طاقة الشمس والرياح .. المفتاح السحري لمعضلة البيئة
كلما أمعنت الطبيعة في تحذير الإنسان من مخاطر تدميرها، سارع إلى التفكير في حلول تقيه من ويلات الغضب، وتضمن الاستمرارية في مدارج الرفاهية والتقدم. فتعددت الإجابات، واختلفت درجة الاهتمام والعناية بها، بحسب ما تفرزه نتائج البحث المستمرة بشأنها. لكنها تجمع على الاستدامة وصداقة البيئة خيارا لا محيد عنه، لبقاء واستمرارية الحياة، بشكلها الطبيعي على كوكب الأرض.
يعد الهيدروجين الأخضر أحد الحلول المبتكرة في مجال الطاقة، ويرجح أن يصبح وقود المستقبل، لكونه الحل الأمثل لتقليل أثر التلوث الصناعي الذي يهدد العيش على الكوكب الأزرق. وذلك لسيادة اعتقاد يفيد بأن الهيدروجين الأخضر هو الوقود الوحيد في العالم الذي لا يحتوي على أي نسبة من الكربون. ما دفع دولا كبرى إلى أخذ الوافد الجديد في مجال الطاقة، بعين الاعتبار عند العمل على إعادة بناء أساسها الصناعي.
تاريخيا، عرف العالم الهيدروجين المصنع منذ القرن الـ16، واستخدم وقودا بديلا في القرن الـ19. غير أن تكلفته الإنتاجية الباهظة، بسبب ضعف وتيرة البحث العلمي بشأنه، بعدما شاع أن نسب تلويثه تقترب من الوقود العادي، وخاصة أن عملية الإنتاج تتم بأسلوب تقليدي، بتعريض الوقود الأحفوري للبخار، ما ينتج الهيدروجين الرمادي، وفي حال عزل ثاني أكسيد الكربون عنه، يعرف بالهيدروجين الأزرق.
يسارع الخبراء في مجال الطاقة لتطوير أسلوب يتيح إنتاج الهيدروجين دون أي انبعاثات، مستغلين وفرة الهيدروجين في الكون. يبقى الهيدروجين الأخضر أكثر الأنواع حماية للبيئة، لأنه وقود خال من الكربون، لأنه يعتمد على تقنية التحليل الكهربائي للمياه، ما يقضي على فرص انبعاث غاز ثاني أكسيد الكوبون. وتتم العملية بإطلاق تيار كهربائي يفصل الهيدروجين عن الأوكسجين في الماء. يؤدي ذلك إلى إنتاج الأوكسجين، المكون الثاني للماء، الذي يطلق في الهواء، ما يشكل عاملا إيجابيا للغلاف الجوي.
تتوالى الأبحاث المؤكدة لمركزية الهيدروجين الأخضر، ضمن سيناريوهات الطاقة العالمية، فالتوقعات تذهب إلى قدرته على تغطية 20 إلى 25 في المائة من الطلب العالمي على الطاقة، بحلول منتصف القرن الحالي. وبدأ الحديث عن بناء «اقتصاد الهيدروجين»، الذي سيلعب دورا حاسما في تشكيل أسواق الطاقة مستقبلا. فالأرقام تتحدث عن عائدات مباشرة بقيمة 2.5 تريليون دولار، و11 تريليون دولار في البنية التحتية المرتبطة به، مع توقع تضاعف إنتاجه ست مرات.
ما دفع بعديد من الدول إلى التموقع ضمن أحد الفريقين، دول تؤسس لاقتصاد يعتمد على الهيدروجين الأخضر مصدرا للطاقة، ودول أخرى ترغب في التحول إلى مركز استراتيجي لإنتاج وتصدير الوقود الجديد للعالم. تبقى وفرة مصادر الطاقة المتجددة (الشمس، الرياح...) بهذه الدول، على مدار العالم محددا رئيسا في إيلاء العناية والاهتمام بتصنيع الهيدروجين الأخضر، لما لذلك من انعكاس بالغ على الإنتاجية، حجما وتكلفة وتنافسية.
وتعد دراسة لمنظمة فريدريش إيبرت الألمانية أن منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا الرقعة الجغرافية الأقدر على التحول إلى منجم عالمي لإنتاج الهيدروجين، وذلك لوفرة الرياح وأشعة الشمس اللتين تعدان عناصر أساسية لإنتاج الهيدروجين الأخضر منخفض التكلفة. وأضافت الدراسة أن الشرق الأوسط قادر على أن يصبح مركزا لإنتاج الهيدروجين الأخضر، للأسواق الإقليمية والعالمية، فالفرص التي يتوافر عليها ستفوق كل التحديات.
وشرعت دول أخرى خارج المنطقة في الاستثمار بهذه التكنولوجيا، في مقدمتها أستراليا التي تعد من أكثر مطوري الهيدروجين نشاطا في العالم، حيث تملك أكثر من 12 مجموعة تكنولوجية متخصصة في هذا النوع من الوقود، تتنافس فيما بينها للشروع في التصدير، مستغلة ما تتوافر عليه من طاقة شمسية وطاقة الرياح. وتخطط شيلي لإنتاج الهيدروجين في المناطق القاحلة الواقعة في شمال البلاد، الغنية بالكهرباء المولدة باستخدام الطاقة الشمسية. وتستعد الصين للشروع في خطة متكاملة لتطوير قطاع الهيدروجين، قوامها إطلاق مليون مركبة، تعمل بخلايا وقود الهيدروجين، بحلول 2030.
عربيا، يعد المغرب رائدا في المجال، بإنشائه، في 2019، بالتعاون مع الجمهورية الألمانية، مركزا لتصنيع الهيدروجين، بهدف التصدير للخارج. وتبنت مصر بدورها لإنتاج الهيدروجين الأخضر، ضمن خطة لتطوير مصادر الطاقة، بهدف التصدير للخارج، وتضع بين عينيها الاستحواذ على سوق التصدير في الشرق الأوسط، وفي الأردن كذلك حديث عن مشروع لإنتاج الوقود الأخضر بغرض التصدير.
وتأتي السعودية على رأس الدول العربية الطامحة إلى استخدام الهيدروجين الأخضر، مصدرا للطاقة والنقل والتدفئة، وتحديدا في مشروع مدينة نيوم العملاقة، التي من المفترض أن يعيش فيها مليون شخص معتمدين على الوقود الجديد في حياتهم واحتياجاتهم اليومية.
رهان كبير يعقد على الهيدروجين الأخضر لحل المعادلة البيئية في العالم، لكن تحقيقه يظل وثيق الصلة بمدى قدرة البحث على تجاوز الصعوبات والعراقيل التي تواجهه. بدءا بمشكلة خفض التكلفة، المتراوحة حاليا ما بين 2.5 دولار و6.8 دولار للكيلو جرام الواحد. فيما المطلوب خفض السعر إلى ما دون دولارين، حتى يكون الهيدروجين قادرا على منافسة بقية المصادر التقليدية الملوثة.
وتبقى مسألة التخزين بدورها عائقا أمام مستقبل هذا الوقود، فكثير من الغموض لا يزال مرتبطا بكيفية تخزين ونقل الوقود الهيدروجيني. فالحاجة ماسة إلى إنشاء مراكز ومشاريع، تؤمن تلك المرحلة من الإنتاج.
يبدو أن المعوقات تتذلل تدريجيا، أمام صناعة الطاقة الهيدروجينية التي لا تزال في مهدها. والدليل على ذلك التراجع المستمر لتكاليف طاقة الشمس والرياح، ما يساعد على دعم الهيدروجين الأخضر. كل ذلك يبشر بمستقبل واعد لوقود بديل، يرجح أن يكون المفتاح السحري لمعضلة البيئة التي تهدد الوجود البشري على كوكب الأرض.