التماهي الميليشياوي المذل .. شرط التوزير في لبنان
أن تخضع لأجندة ميليشيا كحزب الله الإرهابي هو الشرط الأساسي للحصول على منصب في حكومات لبنان المتعاقبة أخيرا. وحادثة وزير الإعلام اللبناني وتصريحاته المشينة بحق المملكة ودول الخليج جزء من هذا التماهي المذل، الآخذ في الاتساع الحكومي، بمباركة الرئيس ميشيل عون ومستشاريه، ودون أي تحرك يذكر من قبل رئيس الحكومة وباقي مسؤولي الدولة، الذين اكتفوا بالوساطات الإقليمية والدولية عوضا عن نزع رأس الفتيل، بإقالة المتسبب في الأزمة، الذي بحكم منصبه يعد هو المتحدث الرسمي باسم الدولة وحكومتها. حكومة متخبطة ترتهن من جهة لقرار الميليشيا وحساباتها الداخلية والإقليمية، بينما تستنزف من جهة أخرى مقدرات جيش الدولة وقدراته، دون رادع أو شعور بالمسؤولية تجاه دستور البلاد وشعبها، الذي استهدف في رزقه وحياته من قبل الميليشيا ذاتها في عدة أحداث ومواقع، أبرزها انفجار المرفأ الذي مرت ذكراه قبل أسابيع دون عدالة تذكر، بل بمعارضة شديدة لمخرجات القضاء الأخيرة، ومطالبة القاضي المسؤول بالتنحي، لخوضه في تفاصيل وتحقيقات وأسماء وزارية تتماهى مع أجندات حزب نصرالله، ما يؤهلها لحصانة كبرى لن يتمتع بها الوزراء المستقلون الباحثون عن مصلحة الدولة ومستقبل أجيالها. فكيف لحكومة من هذا النوع المستلب أن تسيّر أمور شعبها، فضلا عن أن تكسب ود الأشقاء والأصدقاء الذين لا غنى لها عن التعامل معهم، من أجل حفظ أمن البلاد واستقرارها، سياسيا وعسكريا واقتصاديا. مطالبات دولية متفرقة لا تعرف في سؤالها وأحكامها إلا التوجه إلى لبنان "الدولة" الذي لا تزال حكومته تصنف هذا الحزب كمكون سياسي، يتمتع هو وأعضاؤه بحصانة دبلوماسية، وقدرة على تعطيل أي قرار محتمل قد يصب في المصلحة العامة، إن لم يتماش ومصلحة الحزب، ومن يأتمر له من خارج الحدود. فحوصرت الدولة بحصار الحزب ماليا، وامتدت الأزمة لتنال من البنوك القائمة، في وضع اقتصادي مترد لم يسبق أن مر به لبنان. قديما، كان يعرف حزب الله في أسوأ حالاته بوصفه "دولة داخل دولة"، أما اليوم، ومع تأزم الأوضاع في المنطقة، وتكشف كثير من الأوراق التي كان يخفيها، فالوضع مختلف وأسوأ أيضا. ومن غير اللائق وصفه بدولة أو حتى بمشروع دولة، في وقت ضرره المزدوج لا يحمل أي اعتبار للدولة، ففي الداخل ميليشيا تهيمن على حكومة قائمة، وفي الخارج هذه الميليشيا بأذرعها الطويلة، وخدماتها للآخر أو بالأصح جرائمها العابرة للحدود تجلب المصائب والملاحقات المالية والشخصية، واضعة حاضر "الدولة" على المحك ومستقبلها في عين العاصفة. وتبقى المحصلة المحتملة دولة هشة أو فاشلة، ليس بفعل صراع عسكري داخلي، لكن بتآكل مؤسسات الدولة وآلياتها، وهو أمر لا يقل في سوئه وخطورته، حكوميا وشعبيا عن أي صراع أهلي مسلح تعج به المنطقة.