معركة الباسفيك .. هل تغادر فرنسا نادي الكبار؟

معركة الباسفيك .. هل تغادر فرنسا نادي الكبار؟
تعمل باريس على التحرك بعيدا عن الغطاء الأمريكي.
معركة الباسفيك .. هل تغادر فرنسا نادي الكبار؟

لا تزال تداعيات التحالف الغربي الثلاثي ضد باريس متواصلة، بانكشاف الحقائق، التي تفيد بأن دواعي القرار الأسترالي تتجاوز المبررات التقنية، فقد أكدت فرنسا أنها عرضت، في وقت سابق، على أستراليا تحويل الصفقة من غواصات تقليدية إلى غواصات تشتغل بالطاقة النووية. وعمد في المقابل إلى التقليل من وزن فرنسا، بتجاهل الموضوع في اللقاء المطول بين الرئيسين الفرنسي والأمريكي، على هامش قمة السبع الكبرى، في كورنول، جنوب غرب بريطانيا. وخلال زيارة سكوت موريسون، رئيس الوزراء الأسترالي، إلى باريس، ومناقشة الوضع في منطقة المحيطين، الهندي والهادئ، دون أي تصريح أو تلميح لإنشاء التحالف أو إلغاء الصفقة.
بذلك، تتجاوز خسارة باريس حدود التجارة والعلاقات الدبلوماسية بين الحلفاء، نحو تداعيات استراتيجية على المصالح الفرنسية في منطقة الإندو - باسيفيك، التي تمتد من إطلالة الأمريكيتين شرقا حتى حدود المحيط الهندي، بالقرب من بحر العرب وسواحل شرق القارة الإفريقية غربا، ومن الحدود البحرية للهند ودول جنوب آسيا وشرقها حتى السواحل الأسترالية جنوبا.
تضم المنطقة مجموعة وأقاليم ما وراء البحار الفرنسية، كجزر مايوت وريونيون والأراضي الفرنسية الجنوبية والقطبية الجنوبية وكاليدونيا الجديدة وإليس وفوتونا وبولينيزيا الفرنسية وكليبرتون، ويقطنها نحو 1.65 مليون فرنسي، وتعد نقطة ارتكاز نحو 93 في المائة من المنطقة الاقتصادية الفرنسية، وأكثر من سبعة آلاف شركة، إضافة إلى 8300 جندي فرنسي.
أهمية المنطقة بالنسبة إلى باريس، لم تمكنها من ضمان موقع بين القوى الكبرى، في الصراع الجيوسياسي والتنافس الاستراتيجي على هذه الرقعة، بين الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها الآسيويين، والصين ومن يدعم توسيع نفوذها الاقتصادي والعسكري في المنطقة.
أفرز التنافس بين واشنطن وبكين على منطقة الباسفيك، الذي تعود بداياته إلى حقبة الرئيس باراك أوباما، أرخبيلا من الائتلافات والأحلاف بين المتصارعين مع دول المنطقة. فإلى جانب التحالف الأمني "أوكس" حديث النشأة بين أمريكا وبريطانيا وأستراليا، هناك المجموعة الرباعية "كواد"، اليابان والهند وأستراليا والولايات المتحدة، أسسها دونالد ترمب كرد على تعاظم قوة الصين في المنطقة. فضلا عن تفعيل اتفاقية التعاون والتنسيق الاستخباراتي "يوكيوسا"، التي يعود تاريخها إلى 1946 مع كل من المملكة المتحدة وأستراليا وكندا ونيوزيلندا، وذلك قصد محاصرة الصين واحتواء تحركاتها ولجم طموحاتها الجيوسياسية.
