على أبواب بولندا .. أزمة لاجئين جديدة في أوروبا

على أبواب بولندا .. أزمة لاجئين جديدة في أوروبا
عمليات "صد المهاجرين" تتعارض مع اتفاقية جنيف.

أدت الأزمة الإنسانية في أفغانستان بالفعل إلى تعميق الصراعات في مناطق أخرى، بما في ذلك أوروبا، حيث تتصاعد المواجهة بين بيلاروسيا وجيرانها في الاتحاد الأوروبي، بولندا وليتوانيا ولاتفيا.
حتى قبل انهيار كابول، كان الرئيس البيلاروسي ألكسندر لوكاشينكو يقوم بتهريب اللاجئين والمهاجرين عبر الحدود، من أجل الانتقام من جزاءات الاتحاد الأوروبي على ديكتاتوريته، ولتحقيق بعض الإيرادات الإضافية.
وقد نظمت السلطات البيلاروسية رحلات جوية من مدن عراقية وتركية. بعد إلزام المسافرين بدفع عدة آلاف من الدولارات ووعدهم بوصول آمن وسلس إلى أوروبا الغربية، قامت بإلقاء حمولتها البشرية على الحدود البولندية أو الليتوانية أو اللاتفية. بحسب سواومير سيراكوفسكي، هو مدير معهد الدراسات المتقدمة في وارسو وزميل أول في المجلس الألماني للعلاقات الخارجية.
ومنذ بداية العام، وصل أكثر من أربعة آلاف لاجئ إلى ليتوانيا - بزيادة قدرها 50 ضعفا عن 2020 - ما تسبب في زعزعة استقرار المجتمعات المحلية وتشويش الرأي العام على الصعيد المحلي. وفي مواجهة هذا التدفق غير المسبوق للمهاجرين، أعلنت ليتوانيا ولاتفيا حالة الطوارئ. واليوم، تنضم إليهما بولندا، حيث كانت هناك بالفعل عدة مئات من المحاولات لنقل اللاجئين عبر الحدود. يتم أسر اللاجئين المرتبكين والضائعين والجائعين في المدن الحدودية وإعادتهم قسرا إلى الجانب البيلاروسي. على الرغم من أن عمليات "صد المهاجرين" هذه تتعارض مع اتفاقية جنيف، إلا أن دول الاتحاد الأوروبي تعتمد بشكل متزايد على هذه الممارسة.
تتجاهل بولندا علانية حق جميع اللاجئين في التقدم بطلب للحصول على الحماية الدولية، وبدلا من وضعهم في مراكز مخصصة والتحقيق في طلباتهم، تقوم السلطات البولندية بطردهم في أسرع وقت ممكن، ونتيجة لذلك، تتزايد المخيمات في المنطقة الحدودية.
وخلال الأسبوعين الماضيين، تم توجيه انتباه البلاد إلى مجموعة تتكون من 32 مهاجرا من أفغانستان أعيدوا إلى الحدود البولندية البيلاروسية، يقوم رجال ونساء وأطفال منهكون بالتجول في المنطقة الحدودية، محاصرين من قبل حرس الحدود وعناصر الجيش ورجال الشرطة من كلتا الدولتين، فهم ينامون على الأرض، بينما لا يسمح للمحامين والصحافيين ونواب المعارضة وحتى الأطباء بالتواصل معهم، لم توفر لهم السلطات البولندية الطعام، لذلك يعيش اللاجئون على الخبز من البيلاروسيين والمياه من مجرى النهر، وبسبب الافتقار إلى النظافة أو الدواء، يصاب مزيد من هؤلاء اللاجئين بعديد من الأمراض.
من ناحية أخرى، قام ياروسلاف كاتشينسكي الزعيم الفعلي لبولندا ورئيس حزب القانون والعدالة باستغلال الوضع لأغراضه الدعائية الخاصة، على أمل أن يكون لمعارضة قبول اللاجئين تأثير محفز مماثل لمؤيديه كما حدث في 2015. يشعر حزب القانون والعدالة اليوم بيأس متزايد بعد تراجع دعمه إلى 30 في المائة، وهو مستوى لم يعد يضمن فوزا انتخابيا.
