تباطؤ النمو وارتفاع التضخم والعودة إلى السبعينيات «2 من 2»
خلال سبعينيات القرن الماضي، كانت قلة من الدول لديها بنوك مركزية مستقلة، وفي حالة الولايات المتحدة، لم يتصرف البنك المركزي على أنه مستقل، ما أدى إلى تغذية التضخم مع التوسع النقدي الهائل. لكن اليوم، أصبحت البنوك المركزية المستقلة نسبيا هي القاعدة في قسم كبير من العالم. صحيح أيضا أن أسعار الفائدة الحقيقية شديدة الانخفاض اليوم تزود حكومات الدول الغنية بحيز أكبر كثيرا للتعامل مع العجز مقارنة بما كان لديها في السبعينيات.
من ناحية أخرى، أصبحت التحديات المرتبطة بإعالة السكان المسنين أشد صعوبة خلال العقود الخمسة الأخيرة "على الأقل في الاقتصادات المتقدمة والصين". وربما يمكننا أن نقول: إن خطط معاشات التقاعد العامة التي تفتقر إلى التمويل الكافي تشكل تهديدا أكبر كثيرا من الناحية الكمية لملاءة الميزانية الحكومية المالية مقارنة بالديون. في الوقت ذاته، انفجرت الضغوط الاجتماعية التي تطالب بزيادة الإنفاق الحكومي والتحويلات في مختلف أنحاء العالم، حيث أصبحت فجوات التفاوت أكثر اتساعا وأشد بروزا من الناحية السياسية في عديد من الدول، ما أضر بالنمو. ويكاد يكون من المؤكد أن التصدي لتغير المناخ وغير ذلك من التهديدات البيئية سيفرض ضغوطا إضافية على الميزانيات ويبطئ النمو.
ستتسبب الديون الحكومية المتزايدة بشكل حاد حتما في جعل رفع أسعار الفائدة الاسمية من قبل البنوك المركزية مهمة أشد إيلاما إذا بدأت أسعار الفائدة الحقيقية العالمية تتجه نحو الارتفاع. تعد الديون المرتفعة بالفعل سببا من الأسباب وراء تردد بعض البنوك المركزية اليوم في رفع أسعار الفائدة عندما يحدث التطبيع بعد الجائحة. ولعل الدين الخاص، الذي ارتفع أيضا خلال الجائحة، يمثل مشكلة أكبر. ذلك أن حالات التخلف عن السداد واسعة الانتشار في القطاع الخاص من شأنها أن تخلف تأثيرا ماليا ضخما من خلال انخفاض الحصيلة الضريبية وارتفاع تكاليف شبكة الأمان الاجتماعي.
قبل أن نستسلم للتشاؤم، لنتذكر أن السبعينيات تلتها الثمانينيات والتسعينيات، وانتعاش كبير في نمو الاقتصادات المتقدمة، حتى إن لم يكن ذلك شاملا بقدر ما قد يرغب صناع السياسات. ثم مرة أخرى، لا يزال الطريق طويلا إلى ثلاثينيات القرن الحالي.
من المؤكد أن التحديات الاقتصادية اليوم قابلة للحل، ولا يوجد سبب يجعل ارتفاع التضخم أمرا حتميا. الواقع: إن كبار المسؤولين في البنوك المركزية اليوم، مثل جاي باول؛ رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي، وكريستين لاجارد؛ رئيسة البنك المركزي الأوروبي، مختلفون تماما عن آرثر بيرنز؛ رئيس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي المطواع في السبعينيات. فكل منهما يحظى بدعم فريق عمل رائع. مع ذلك، لا تزال البنوك المركزية تواجه ضغوطا مستمرة، ومن الصعب أن تقف بمفردها إلى ما لا نهاية، خاصة إذا أصبح الساسة ضعفاء ويائسين.
كانت هزيمة أمريكا المهينة في أفغانستان خطوة كبيرة نحو إعادة صنع العاصفة المثالية التي أدت إلى تباطؤ النمو وارتفاع التضخم بشكل هائل في سبعينيات القرن الـ 20. قبل بضعة أسابيع، بدا قليل من التضخم مشكلة يمكن التعامل معها. والآن أصبحت المخاطر والرهانات أعلى.
خاص بـ «الاقتصادية»
بروجيكت سنديكيت، 2021.