2023 .. حوكمة عالمية شاملة ومترابطة وفعالة
منذ زمن الحرب العالمية الثانية، لم يواجه المجتمع الدولي اختبارا على قدر من الضخامة مثل الأزمتين المتشابكتين المتمثلتين في جائحة فيروس كورونا، وتغير المناخ، وفجوات التفاوت الاقتصادية والاجتماعية العميقة التي كشفتا عنها. مع ذلك، وبالتحديد عندما أصبحت الحاجة ماسة إلى العمل العالمي الجماعي لمعالجة هذه الأزمات، تتسبب النزعة القومية الإقصائية والتوترات المتصاعدة بين القوى العظمى، بما في ذلك حرب باردة بين الديمقراطيات والأنظمة الاستبدادية، في تآكل التعاون الأساسي المتعدد الأطراف.
في تقريره الجديد الرائد بعنوان "أجندتنا المشتركة"، يزعم أنطونيو جوتيريش أمين عام الأمم المتحدة أن "الإنسانية تواجه اختيارا صارما وعاجلا: إما الانهيار أو الارتقاء". يؤكد جوتيريش القيم الأساسية الجوهرية المتمثلة في الثقة والتضامن ــ والحاجة إلى عقد اجتماعي جديد بين المواطنين ومؤسساتهم على مستويات الحكم كافة ــ في السعي إلى تحقيق التعافي العالمي العادل والمستدام من الجائحة الحالية. مع احتفالنا بيوم آخر من أيام الأمم المتحدة "24 من تشرين الأول (أكتوبر)"، يجب أن تكون هذه القيم موظفة لتوجيه وإرشاد استراتيجية ذكية وطموحة سياسيا لإدخال التغييرات المؤسسية والقانونية التي طال انتظارها على النظام المتعدد الأطراف الذي بدأ العمل به بعد 1945.
بحسب تقرير مشترك لمادلين أولبرايت، وزيرة خارجية أمريكية سابقة وسفيرة سابقة لدى الأمم المتحدة، وإبراهيم غمباري وزير خارجية نيجيريا سابقا والسفير لدى الأمم المتحدة. فبعد فترة وجيزة من اجتماع الدول الأعضاء في الأمم المتحدة، تحت قيادة عبدالله شاهد، رئيس الجمعية العامة، في 25 من تشرين الأول (أكتوبر) في نيويورك، من المتوقع أن يصادقوا على قرار يقضي بالبدء في اتخاذ إجراءات المتابعة بشأن عديد من مقترحات جوتيريش. من بين أفكاره الأكثر معاصرة للأحداث لبناء تعددية أكثر شمولا وترابطا نجد خطة محدثة لإحلال السلام، مدعومة بمنصة جديدة للطوارئ في الاستجابة للأزمات العالمية المعقدة، وتعيين مبعوث خاص لأجيال المستقبل، فضلا عن أفكار مبدعة تشمل التحول الرقمي، وتحليل البيانات، والاستشراف الاستراتيجي.
"نحن نحيي أيضا"، يضيفان أولبرايت وغماري، "الدعوة التي أطلقها جوتيريش لتعزيز الاستثمار، بغرض تحقيق أهداف الأمم المتحدة في مجال التنمية المستدامة وجلب التعافي الأخضر العادل لكل الدول، استكمالا لمؤتمر الأمم المتحدة بشأن تغير المناخ الشهر المقبل في جلاسكو". ويعد اقتراحه بشأن عقد قمة كل عامين لزعماء العالم الذين يمثلون مجموعة العشرين والمجلس الاقتصادي والاجتماعي التابع للأمم المتحدة، جنبا إلى جنب مع رؤساء الأمم المتحدة والبنك الدولي وصندوق النقد الدولي، الطريق الصحيح لرعاية وقيادة هذه العملية. الواقع أن تقرير لجنة الأمن العالمي والعدالة والحوكمة الصادر في 2015، التي شاركنا في رئاستها، قدم توصية مماثلة: تشكيل "مجموعة العشرين+" التي ستجمع بين قادة المجموعة وكل الدول الأعضاء في الأمم المتحدة كل عامين في أيلول (سبتمبر) خلال أسبوع الجمعية العامة الرفيع المستوى، مع سكرتارية خفيفة من موظفي مجموعة العشرين للحفاظ على العلاقة وإدارتها.
