السلفادور وحماقة بيتكوين «2 من 2»

حتى لو تقبلنا الدور الذي تضطلع به واحدة أو اثنتان من العملات الرقمية المشفرة، فإن عدد العملات الرقمية المشفرة التي أنشئت بالفعل ضخم إلى حد مربك: من ستة آلاف إلى 11 ألفا "أو ما قد يصل إلى 70 ألف عملة رقمية". الواقع أن التصور الأساسي للفائدة المستمدة من النقود هو أن الناس يختارون استخدام العملة ذاتها التي يستخدمها الآخرون، ما يقلل بالتالي من تكاليف المعاملات. فهم لا يستطيعون تقييم وتتبع الجدارة الائتمانية لعشرات من جهات الإصدار. إن النقود ضرب من ضروب الاحتكار الطبيعي، لهذا السبب تولت الحكومة منذ زمن بعيد المسؤولية عن توفيرها.
في منتصف القرن الـ 19 في الولايات المتحدة، على سبيل المثال، أصدرت البنوك الخاصة وغيرها من المؤسسات ما يقدر بنحو ثمانية آلاف من العملات الخاصة المتنافسة. وكما أشار لايل برنارد محافظ بنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي، فإن تلك الفترة "تعرف الآن بأنها كانت مشهورة بالافتقار إلى الكفاءة، والاحتيال، وانعدام الاستقرار في نظام المدفوعات". هذا هو السبب الأساسي وراء إنشاء البنوك المركزية.
الواقع أن المنطق الذي يعمل ضد عدد كبير من العملات على المستوى الوطني ينطبق أيضا على المستوى الدولي. وهذا أحد الأسباب وراء بقاء الدولار كعملة عالمية رائدة بفارق كبير عن غيرها من العملات. لا يتسع العالم لـ 11 عملة، فما بالك بنحو 11 ألف عملة.
إذا كان العجز المالي وعجز الحساب الجاري المزمن في الولايات المتحدة أدى إلى اتجاه هابط قوي طويل الأجل في قيمة الدولار، فربما يتخيل المرء الناس وهم يتحولون بعيدا عن الدولار ويبحثون عن بدائل. لكن هذا لم يحدث، خاصة ليس خلال الفترة التي ظهرت فيها العملات الرقمية المشفرة. وكان التضخم في الولايات المتحدة منخفضا بشكل ملحوظ هذه المرة "وإن كان في الآونة الأخيرة قد شهد ارتفاعا بالتزامن مع التعافي الاقتصادي".
يزعم بعض المراقبين، ومنهم بقيلة، أن العملات الرقمية المشفرة ستعزز الشمول المالي من خلال منح الأشخاص غير المتعاملين مع البنوك القدرة على الوصول إلى الخدمات المالية وخفض تكاليف المعاملات للمدفوعات الصغيرة عبر الحدود مثل تحويلات المهاجرين. تعد تحويلات المهاجرين مهمة بشكل خاص للسلفادور، حيث بلغت في المتوسط نحو 20 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي السنوي على مدار العقدين الأخيرين.
لكن من غير المرجح أن تكون عملة بيتكوين هي الحل. تبدو وسائل أخرى لخفض تكاليف مثل هذه المعاملات أكثر تبشيرا. والاحتفاظ بمثل هذه الأصول غير المستقرة أو التعامل بها فكرة سيئة بشكل خاص للناس من ذوي الدخول المنخفضة، الذين لا يمكنهم تحمل تقلبات في الأسعار قد تصل إلى 30 في المائة في يوم واحد. تضاعف سعر عملة بيتكوين أربع مرات خلال العام الماضي، وهذا جزء من جاذبيتها. لكن كل ما يرتفع قد ينخفض أيضا.
يتمثل عيب آخر في حقيقة مفادها من استخدام العملة المشفرة أنه حتى المخضرمين المطلعين رقميا عرضة لخطر نسيان كلمات المرور وخسارة ما يملكون من عملة بيتكوين. ونصف سكان السلفادور على الأقل لا يمكنهم الوصول إلى الإنترنت في المقام الأول.
إن عديدا من جوانب العملات الرقمية المشفرة محيرة، خاصة نجاح مزحة مثل العملة المسماة Dogecoin. لكن اعتماد السلفادور عملة بيتكوين كعملة رسمية قانونية ربما يكون المثال الأكثر غرابة وإثارة للقلق والانزعاج على الإطلاق.
خاص بـ "الاقتصادية"
بروجيكت سنديكيت، 2021.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي