رئيسي إيران في ورطة

رئيسي إيران في ورطة
التحدي الأهم سيكون توزيع الحقائب الوزارية والإدارية في حكومة رئيسي.

يحمل الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي أجندة متخمة بالملفات، لكنه يواجهها بدون مخطط واضح لمعالجة الأزمات المختلفة التي تعانيها البلاد، في وقت تشهد فيه البلاد ضغوطا اقتصادية ناجمة عن العقوبات الأمريكية، إضافة إلى حزمة من الضغوط من الحليفين الصيني والروسي على الصعيد الخارجي خصوصا فيما يتعلق بمحادثات الاتفاق النووي الجديد.
ويعد الوضع الاقتصادي أولوية في جدول أعمال الرئيس الإيراني، حيث سبق أن دخلت إيران في ركود اقتصادي في 2018، عقب انسحاب الولايات المتحدة بشكل أحادي من الاتفاق حول البرنامج النووي الإيراني، وإعادة فرضها عقوبات اقتصادية قاسية على طهران، وزادت من حدة الأزمة تبعات جائحة كوفيد - 19 التي تعد إيران أكثر الدول تأثرا بها في منطقة الشرق الأوسط.
كما تشتد المواجهة والعقبات الداخلية مع المؤسسات الثورية، التي أوصلته إلى كرسي الرئاسة، كما أن على الرجل المفضل للمرشد الأعلى مواجهة ملفات عالقة يصعب التعامل معها، سواء على صعيد الإرث الاقتصادي، الذي تركته حكومة حسن روحاني بفعل العقوبات والمؤثرات الأخرى أو على صعيد العلاقات الخارجية، إضافة إلى الملف الإقليمي المتعلق بالميليشيات الطائفية المحسوبة على طهران وأجنداتها في المنطقة العربية.
لعل أبرز التحديات التي تواجه الرئيس الإيراني الجديد اختيار رجالات نظامه خصوصا وزير خارجيته، حيث ستشهد السياسات الإيرانية الخارجية تغييرا جذريا في الأجهزة الدبلوماسية الإيرانية لمصلحة الحرس الثوري، خصوصا أن نتيجة الانتخابات وطريقة تنفيذها أظهرت أن النظام الإيراني لا يعمل أي قيمة للشعب الإيراني وما يهمه هو الدائرة الأولى المحيطة بالمرشد الأعلى علي خامنئي، وهذا ما يظهر في خيارات الرئيس والأسماء المطروحة لمنصب وزير الخارجية، إذ يظهر خمسة مرشحين هم سعيد جليلي، وعلي باقري كني، ومنوشهر متكي "وزير الخارجية في عهد أحمدي نجاد" وحسين أمير عبداللهيان "معاون وزير الخارجية الإيراني الأسبق"، ومحمد صادق خرازي، وهذه الأسماء تحظى بعلاقة مصاهرة مباشرة بالمرشد الإيراني.
على الصعيد الشعبي والأقل أهمية بالنسبة إلى رئيسي وفريقه الحاكم، ألقت الحكومة القادمة باللائمة في الاحتجاجات العمالية على سياسات حكومة حسن روحاني، وعليها أن تواجه احتجاجات عمالية بمعدل ثلاثة احتجاجات في اليوم، وفق مصادر عمالية إيرانية - بحسب دراسة لمركز الإمارات للسياسات - ومن ضمن أهم القطاعات التي تشهد احتجاجات في الوقت الراهن: القطاع النفطي، وقطاعات المعلمين، والمتقاعدين، وعمال البلديات، ومع توقع استمرار الاحتجاجات ضمن هذه القطاعات، فإن شح المياه سيجعل الساحة مرشحة لاضطرابات على مستوى الفلاحين.
فيما يتعلق بملف أزمة كورونا ستتسلم حكومة رئيسي مهام الجائحة بالتزامن مع الأجواء الباردة، التي تتوقع المصادر الصحية أن تشهد ارتفاعا في عدد الإصابات، كما أنها ستكون بداية الفصل الدراسي الذي تنوي السلطات إعادة الطلبة خلاله إلى المدارس، بعد أن حرم الوباء البلاد من عامين دراسيين على الأقل، وتسير الخطوات على صعيد توفير اللقاح "منها أنباء عن شراء نحو 16 مليون جرعة لقاح من مصادر أجنبية، وعبر إنتاج العقار ضمن مشاريع محلية"، فإن تطبيق هذه الخطوات إلى جانب تطبيق حملة تطعيم واسعة، سيشكل تحديا لحكومة إبراهيم رئيسي، خصوصا أن معدل التطعيم اليومي راوح خلال الفترة السابقة بين 30 و50 ألف جرعة يوميا، وأن التطعيم لم يوفر خدماته لأكثر من 4 في المائة من السكان فقط، وهذه نسبة متواضعة جدا مقارنة بمجهودات الدول المقدمة تجاه شعوبها خلال الجائحة.
ويتعين على حكومة إبراهيم رئيسي أن تضع خطة لمعالجة شبح الإفلاس الذي يخيم على صناديق التقاعد بوصفها مؤسسات اقتصادية تعتمد عليها ملايين العائلات الإيرانية، إذ وصل حجم ديون الحكومة لهذه المؤسسات إلى نحو 500 ألف مليار تومان، التي تشير التجارب إلى أنها لا تجني أرباحا من عشرات الشركات العملاقة التي تديرها، وسيكون عبئا كبيرا على حكومة المحافظين.
وفي السياق ذاته، فإن على حكومة رئيسي أن تضع خطة لمعالجة الأزمة المستشرية في القطاع البنكي، الذي تعول عليه الحكومة في سد عجزها في الموازنة العامة للبلاد، إذ يواجه القطاع البنكي أزمة تحت وطأة الديون المتراكمة، التي دفعت نحو 11 بنكا إيرانيا إلى حافة الإفلاس في ضوء احتمال تعميق الأزمة تحت وطأة سياسات الحكومة في إلزام البنوك بدعم الموازنة العامة عبر شراء السندات المالية، التي توزعها الحكومة والاستناد إلى مصادرها في تسيير برامج الدعم الاقتصادي، الأمر الذي أدى إلى استقرار ديون البنوك على عاتق الحكومة إلى 529 ألف مليار تومان بواقع ارتفاع سنوي عند 27 في المائة في 2020.
ومن الملفات الشائكة التي ستواجه إبراهيم رئيسي وحكومته موضوع فرض الضرائب على مؤسسات اقتصادية كبرى بقيت إلى الآن خارج مظلة الضرائب، وهو موضع خلاف آخر بين الحكومة والمؤسسات السيادية الأخرى، وفي حين إن الضائقة الاقتصادية تدفع الحكومة باتجاه تفعيل مشروع لاستيفاء الضرائب من هذه المؤسسات التي تقع أغلبيتها ضمن دائرة الحرس الثوري ومؤسسة القائد الأعلى، خصوصا أن مشروع الموازنة يستند إلى مزيد من الضرائب، فإن من المتوقع أن تواجه هذه الرغبة الحكومية مقاومة من جانب مراكز المحافظين المهيمنين على تلك المؤسسات.
في حين إن الحكومة ستكون مدفوعة إلى الانخراط في المفاوضات النووية أو الالتزام بأي توافق عن الاتفاق النووي لأسباب عدة، من ضمنها ضغوط الحلفاء عليها وحاجتها إلى إلغاء أجزاء من العقوبات، فمن المرجح نظريا أن تستمر المؤسسات السيادية الأخرى، ومن ضمنها البرلمان، في مسار معاكس يرفض التنازل عن بعض الخطوات السيادية ضمن مساحة من التنافس حول الجهة المخولة بإدارة الملف النووي الإيراني.
التحدي الأهم في الفترة المقبلة سيكون توزيع الحقائب الوزارية والإدارية في حكومة دعمتها التيارات المحافظة بكامل قواها، على الرغم من فاعليته في توحيد الصف المحافظ، فإن من المفترض أن تفتح مسيرة تشكيل الحكومة باب الخلافات داخل مختلف تنظيمات التيار المحافظ، فيما تظهر بوادر الخلافات بين مختلف التنظيمات، التي ظهرت إبان الحملة الانتخابية، ومن خلال خلاف على إدارة الحملة "بين تيار برلماني متمثل في علي نيكزاد، وتيار مقرب من الحرس متمثل في علي رضا أفشار، وتيار ثالث مقرب من التنظيمات التقليدية المحافظة متمثل في منوشهر متكي"، فإن مجمل المواقف الصادرة عن وجوه المحافظين، ومن ضمنهم المرشحون الذين تنازلوا لمصلحة إبراهيم رئيسي، تشير إلى رغبة التيارات في نيل حصتها من الحكومة.
ونتيجة لهذا التنافس الداخلي على نيل حصة من الحكومة شاركت فيه تنظيمات المحافظين التقليدية والتنظيمات الحديثة إلى جانب الحرس الثوري وامتداداته السياسية، ظهرت إلى الآن قوائم مختلفة ترشح أسماء لأهم الحقائب الوزارية وغير الوزارية.

الأكثر قراءة