نظرا للحاجة الملحة إلى تحسين إدارة المشاعات العامة، بما في ذلك أعالي البحار، والقارة القطبية الجنوبية، والغلاف الجوي لكوكب الأرض، والفضاء الخارجي، فنحن نؤيد اقتراح جوتيريش بإعادة توجيه وتوظيف مجلس الوصاية التابع للأمم المتحدة. بيد أن تسليم المنافع العامة العالمية وإدارة المخاطر العامة العالمية بشكل فعال تتطلب وجود سلطات تتجاوز دور "المشورة والتوجيه" المقترح للهيئة المعاد تشكيلها. على سبيل المثال، في تقريرنا لـ2015، اقترحنا ترقية لجنة بناء السلام التابعة للأمم المتحدة من هيئة استشارية إلى هيئة تتمتع بصلاحية تنسيق الاستجابات الدولية وتعبئة الموارد في التعامل مع مواقف النزاع غير المدرجة على أجندة مجلس الأمن. ومن الممكن أن يتولى مجلس بناء السلام أيضا رصد مؤشرات الإنذار المبكرة لتجنب اندلاع أو تكرار أعمال العنف المميتة.
إن تنفيذ مقترحات جوتيريش الطموحة يستلزم إقناع الحكومات بالمشاركة، وهو ما يتطلب بدوره عملية إصلاح حكومية دولية مصممة لتجديد شباب نظام الحوكمة العالمية. والوقت هنا عنصر بالغ الأهمية، فقبل نهاية العام، ينبغي للدول الأعضاء في الأمم المتحدة أن تصادق على "قرار الطرائق والأساليب" للمتابعة، الذي يدعم دعوة جوتيريش لعقد قمة المستقبل في أيلول (سبتمبر) 2023.
كما يجب اتخاذ عدة خطوات لتعظيم تأثير القمة. بادئ ذي بدء، ينبغي عقد لجان تحضيرية في مختلف أنحاء العالم لدراسة وتعزيز إبداعات الحوكمة العالمية في مجالات السلام، والأمن، والعمل الإنساني، والتنمية المستدامة والتعافي من جائحة كوفيد - 19، وحقوق الإنسان، والحكم الشامل وسيادة القانون، وإدارة المناخ. من الأهمية بمكان أيضا النظر في كيفية تعزيز الإصلاحات المتكاملة على مستوى النظام بالكامل استنادا إلى الأفكار التي تنشأ تباعا.
ثانيا، بالبناء على الحوارات والدراسات الاستقصائية البعيدة المدى للمحادثات العالمية UN75، يجب إنشاء منتديات للشعوب العالمية والإقليمية وحوارات إلكترونية لزيادة الوعي العام العالمي وتوجيه آراء المجتمع المدني إلى اللجان التحضيرية والقمة.
ثالثا، يجب إنشاء مجلس استشاري رفيع المستوى "يتألف من مفكرين ورؤساء دول سابقين" وسلسلة متصلة من الموائد المستديرة لسفراء وخبراء الأمم المتحدة، لتوجيه أفكار إضافية إلى اللجان التحضيرية حول كيفية تعزيز قدرة نظام الحوكمة العالمي على التصدي للتهديدات الكبرى الحالية، والتي قد تنشأ في المستقبل.
أخيرا، يجب أن يسبق قمة 2023 اتفاق واسع النطاق على أن وثيقتها الختامية ستؤكد التزامات إصلاحية مختارة وملموسة ومحددة زمنيا وقابلة للقياس للمساعدة على تحقيق النتائج في الأمدين القريب والبعيد، التي هي في أقل تقدير طموحة بقدر طموح الوثيقة الختامية UN60 لـ2005.
هذه الأفكار والمقترحات ذات الصلة بشأن إبداع الحوكمة العالمية موضحة بالتفصيل في تقرير مركز ستيمسون الأخير بعنوان "ما بعد UN75: خريطة طريق من أجل حوكمة عالمية شاملة ومترابطة وفعالة". باقترانها بأجندتنا المشتركة والأفكار الجيدة التي لا حصر لها المقدمة من قبل اللجان السابقة، والباحثين، ومنظمات المناصرة، من الممكن أن تساعد هذه الأفكار والمقترحات على إعادة بناء الثقة وتجديد التضامن اللازم لاستعادة وتعزيز ثقة الناس بمؤسساتهم المتعددة الأطراف.