من جهتها، تحاول الصين اختراق هذه الائتلافات، باستمالة دول من المحور الغربي لصفها، بانضمامها إلى منظمات مثل "منظمة شانغهاي للتعاون"، التي تضم كلا من كازاخستان وقرغيزستان وروسيا وطاجيكستان وأوزباكستان وباكستان والهند. وكذلك الأمر في منظمة CRIPTAQ المكونة من سبع دول، هي: الصين وروسيا وإيران وباكستان وتركيا وأفغانستان وقطر. ولم يكن من قبيل المصادفة، أن يتزامن إعلان معاهدة "أوكس" مع انعقاد مؤتمر شانغهاي، بحضور إيران، بعد قبول عضويتها فيه بدعم من كل من روسيا والصين. وقد بعث الرئيس الصيني رسالة، لمن يهمه الأمر، خلال اجتماع القمة، بقوله، "يجب ألا نسمح للقوى الخارجية بأن تتدخل في شؤوننا أو تؤثر في وحدة كلمتنا".
يظهر أن واشنطن تختار حلفاءها الجدد بعناية، فلا وجود للاتحاد الأوروبي، وتحديدا فرنسا رغم مركزية المنطقة بالنسبة إليها، في استراتيجيتها الخاصة بمنطقة الإندو - باسيفيك. يمكن تفسير انقلاب الموقف الأمريكي من حلفائها القدامى بما يلي:
أولا، التباين الواضح في مواقف واشنطن وبروكسل حول الصين، فالاتحاد الأوروبي يرى في بكين شريكا اقتصاديا واستراتيجيا، تسعى إلى التعاون معه بقوة. وقاومت ألمانيا، بشدة أخيرا، المحاولات الأمريكية لتقييد شركة الاتصالات الصينية، من تطوير شبكة الجيل الخامس، في استمرار لسياسة أوروبية تقليدية، تزاوج بين ضمان الحماية الأمريكية، والسعي وراء الصفقات التجارية والاستثمارات الكبيرة، ولو كان ذلك على حساب واشنطن.
ثانيا، تعمل باريس على التحرك بعيدا عن الغطاء الأمريكي، ففي منطقة الباسفيك قامت بنسج تحالف ثلاثي مع الهند وأستراليا، دون التشاور مع واشنطن. وتحاول التقرب من طهران، بالاعتراض على العقوبات الأمريكية عليها. كما رفضت وضع حزب الله على قائمة الإرهاب، وذهبت إلى التنسيق معه في الأزمة اللبنانية، وهي تدرك أن الحزب جزء أصيل من المشكلة اللبنانية.
ثالثا، تسعى باريس جاهدة إلى إخراج الاتحاد الأوروبي من الحماية الأمريكية، بدعواتها المتكررة إلى تشكيل قوة عسكرية مستقلة وقادرة على الدفاع عن المصالح الأوروبية، فطالما انتقد الرئيس إيمانويل ماكرون حلف الناتو، ودعا إلى وضع أوروبا في قلب المعادلة الدولية في نظام دولي متعدد الأقطاب.
على هذا الأساس، يكون مدى قدرة البلد على الاصطفاف إلى جانب واشنطن، في أي مواجهة لوقف تمدد التنين الصيني في منطقة الباسفيك. وبدت المملكة المتحدة، بقيادة بوريس جونسون الذي يبحث عن مجد، يضفي به شرعية على استراتيجية "بريطانيا العالمية"، ويخفف به من وطأة مغادرة الاتحاد الأوروبي، الأنسب لهذا الأمر. إلى جانب أستراليا، بقيادة يمينية تستغل التشنج الحاصل في علاقات البلد بالصين أخيرا، لتعزيز قدرات أستراليا الدفاعية، والاستناد إلى قوة التحالف لاحتواء توسع الصين في هذه المنطقة.
تتجه فرنسا إلى خسارة نفوذها في منطقة استراتيجية مهمة، أضحت محور صراع بين قوتين عالميتين متنافستين، معززتين بتحالفات استراتيجية (أمريكا/ الصين). ما يجعلها أمام امتحان جيوسياسي صعب للغاية، إذ صارت تبتعد تدريجيا عن دائرة الدول الكبرى، ما يقلص حظوظ التنافس على حصة من كعكة المنطقة، الغنية بأسواقها الضخمة ومواردها الطبيعية الكبيرة. بذلك يكون رهانها الوحيد هو تعزيز الوحدة الأوروبية سياسيا وعسكريا، مستثمرة خروج بريطانيا وافتقاد ألمانيا للقيادة، قصد ضمان البقاء مع الكبار.
###---###
#Kicker
بينما يظل رهانها الوحيد هو تعزيز الوحدة الأوروبية

الأكثر قراءة