المناورات الحربية .. سلمية قد تشعل الصراع

المناورات الحربية .. سلمية قد تشعل الصراع
تمكن زيادة القدرة على التنبؤ والثقة المتبادلة من خلال تدابير ضبط النفس والشفافية الطوعية.
المناورات الحربية .. سلمية قد تشعل الصراع
التدريبات جزء من جهد سنوي روتيني.

منذ الصراع الذي اندلع في أوكرانيا 2014، أصبحت وجهات النظر العالمية المتضاربة متأصلة بعمق بين صناع القرار في حلف شمال الأطلسي وفي روسيا، وأصبح الشعور بانعدام الثقة هو العقلية الافتراضية. ونشهد نوعا جديدا من المواجهة ستترتب عليها مخاطر عسكرية. ونظرا إلى اقترابنا من "موسم آخر من التدريبات الخريفية"، التي تتزامن مع الأحداث الرئيسة مثل "زاباد-2021 التابع لروسيا، ورامستين ألوي والمحارب المشترك التابعين لحلف الناتو" هناك حاجة ملحة إلى التخفيف من خطر أن تصبح التمارين التدريبية نقطة اشتعال للصراع.
وبحسب التقرير المشترك بين ديمتري ترينين، مدير مركز كارنيجي في موسكو، هو مؤلف كتاب روسيا أخيرا "بوليتي، 2019"، وفيجوداس أوشاكاس هو وزير خارجية ليتوانيا سابقا، وجراهام ستايسي ضابط كبير متقاعد في القوات الجوية الملكية، زميل استشاري أول في شبكة القيادة الأوروبية. فإنه من المؤكد أن التنافس بين القوى العظمى مع مكون عسكري قوي ليس بالأمر الجديد، فقد كان في الماضي العامل الأساسي والحاسم في تشكيل الخريطة السياسية والنظام الدولي وإعادة تشكيلهما، واليوم، تعد المنافسات العسكرية واحدة من قوى عديدة تحفز الجغرافيا السياسية، وتعمل جنبا إلى جنب مع التنمية الاقتصادية والبراعة التكنولوجية. لكن عندما يتعلق الأمر بالتحفيز، فمن المتوقع أن تطلع الديناميكية العسكرية بدور حاسم، يتمثل إما في الردع أو الإكراه، وهذا هو السبب في كون جميع القوى الكبرى - الولايات المتحدة، وحلفائها في الناتو، والصين، وروسيا - تجري تدريبات عسكرية في كثير من الأحيان وعلى نطاق أوسع من أي وقت مضى.
ومن المرجح أن يستمر هذا الاتجاه في داخل أوروبا وما حولها، وكما يوضح الموقع الإلكتروني للناتو، تسمح التدريبات العسكرية باختبار "المفاهيم والإجراءات والأنظمة والأساليب" والتحقق من صحتها بهدف استخدامها في ساحة حرب حقيقية، كما أن حلف الناتو منفتح أيضا بشأن حقيقة أنه كثف برنامج التدريبات الخاص به لمراعاة "البيئة الأمنية المتغيرة"، كذلك، أشار دميتري بيسكوف المتحدث باسم الكرملين، إلى أن التدريبات جزء من جهد سنوي روتيني "لتطوير القوات المسلحة الروسية"، في حين إن مناورات "فوستوك" الروسية لـ2018 كانت أكبر من أي مناورات عسكرية في الحقبة السوفياتية.
ولا أحد يجادل في الحق في الدفاع عن النفس، أو الحق الذي يقابله في تدريب القوات لتكون فاعلة في نزاع مسلح. وسيكون من السذاجة الاعتقاد أن النداءات البسيطة للمسؤولين في بكين، وبروكسل، وموسكو، وواشنطن، ستكون كافية لإقناع الدول الأطراف بتقليص تدريباتها. ومع ذلك، من المنطقي أن تتصرف جميعها بطريقة لا تستفز الآخرين، أو تؤدي إلى تصورات وحسابات خاطئة تؤدي إلى نتائج يحتمل أن تكون كارثية.
