أزمة الرقائق الإلكترونية تعري هشاشة النظام العالمي

أزمة الرقائق الإلكترونية تعري هشاشة النظام العالمي
تدخل الرقائق الإلكترونية في عديد من الصناعات المهمة.
أزمة الرقائق الإلكترونية تعري هشاشة النظام العالمي
تتصدر تايوان سوق الرقائق الإلكترونية بـ 63 في المائة.

تتواصل الجهود الدولية للتخلص من خطر جائحة فيروس كورونا، التي ما زالت في حالتها النشطة، إلا أن محاولات إيقاف شبح الجائحة، بتزويد نسبة كبيرة من البشر باللقاح المضاد، قللت من نسبة المخاطر على مستوى الأرواح، لكن كابوسا آخر يشغل العالم الآن، هو تداعيات الجائحة، إذ تشابك بعضها مع معطيات دولية أخرى أشد فتكا من الفيروس ذاته، لتكون سلسلة الأزمات مصدر تهديد يضرب مناحي الحياة البشرية بأسرها بين فينة وأخرى. موجات من التغيرات المناخية والجفاف والحرائق، علاوة على البيئة الاقتصادية الاحتكارية، لتضيف الجائحة إلى الأزمات الجديدة عنفا إضافيا للأزمات القائمة سابقا، حيث طفت على السطح أزمة تزايد الطلب على الرقائق الإلكترونية، ما أحدث أزمة في عدم كفاية المعروض مع الطلب العالمي، وهو ما أثر في كثير من الصناعات الدقيقة، التي تدخل هذه الرقائق في تكوينها، فإن من بين الضغوط التي واجهت صناعة الرقائق، صعود الجيل الخامس؛ ما أدى إلى زيادة الطلب، والقرارات الأمريكية بمنع بيع أشباه الموصلات وغيرها من التقنيات لـ"هواوي".
وتدخل الرقائق الإلكترونية في عديد من الصناعات المهمة، على رأسها الصناعات العسكرية وصناعة السيارات والأجهزة الإلكترونية والهواتف المحمولة وأجهزة الحاسب الآلي والطائرات وغيرها من الصناعات، ومع تزايد الطلب ظل العرض ثابتا نتيجة الاعتماد العالمي على ثلاث شركات فقط في تصنيع الرقائق الإلكترونية، هي شركة TSMC التايوانية، وشركة إنتل الأمريكية، وشركة سامسونج الكورية الجنوبية.
أصبحت صناعة الرقائق الإلكترونية مجالا تنافسيا عالميا كبيرا بالتزامن مع تقلص عدد الشركات العاملة في هذا المجال في ظل الدور الكبير للشركة التايوانية TSMC بسبب تركيزها على نوعية الرقائق عالية الدقة، ليزداد التنافس الأمريكي - الصيني على صناعة الرقائق بشكل عام، وحول السيطرة على تايوان بشكل خاص، بسبب وضعها المؤثر في صناعة الرقائق وأشباه الموصلات في العالم.
وتعد الرقائق مكونا شديد الأهمية في صناعة السيارات، وهي أحد أكبر المتضررين، نتيجة لتلك الأزمة، وباتت تواجه صعوبات كبيرة في توفير احتياجاتها، حيث تستخدم الرقائق لتشغيل كل شيء في السيارة، بدءا من أنظمة إدارة المحرك إلى الترفيه ومستشعرات الوقوف، إذ تحتوي السيارة العادية على عدد يقدر بين 50 إلى 150 رقاقة للتحكم في كل شيء إلكتروني في السيارة، الأمر الذي اضطر شركات السيارات الكبري في العالم إلى تخفيض الإنتاج بصورة كبيرة، وإغلاق بعض المصانع جزئيا وتحمل الخسائر الكبيرة أملا في حل المشكلة قريبا، وسجلت خسائر قطاع السيارات أرقاما كبيرة، إذ قدرت شركة جارتنر للأبحاث، قيمة الخسائر المتوقعة في قطاع السيارات حتى الربع الثاني من العام المقبل بنحو 61 مليار دولار، نتيجة النقص في الرقائق، وما يترتب عليه من ارتفاع في أسعار السيارات وتوقف تصنيع ما يصل إلى مليون سيارة في العام الجاري وحده.