تسعى الحكومة البولندية إلى إيجاد حالة من الخوف حتى تكون بمنزلة حامية لمجتمع يفترض أنه معرض للخطر، وقد أرسلت السلطات على الفور مروحيات وألف جندي مسلحين ببنادق آلية لمواجهة مجموعة من الأشخاص العزل اليائسين. يجري الآن نصب سياج عال من الأسلاك الشائكة على طول الحدود مع بيلاروسيا، حيث قام رئيس الوزراء ووزراء الحكومة بزيارات وهم يرتدون الزي العسكري، واعدين بإنقاذ البولنديين "من موجة جديدة من اللاجئين".
وفي الـ25 من آب (أغسطس)، أمرت المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان بولندا بتزويد اللاجئين على الحدود بالماء والغذاء والملابس والرعاية الطبية، والمأوى المؤقت إذا أمكن. لكن الحكومة البولندية تدعي أنها تتعامل مع مهاجرين غير شرعيين لا يمكن مساعدتهم على أي حال، لأنهم على الجانب البيلاروسي من الحدود "وهو ادعاء كاذب". ولإيجاد ذريعة، أرسلت شاحنة محملة بالأغذية والأدوية إلى معبر حدودي بعيد عن المكان الذي يخيم فيه الأفغان. وكما كان متوقعا، رفضت بيلاروسيا دخول الشاحنة.
لا شيء من هذا يعد منطقيا، لأن جميع الأطراف منخرطة في أكثر أنواع السياسة سخرية، ترفض بيلاروسيا السماح بوصول المساعدات إلى اللاجئين بينما تتباهى في الوقت نفسه بمساعدتها في إجلاء الأفغان من كابول، وعلى نحو مماثل، ترفض بولندا دخول اللاجئين الأفغان بينما تقبل في الوقت نفسه آلاف البيلاروسيين الفارين من دكتاتورية لوكاشينكو.
لقد أثار سلوك الحكومة البولندية انتقادات شديدة من وسائل الإعلام الليبرالية والمنظمات غير الحكومية والمعارضة، لكن استجابة دونالد تاسك رئيس الوزراء البولندي السابق ورئيس المجلس الأوروبي الذي عاد إلى ممارسة السياسة الداخلية هذا الصيف، كانت ضعيفة بشكل ملحوظ. وعلى الرغم من انتقاد توسك الحكومة لرفضها تقديم أبسط المساعدات الأساسية للاجئين، إلا أنه يشدد أيضا على ضرورة تطبيق الرقابة الصارمة على الحدود.
يعلم تاسك جيدا أن البولنديين العاديين غير متعاطفين مع اللاجئين بقدر تعاطف وسائل الإعلام الليبرالية والمنظمات غير الحكومية. وهذا ما تؤكده دراسة أجراها معهد البحوث السوقية والاجتماعية التي أظهرت أن أغلبية البولنديين "بنسبة 54 في المائة" يعارضون دخول المهاجرين واللاجئين، في حين يؤيد 38 في المائة فقط من الذين شملهم الاستطلاع فتح الحدود أمامهم. عندما سئلوا عما إذا كان ينبغي إقامة جدار على الحدود بين بولندا وبيلاروسيا، أجاب 47 في المائة من الأشخاص الذين شملهم الاستطلاع بـ"نعم"، بينما عارض 43 في المائة هذا الإجراء.
وقد تم تنفيذ استجابة الحكومة البولندية بعناية لتحقيق أقصى تأثير دعائي. لو كانت السلطات البولندية قلقة حقا بشأن اللاجئين المقيمين في مخيمات على الحدود "وغيرهم ممن قد يرسلهم لوكاشينكو"، لكانوا قد أقاموا بالفعل سياجا منذ شهر أو شهرين. إن الجميع مطلع على الوضع المماثل على الحدود الليتوانية البيلاروسية منذ فترة طويلة. لا يمكن أن تكون عملية دعاية منسقة من قبل الحكومتين البولندية والبيلاروسية أكثر فاعلية.

الأكثر قراءة