وعلى عكس الحرب الباردة، من غير المحتمل أن يتخذ صراع واسع النطاق في أوروبا شكل هجوم مفاجئ ضخم، ومع ذلك، يمكن أن ينشأ عن تصعيد النزاعات المسلحة الإقليمية، أو المحلية، أو الحوادث التي تشارك فيها القوات العسكرية. ومن السهل جدا أن تؤدي التدريبات العسكرية إلى مثل هذه الاشتباكات عن غير قصد. لذلك ينبغي لزعماء العالم أن يتصدوا بصورة عاجلة لما تشكله مثل هذه التدريبات من تهديد للأمن الإقليمي والعالمي.
وتعد حادثة إطلاق النار الأخيرة بين HMS Defender "إتش إم إس ديفانسر" وهي سفينة تابعة للبحرية الملكية البريطانية، والقوات الروسية في البحر الأسود قبالة شبه جزيرة القرم مثالا حيا على مدى سرعة خروج الموقف عن السيطرة، والطيارون الروس الذين يحلقون بخطورة بالقرب من طائرات الناتو القريبة من الحدود الروسية مثال آخر على ذلك، وحتى الآن، تم تجنب الاتصال الحركي، لكن لا تنبغي المخاطرة بما حقق حتى الآن.
وفي الواقع، أصبح التخفيف من المخاطر أكثر صعوبة مع ظهور الذكاء الاصطناعي، والأخبار المزيفة، وحملات التضليل، والحرب الإلكترونية، إذ أدت كل هذه التقنيات والأساليب إلى زيادة ضبابية الحرب، ما زاد من احتمال وقوع خطأ في التقدير أو وقوع حادث خطير.
ولحسن الحظ، هناك أدوات يمكن استخدامها على الفور للتقليل من هذه المخاطر، فعديد من تدابير بناء الثقة التي وضعت في نهاية الحرب الباردة، وفي أعقابها مباشرة لا تزال سارية جزئيا، حتى بعد زوال معاهدة القوات المسلحة التقليدية في أوروبا، ومعاهدة الأجواء المفتوحة، ويجب استخدام هذه الأدوات بصورة كاملة، وعلى الرغم من فشل مجلس الناتو وروسيا حتى الآن في أن يصبح وسيلة للشراكة، يمكنه أن يقوم بدور آلية اتصال لمنع الحوادث العسكرية الخطرة أو تصعيدها.
وإضافة إلى مجلس الناتو وروسيا، يجب أن تكون هناك اتصالات مباشرة وموضوعية واجتماعات عرضية وجها لوجه بين القائد الأعلى لحلف شمال الأطلسي في أوروبا وبين رئيس الأركان العامة الروسي، إلى جانب كبار القادة العسكريين الآخرين والخبراء من كلا الجانبين، وستزيد المناقشات المنتظمة من الثقة بكون الأنشطة العسكرية من قبل أي من الطرفين لا ترقى إلى مستوى هجوم وشيك، ويمكن للأدوات نفسها أن تسهل التحرك نحو التهدئة الفورية في حال حدوث سوء تفاهم، وتجب إعادة إحياء الأدوات الموجودة الأخرى وتحديثها، بدءا من وثيقة فيينا لـ2011 بشأن تدابير بناء الثقة والأمن.
وتمكن زيادة القدرة على التنبؤ والثقة المتبادلة من خلال تدابير ضبط النفس والشفافية الطوعية، مثل تبادل المعلومات بشأن حجم القوات العسكرية ونطاقها في المناطق المجاورة. وليس من الضروري أن تخص أدوات الحد من المخاطر السياقات العسكرية والأمنية، ويجب على جميع الدول المعنية، الموقعة حاليا على اتفاقية الطيران المدني الدولي، مراعاة المبادئ المحددة بالفعل للعمل داخل المجال الجوي الدولي دون إعاقة الحقوق، والحريات، والاستخدام القانوني من قبل الآخرين.
ولن تحول هذه الإجراءات العلاقات العدائية إلى علاقات ودية، لكنها على الأقل ستضمن وجود فرق إطفاء سياسية جاهزة لإطفاء الحرائق المحلية، قبل أن تشعل النار في أوروبا.

الأكثر قراءة