تقاطع مصالح الغرب يعزز فرص نووي إيران
تواصل القيادة الإيرانية جهودها للحصول على سلاح نووي في غمرة التيه، الذي تعيشه الولايات المتحدة الأمريكية، المنشغلة بالتوسع الصيني والحد منه، في ظل شرخ كبير بين الحلفاء تشهده ميادين التحالفات السياسية أخيرا، خصوصا الأجواء المتعكرة في القارة العجوز بين بريطانيا وفرنسا على مخلفات الانسحاب الإنجليزي من الاتحاد الأوروبي، إضافة إلى حالة عدم الاستقرار في العلاقة بين واشنطن وباريس جراء صفقات الأسلحة الأخيرة، التي كانت بمنزلة طعنة أمريكية في الظهر الفرنسي -من منظور فرنسي-، التي تسببت في خسائر مليارية للصناعات العسكرية الفرنسية، ليصول ويجول عبدالقدير خان العالم النووي الراحل أخيرا، في التخصيب وإنتاج اليورانيوم، لتكون إيران أقرب من أي وقت مضى لامتلاك سلاح نووي تدميري.
محمد إسلامي، الرجل الأبرز في منظمة الطاقة الذرية الإيرانية، الذي جاء خلفا لعلي أكبر صالحي، المعروف عنه أنه اليد اليمنى لمحسن فخري زاده، الذي قتل في عملية اغتيال معقدة في 27 نوفمبر 2020، تقول مصادر صحافية نقلتها عن تسريبات استخباراتية أمريكية إن إسلامي جمعته علاقة صداقة مع عبدالقدير خان العالم الباكستاني النووي، الذي كان فخورا بلقبه "أبو القنبلة الباكستانية" أو "أبو القنبلة الإسلامية"، المعروف عنه نقل الخبرة النووية لكل من إيران وكوريا الشمالية، بعد أن حقق حلم بلاده في الحصول على سلاح نووي، ليكون سلاحا رادعا في وجه غريمتها التقليدية الهند.
الرئيس الجديد لمنظمة الطاقة الذرية الإيرانية، أعلن مطلع الشهر الجاري أن بلاده أنتجت أكثر من 120 كيلو جراما من اليوارنيوم المخصب بنسبة 20 في المائة، وهي زيادة كبيرة عن كل من الكمية البالغة 84 كيلو جراما، التي أعلنت عنها "الوكالة الدولية للطاقة الذرية" ومقرها في فيينا، التي تراقب الأنشطة النووية الإيرانية، وعن الكمية التي أعلنتها الوكالة الدولية قبل أشهر البالغة 63 كيلو جراما. اللافت في الأمر تزامن الإعلان الإيراني مع وفاة كولن بأول وزير الخارجية الأمريكي، الذي تسبب بادعاءاته، في احتلال العراق 2003 في عهد الرئيس جورج بوش، على الرغم من أن العراق لم يكن لديه في ذلك الوقت كيلو جرام واحد من اليورانيوم، في حين إن القيادة الأمريكية الحالية تصمت على التجاوزات النووية الإيرانية، التي تحدث على مسمع ومرأى منها ومن المجتمع الدولي، الذي يكتفي بالتنديد والإدانة جراء هذه التصرفات، التي لا تردع طهران وتثنيها عن مواصلة مشروعها النووي.
وبرر إسلامي الكمية المنتجة بالقول "إنها مستوى الإنتاج، الذي طالب به البرلمان الإيراني في قانون تم إقراره العام الماضي"، مضيفا في تبريره "نحن متقدمون عن الموعد المحدد"، لكن التفاصيل البسيطة بل المخفية، التي مر عليها التقرير مرور الكرام هي أن مثل هذا المستوى من الإنتاج يقترب سريعا من عتبة الـ200 كليو جرام، وهذه الكمية من اليورانيوم المخصب بنسبة 20 في المائة، تعتبر على سلم الرمز القديم للأسلحة النووية "كمية كبيرة" عند تخصيبها بنسبة 90 في المائة، ما يعني أن "الكمية الكبيرة" هي الكمية المطلوبة لإنتاج قنبلة ذرية واحدة، ما يجعل المنطقة والعالم على مشارف مصيبة كبرى، بامتلاك النظام الإيراني سلاحا نوويا.
بدورها، أكدت مراكز دراسات أمريكية ودولية أن هذه "الكمية الكبيرة"، لم تنتج من فراغ، إنما أنتجت بفعل أجهزة إنتاج الطرد المركزي، التي حصلت عليها طهران من عبدالقدير خان العالم النووي الباكستاني، التي تعرف بأجهزة الجيل الأول للطرد المركزي "آي-آر-1"، وهي نسخة إيرانية من أجهزة الطرد المركزي الباكستانية "P-1"، التي تعمل باستمرار ومن دون توقف لأشهر متتالية، ما يزيد تدريجيا من كمية "اليورانيوم-235" في المزيج، ليتمحور الجزء الأكبر من العمل حول زيادة كمية "اليوارنيوم-235" الموجودة في اليورانيوم الطبيعي من 0.7 في المائة إلى 5 في المائة فقط، وليس هذا ما يخيف، لكن الأدهى أن هنالك كميات منتجة غير معلن عنها، خصوصا بعد رفع طهران معدلات التخصيب في فترة انسحاب واشنطن من الاتفاق النووي مع إيران في 2018.
كان الحلم الإيراني على مستوى التخصيب الوصول إلى نسبة 20 في المائة، وهذا بحد ذاته يشكل تحديا في ظل العقبات، خصوصا في عهد الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترمب، الذي كان عقبة حقيقية في وجه هذا المشروع، حيث إن أعلى نسبة سجلت كانت قد بلغت الرقم الرسمي للتخصيب 19.75 في المائة، لأن 20 في المائة الحد الذي لا يمكن تجاوزه، ما يعرضهم للعقوبات، إذ يعد الرقم المذكور أخيرا في معدلات اليورانيوم المخصب على أنه "يورانيوم عالي التخصيب"، وبموجب الاتفاق النووي الإيراني لـ2015 المعروف باسم "خطة العمل الشاملة المشتركة"، ليس من المفترض أن تقوم إيران بالبحث عن معدن اليورانيوم أو إنتاجه، إلا بشروط محدودة للغاية ومتفق عليها، ويحظر عليها تخصيب اليورانيوم إلى نسبة 20 في المائة حتى 2030.
وبحسب ما ذكرته صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية، فإن رفع إيران قدراتها على تخصيب اليورانيوم بنسبة 60 في المائة سيجعلها قادرة على الانتقال بصورة أسرع نحو امتلاك يورانيوم مخصب بنسبة 90 في المائة وأكثر، وهي المعدلات المطلوبة لاستخدام هذا المعدن الخام لأغراض عسكرية ذات طابع حربي.
إلى ذلك، كتب وزراء خارجية بريطانيا وألمانيا وفرنسا، إضافة إلى دول أعضاء في الاتحاد الأوروبي في بيان مشترك نقلته وكالة الصحافة الفرنسية "نحن، حكومات ألمانيا وفرنسا والمملكة المتحدة، أخذنا، بقلق بالغ، علما بالتقارير الأخيرة للوكالة الدولية للطاقة الذرية، التي تؤكد أن إيران أنتجت للمرة الأولى اليورانيوم المعدني المخصب عند نسبة 20 في المائة، وضاعفت بشكل ملحوظ أيضا قدرتها على إنتاج اليورانيوم المخصب إلى مستوى 60 في المائة".