تتصدر تايوان سوق الرقائق الإلكترونية بـ63 في المائة، وتتطلع إلى زيادة هذه النسبة لتصبح 65 في المائة، وتأتي كوريا الجنوبية في المركز الثاني بـ18 في المائة، ثم الصين بـ5 في المائة، وباقي دول العالم بـ12 في المائة، ويبلغ حجم سوق الرقائق العالمية نحو 430 مليار دولار، لكن حال سوق الرقائق لم تكن سابقا هكذا، فالمنافسة في 2000 كانت بين 25 شركة لصناعة الرقائق الإلكترونية، لكن مع الظروف والأزمات لم يبق في السوق سوى ثلاث منها، جميعها تخضع لحسابات سياسية بين واشنطن وبكين، إذ تنعكس العلاقة المتوترة بين الدولتين الكبيرتين على قطاع الرقائق الإلكترونية، خصوصا أن مواقع هذه الشركات وارتباطاتها تشوبها حساسية مفرطة في كل من تايوان وكوريا الجنوبية، إضافة إلى مسلسل الصراع بين الشركات التقنية الأمريكية والحكومة الصينية فيما يتعلق بأزمة شركة الاتصالات الصينية هواوي، ولا تزال مركزية شركة TSMC التايوانية في هذا القطاع عالية، مع وجود تنافس صيني - أمريكي على الدخول بقوة لسوق الإنتاج، لاعتبارات سياسية واقتصادية متعددة، ويزيد ذلك من التنافس أيضا بينهما حول تايوان.
تسببت مركزية شركة TSMC التايوانية في هذه الصناعة، نتيجة تخلف عديد من المنتجين المنافسين عن إنتاج الرقائق صغيرة الحجم؛ ما زاد من المعرفة الفنية للشركة التايوانية، في جعل عديد من منافسيها يلجأون إلى التعاون معها من أجل توفير احتياجاتهم من الرقائق صغيرة الحجم، التي تعد أساس التقدم التكنولوجي الحديث في هذا العصر، وبلغت قدرات الشركة التايوانية في الإنتاج حد القدرة على إنتاج رقائق بحجم خمسة نانومترات وثلاثة نانومترات، وتعد الشركة الوحيدة التي تصنع الدوائر المتطورة، التي تتطلبها شركات مثل "أبل" و"كوالكوم"، وتتحكم في أكثر من نصف سوق صنع الرقاقات المصنوعة حسب الطلب، ولديها تقنيات متطورة مستخدمة في المكونات للهواتف الذكية والخوادم ووحدات تحكم الألعاب ومحطات الهواتف المحمولة حتى أنظمة الأسلحة.
ويتخلف المنافسون عنها بنحو عقد من الزمان، ويعملون على صنع مزيد من الرقائق العادية، ويشعر عديد من دول العالم، على رأسها واشنطن، بقلق متزايد من أن كثيرا من سلاسل توريدهم يقع خارج سيطرتهم، حتى الاضطرابات المؤقتة، ودفع ذلك قادة العالم إلى التحدث عن الأمن القومي، إلا أن التكلفة الاستثمارية والوقت المتاح للإنشاء هما أهم التحديات التي تواجه تطوير صناعة الرقائق، إذ إن القيمة الاستثمارية المطلوبة لتصنيع معمل أشباه موصلات تقارب 15 إلى 20 مليار دولار في زمن يبلغ خمسة أعوام.
انعكاسات هذه الأزمة بلغت حد هبوط سهم شركة أبل في تعاملات ما بعد إغلاق جلسات التداول، حيث بلغ 139.46 دولار للسهم الواحد، منخفضا بنحو 1.45 في المائة، وجاء الهبوط في سهم "أبل" مدفوعا بإعلان تقارير إعلامية اعتزام "عملاق التكنولوجيا" تخفيض إنتاج هاتفها الجديد "آيفون 13" بنحو عشرة ملايين وحدة، بعدما كان مقررا إنتاج 90 مليون وحدة خلال الربع الأخير من 2021.

الأكثر قراءة