك فإنها تلعب دورا مهما في دعم العلاقات التجارية الدولية بين المملكة ودول القارات الثلاث، ولا شك أن المملكة ستستفيد كثيرا من موقعها الاستراتيجي الذي يتوسط القارات الثلاث، ولذلك سيكون النقل أحد الموارد المهمة على خريطة تنويع مصادر الدخل الوطني.
وأيضا هذه الاستراتيجية تركز على تطوير البنى التحتية وإطلاق عديد من المنصات والمناطق اللوجستية في المملكة، كذلك فإن تطبيق الاستراتيجية سيقودنا إلى استخدام أنظمة تشغيل رقمية متطورة، تساعد على دعم الشراكات الفاعلة بهدف التأكيد على مكانة المملكة كمركز لوجستي عالمي، وإضافة إلى ذلك، فإن الاستراتيجية تستهدف النهوض بالمملكة لتصل إلى المرتبة الخامسة عالميا في الحركة العابرة للنقل الجوي، وزيادة الوجهات لأكثر من 250 وجهة دولية، إلى جانب إطلاق ناقل وطني جديد بما يمكن القطاعات الأخرى مثل الحج، والعمرة، والسياحة من تحقيق مستهدفاتها الوطنية، إضافة إلى ذلك، فإن الاستراتيجية ستساعد على مضاعفة الطاقة الاستيعابية لقطاع الشحن الجوي إلى أكثر من 4,5 مليون طن، وكذلك بالنسبة للنقل البحري، فإن الاستراتيجية تستهدف بناء طاقة استيعابية تزيد على 40 مليون حاوية سنويا، ما يعزز تكاملها مع المناطق اللوجستية داخل المملكة وفي محيط علاقاتها الدولية.
وتستهدف هذه الاستراتيجية أيضا لتعظيم اقتصادات النقل والخدمات اللوجستية ودعم التنمية المستدامة، كما أن الاستراتيجية تمثل النسيج المحكم الذي يربط الاستراتيجيات الوطنية كقطاع الحج والعمرة والسياحة وصولا إلى الصناعة والتجارة لتحقيق النمو المستدام، كما أن ولي العهد كان سباقا إلى التأكيد على أهمية تعظيم الاستفادة من الموقع والمكانة والفرص التي تحملها شبكات النقل والخدمات اللوجستية، ليس لبلادنا فحسب، بل للمنطقة والعالم. كما أن وزارة النقل والخدمات اللوجستية، تؤمن بأن هذه الاستراتيجية ستنعكس آثارها التنموية المباشرة وغير المباشرة على جميع الأنشطة الاقتصادية في المملكة.
وهنا لا بد من التثمين بما قاله ولي العهد وفي معرض حديثه عن الاستراتيجية الوطنية للنقل والخدمات اللوجستية، حيث أوضح أن الخطوط الحديدية تقدم خدماتها في قطاع نقل الركاب ونقل البضائع عبر شبكة يبلغ طولها 5330 كم من بينها 450 كم في مسار الخط الحديدي لقطار الحرمين السريع بين مكة المكرمة والمدينة المنورة الذي يعد أكبر مشروع للنقل عالي السرعة في المنطقة، كذلك تستهدف الاستراتيجية زيادة مجموع أطوال السكك الحديدية المستقبلية، حيث تتضمن مشروع الجسر البري بطول يتجاوز 1300 كم وبطاقة استيعابية قدرها ثلاثة ملايين مسافر، مع زيادة في الشحن تصل إلى نحو 50 مليون طن سنويا، وسيؤدي هذا المشروع إلى ربط موانئ المملكة على ساحل الخليج العربي بموانئ ساحل البحر الأحمر مع فتح فرص جديدة وواعدة لهذا الخط الملاحي عبر مروره بمراكز لوجستية حديثة ومتطورة، ومراكز للأنشطة الاقتصادية والمدن الصناعية، والأنشطة التعدينية، وتحسين مؤشر الأداء اللوجستي للمملكة لتكون ضمن قائمة الدول العشر الأولى على مستوى العالم.
وعندئذ ستكون لدينا سوق مفتوحة للمشغلين والمستثمرين في السكك الحديدية بما يشجع على تحقيق هدف إقليمي مهم بالنسبة للمملكة يتمثل في الربط البيني مع دول الخليج العربي، ما يجعل للمملكة دورا مؤثرا في اقتصادات النقل الإقليمي والدولي، ولذلك أكد ولي العهد أن أحد الأهداف الرئيسة للاستراتيجية يتمثل في زيادة مساهمة قطاع النقل والخدمات اللوجستية في إجمالي الناتج المحلي الوطني من 6 إلى 10 في المائة.
هذا من ناحية ومن ناحية أخرى، فإن الاستراتيجية تستند إلى ركائز متعددة عالية الأهمية تشمل شبكة الطرق الكبرى التي تضع المملكة في المرتبة الأولى على مستوى العالم، كما ستكون المملكة - بإذن الله - من الدول المتقدمة دوليا على صعيد جودة الطرق وسلامتها.
وواضح مما سبق أن الاستراتيجية تتضمن عديدا من المبادرات التي تهدف إلى خفض معدلات حوادث الطرق إلى الحد الأدنى أسوة بأفضل المعدلات في العالم، إضافة إلى تحقيق كفاءة الربط وتطوير خدمات النقل العام في المدن السعودية بالتوازي مع تحقيق المستهدفات على صعيد الاستدامة والمحافظة على البيئة النظيفة، وتقليل استهلاك الوقود بنسبة 25 في المائة، وتوفير حلول ذكية لتسهيل تنقل المسافرين بين المدن، ونقل البضائع وفقا للتقنيات المطبقة عالميا.