رؤى جوهرية لشراكات نوعية 

بين السعودية وعمان تاريخ طويل من العمل المشترك والعلاقات الحميمة، وقد أثمر هذا التعاون عديدا من الإنجازات الكبرى لكلتا الدولتين وللمنطقة كلها، ومن خلال مجلس التعاون لدول الخليج العربية تم الاتفاق على كثير من الأنظمة المشتركة، التي من أهمها نظام الجمارك الموحد بين دول الخليج.

لكن رغم كل تلك الإنجازات الكبيرة سابقا، فإن الزيارة الأخيرة للسلطان هيثم بن طارق، سلطان عمان، إلى السعودية استجابة لدعوة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، تعد نقلة موضوعية، وجوهرية لطبيعة ونوعية والعلاقات الثنائية الخاصة.

وقد أشار البيان المشترك، الذي صدر منتصف الأسبوع، إلى جلسة المباحثات التي عقدها خادم الحرمين وسلطان عمان، بحضور الأمير محمد بن سلمان ولي العهد، وانتهت تلك المباحثات بالاتفاق على عدد من القضايا والتوجيهات التي كان الشعبان الشقيقان في انتظارها.

وجاء الاتفاق على توجيه الجهات المعنية بالإسراع في افتتاح الطريق البري المباشر، والمنفذ الحدودي، كخطوة كبيرة ستحقق كثيرا من المزايا الاقتصادية، وسلاسة تنقل مواطني البلدين، وتكامل سلاسل الإمداد، في سبيل تحقيق التكامل الاقتصادي المنشود.

إن هذا الاتفاق يعزز من تحقيق أهداف الخطة الاستراتيجية للنقل والخدمات اللوجستية، فالقدرة على ربط موانئ المملكة في البحر الأحمر، وفي الخليج العربي، مع منافذ عمان البحرية على بحر العرب، سيدعم اقتصاد البلدين ويعزز من سلامة سلاسل الإمداد وتنوعها.

لكن هذا المسار البري الحيوي قد لا يحقق الأهداف كافة المرجوة منه، ويحقق كفاءة الاستخدام له، إلا إذا كان البلدان عازمين على تعزيز العلاقات الاقتصادية بينهما ولهذا فقد أشار البيان الختامي إلى ذلك بوضوح تام، حيث أكد عزم البلدين المشترك لرفع وتيرة التعاون الاقتصادي.

البيان تطرق إلى رؤية المملكة 2030 وإلى رؤية عمان 2040، وهما يتقاطعان في قضايا مهمة تتعلق بالموقع الجغرافي المتميز للبلدين، وأهمية تنوع الاقتصاد وتعزيز المنافسة، ودعم الإيرادات غير النفطية في الناتج المحلي، ولهذا كان من السهل الوصول إلى تفاهم مشترك بشأن ضرورة تحفيز القطاعين الحكومي والخاص للوصول إلى تبادلات تجارية واستثمارية تحقق مستهدفات الرؤية في كلا البلدين، وذلك عبر إطلاق مجموعة من المبادرات المشتركة، التي تشمل مجالات تعاون رئيسة، منها الاستثمارات في منطقة الدقم، والتعاون في مجال الطاقة، إضافة إلى الشراكة في مجال الأمن الغذائي، والتعاون في الأنشطة الثقافية والرياضية، والسياحية المختلفة، وتم توجيه العمل على إبرام عدد من الاتفاقيات، ومذكرات التفاهم بين البلدين الشقيقين للتعاون في مختلف هذه المجالات.

وقد أشارت رؤية المملكة 2030 إلى الدور المحوري الاقتصادي للقطاع الخاص، وانطلق العمل خلال الأعوام الخمسة الماضية على تمكين القطاع الخاص وتعزيز مشاركته ودعمه، كما تم إطلاق استراتيجية التخصيص ونظامه قبل عدة أشهر.

وفي المقابل، نصت رؤية عمان 2040 على دور القطاع الخاص في تسيير الاقتصاد العماني من خلال تكافؤ الفرص والابتكار، لذلك، فإن إنجاز التعاون المشترك يتطلب أن يقوم القطاع الخاص في كلا البلدين بدوره الفاعل، وقد وعد البلدان من خلال مجلس الأعمال السعودي - العماني بتعزيز فرص الاستثمار المباشر وغير المباشر بين القطاع الخاص، وزيادة تبادل الزيارات بين أصحاب الأعمال، وعقد المؤتمرات والمعارض، وتأسيس المشاريع الاقتصادية.

لقد أكد البيان المشترك حرص البلدين على تعزيز الاتفاق بشأن مجموعة "أوبك +" التي أدت إلى استقرار وتوازن الأسواق البترولية، وتطبيق نهج الاقتصاد الدائري للكربون، الذي أقرته مجموعة العشرين لمعالجة انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري وإدارتها.

هذا الاتفاق يحقق كثيرا من المزايا الاقتصادية للسعودية وعمان، ويعزز من مفهوم الابتكار ودوره في معالجة القضايا الإنسانية الراهنة. ووفقا للحلول والمبادرات التي تتناسب مع اقتصاد الدول، فالابتكار يعد طريقا مشتركا لتحقيق متطلبات الالتزام باتفاقية باريس للمناخ، وتحقيق مكانة اقتصادية مرموقة في اقتصاد التقنيات المتطورة، ومشاريع الطاقة، والطاقة المتجددة والصناعة.

وإذا كان التطابق في القضايا الاقتصادية يعد تحركا استراتيجيا لكلا الشعبين الشقيقين، فإن الشأن اليمني لا يقل أهمية عن الشأن الاقتصادي، لما له علاقة بالقضايا الأمنية للشعبين، إضافة إلى ما يعانيه الشعب اليمني من ويلات الحرب وما تسببت فيه الميليشيات الحوثية من عبث في الاقتصاد، ولا شك في تطابق وجهات نظر البلدين في هذا الملف، وإيجاد حل سياسي شامل للأزمة اليمنية قائم على المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية، ومخرجات مؤتمر الحوار الوطني اليمني الشامل، وقرار مجلس الأمن الدولي رقم 2216، ومبادرة السعودية لإنهاء الأزمة اليمنية. هذا التوافق اتضح أيضا في الملف الإيراني، حيث أشار الجانبان إلى ضرورة التأكيد على مبادئ حسن الجوار، واحترام القرارات الأممية والشرعية الدولية وتجنيب المنطقة الأنشطة المزعزعة للاستقرار كافة.

لقد أكدت زيارة السلطان هيثم بن طارق سلطان عمان، للسعودية، ونتائج المباحثات، تطابق وجهات النظر في عدد من القضايا، ولضرورة متابعة نتائج هذه المباحثات وما اتخذ بشأنها من توجيهات، تم التوقيع على مذكرة تفاهم لتأسيس مجلس تنسيق سعودي - عماني برئاسة وزيري خارجية البلدين، لتعزيز علاقاتهما الثنائية في شتى المجالات، خاصة الاقتصادية منها، وهو ما سيعود بالخير على البلدين.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي