البلاستيك .. قارة جديدة من صنع الإنسان
لا يعد الحديث عن القارة العائمة أو القارة السابعة ضربا من الخيال أو المبالغة في القول، بل حقيقة واقعية في عالم اليوم. يعود تاريخ اكتشافها إلى 1997، من قبل تشارلز جيه مور عالم البحار الفرنسي، بمساحة تقدر بستة أضعاف مساحة فرنسا، مع إمكانية الاستمرار في التوسع والتمدد مستقبلا، نتيجة إمعان البشرية في استهلاك المواد البلاستيكية التي تعد المكون الأساس لتشكل هذه القارة.
تقع القارة البلاستيكية - الحديثة الظهور على كوكب الأرض، بفعل ما صنعته أيدي البشر، فلا هي صخرية ولا صحراوية - شرق المحيط الهادئ. وتشكل النفايات البلاستيكية نحو 90 في المائة من مساحتها، المرشحة للزيادة في المقبل من الأعوام. تحدث المكتشف عن أن تشكيل القارة كان أساسه قطع البلاستيك، بحجم يراوح بين خمسة مليمترات و50 سنتيمترا.
شكل ظهور البلاستيك على يد ألكسندر باكيس الكيميائي البريطاني 1856 ما يشبه الثورة في مجال الصناعات، نظرا إلى المزايا العديدة التي تتحلى بها منتجات هذه المادة، مقارنة بمنتجات مواد أخرى كالزجاج والخشب والطين. قبل أن ينقلب الابتكار إلى نقمة، بعدما انتشرت هذه المادة في كل مكان، في البر والبحر والجو، مع تميزها بمتانة عالية توفر لها خاصية البقاء لأطول مدة. وهكذا وجدت هذه المادة طريقها إلى السلاسل الغذائية للإنسان، وتغلغلت في الأجسام والأنسجة البشرية، بعد أن تخطت بشكل سريع ومبكر الحيوانات، حتى قيل إنه لا توجد رقعة من كوكب الأرض خالية من البلاستيك.
لم يحل هذا دون الحرص على الإنتاج بل والزيادة المطردة فيه، إذ انتقل تصنيع البلاستيك من 15 مليون طن 1964 إلى أكثر من 310 ملايين طن في 2014. وتخبرنا ورقة بحثية بأن كمية البلاستيك المنتجة منذ الحرب العالمية الثانية إلى اليوم، بلغت نحو خمسة مليارات طن، ومن المتوقع أن تصل إلى 30 مليار طن مع نهاية القرن الحالي. وحاليا، تنتج المصانع على مستوى العالم ما يربو على 380 مليون طن من البلاستيك سنويا، لا يعاد تدوير سوى 16 في المائة فقط من نفاياتها، من أجل إعادة التصنيع، فيما تلقى 40 في المائة منها، وتتعرض 25 في المائة لعملية الحرق، ويتخلص من 19 في المائة في البيئة.
تشير التقديرات إلى أن ما لا يقل عن ثمانية ملايين طن من البلاستيك، ينتهي بها المطاف في المحيطات كل عام. وإذا أخدنا في الحسبان المشكلة الكبرى بالنسبة إلى البلاستيك، المتمثلة في كونه مادة صعبة التحلل، حيث يتطلب تفكك واختفاء بعض أنواعه، نحو أربعة قرون كاملة، نفهم جيدا كيفية تشكل القارة البلاستيكية السابحة في أعماق المحيط.
ونفهم أيضا دواعي تراجع أعداد الأسماك والطيور والثديات البحرية، الذي قدر بمعدل النصف خلال الفترة من 1970 إلى 2010. كما يفسر ذلك تزايد مساحة المناطق البحرية الميتة، أي المناطق الأقل إنتاجية والأكثر فقرا، إذ بلغت نسبة 15 في المائة خلال الفترة من 1998 إلى 2007. ويتوقع في غضون 30 عاما أن تفوق كمية المواد والنفايات البلاستيكية المتسربة للمناطق البحرية كمية المصايد والأسماك المتاحة في بعض المناطق البحرية.
حتى اللحظة لم تتبلور خطوة محكمة متوافق عليها لمنع وتطويق القارة السابعة من التزايد، وذلك عائد إلى بروزها في منطقة تصنف ضمن نطاق المياه الدولية، ما يجعل الدول غير مبالية بالمسألة على اعتبار أنها بعيدة عن إقليمها. وهذه خطيئة من شأن الإصرار عليها أن يقود إلى نتائج كارثية ليس لهذه الدول المجاورة للقارة فقط، بل لكوكب الأرض برمته.
يبقى الباب مفتوحتا إلى الآن لمبادرات، على غرار تلك التي أطلقت 2018، ضمن مشروع "أوشن كلين آب" الذي تتولى تنفيذه شركة هولندية، وتهدف إلى تطوير نظام يضم نحو 30 حاجزا عائما، طول كل منها ما بين كيلو متر وكيلو مترين، بين هاواي وكاليفورنيا. هذه الحواجز تعمل على منع النفايات، من خلال ربطها بمرسى عائم بطول 12 مترا، ويتوقع بحسب القائمين على المشروع أن تساعد على تنظيف نحو نصف شمال المحيط الهادئ خلال خمسة أعوام.
قد تساعد المبادرة على تنظيف رقع جغرافية معينة، لكنها قطعا لن تفيد في التصدي للقطع الصغيرة التي تعد أساس تركيب القارة السابعة، ما يعني أن الوضع بحاجة إلى البحث عن حلول أخرى للتغلب على مشكلة المواد البلاستيكية المتناهية الدقة العائمة في المحيطات، قبل فوات الأوان.