ليس كتضخم أجواء السبعينيات «2 من 2»

يبدي بعض المراقبين القلق من أن ينتهي الأمر بإدراج التضخم المعتدل الحالي جزءا أساسيا من بناء التوقعات، ليطلق دوامة من التضخم المطرد في الأجور والأسعار، ويستحيل الأمر في النهاية لوضع يشبه التضخم المرتفع والمتواصل الذي شهدته السبعينيات. أقول: إن هذا السيناريو ليس مستحيلا، وينبغي ألا نرضى بالتضخم. لكن من المستبعد أن يكرر واضعو السياسات أخطاء الماضي. بدأت تلك الأخطاء مع زيادة الإنفاق الحكومي لتمويل حرب فيتنام، دون إيرادات ضريبية لتغطية هذا الإنفاق، ثم استمرت عام 1971، عندما تعامل آرثر بيرنز رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي والرئيس ريتشارد نيكسون مع التضخم المرتفع بمزيج من حوافز نقدية سريعة وضوابط محكوم عليها بالفشل للتحكم في الأجور والأسعار. بعد أعوام قليلة، أطاح الاقتصاد الثائر من شدة الحرارة بغطاء القدر المغلي، ليندفع التضخم إلى معدل فاق 12 في المائة.
حقا، لقد كان مجلس الاحتياطي الفيدرالي مفرطا في التفاؤل بشأن توقعاته للتضخم هذا العام، حينما تنبأ بأن تكون زيادات الأسعار أصغر حجما وأسرع زوالا. لكن لاري سامرز وأوليفييه بلانشار فهما الأمر على نحو صائب في شباط (فبراير)، عندما توقعا بشكل صحيح أن يفضي النمو السريع إلى التضخم.
لكن رغم عدم دقة توقعات مجلس الاحتياطي الفيدرالي، أزعم أن تحركاته وإجراءاته لم تكن بعيدة كثيرا عن الهدف. صحيح أن المجلس لم يتوقع الشروع في تقليص مشترياته الشهرية من الأصول - في إطار ما يسمى التيسير الكمي - في وقت مبكر يبدأ من تشرين الثاني (نوفمبر) 2021، غير أنه تجاوب بشكل مناسب مع البيانات الواردة بشأن التضخم ومدى قوة الاقتصاد بتعديل توقيت خططه.
فضلا عن ذلك، لم تبد الأسواق أي ردة فعل تقريبا إزاء إعلان مجلس الاحتياطي الفيدرالي تقليص مشترياته من سندات الخزانة والأوراق المالية المدعومة برهون عقارية، ما يعني نجاح جيروم باول رئيس المجلس المعاد تعيينه الآن في إيصال رسالة مفادها أن البنك المركزي يتبنى سياسة إعادة النظر، على النقيض مما حدث عامي 1994 و2013، عندما لم يتوقع المستثمرون بداية دورات تشديد السياسات النقدية. حتى لو شرع مجلس الاحتياطي الفيدرالي في رفع أسعار الفائدة قصيرة الأجل في منتصف 2022، فلن تفاجأ الأسواق بذلك أيضا. ليس بوسع الرئيس جو بايدن الكثير ليفعله من أجل كبح الارتفاع في التضخم الذي يلقى سخطا شعبيا كبيرا. وقد تدخل بايدن بالفعل للمساعدة على تحرير الموانئ والخدمات اللوجستية الأخرى الخاصة بسلاسل التوريد من الاختناقات. لكن من شأن زيادة معدلات التلقيح ضد كوفيد - 19 تعزيز توافر العمالة، بإبقاء الأطفال في المدارس مثلا، وإن كان من الصعب تحديد ما يمكن لبايدن فعله هنا غير ذلك.
قد يكون السماح بزيادة الواردات طريقة جيدة للتعامل مع التضخم المعتدل. فقد تسببت الرسوم الجمركية التي فرضها الرئيس السابق دونالد ترمب على منتجات كثيرة، منها الألمنيوم والحديد الصلب، وكل الواردات الأمريكية من الصين تقريبا، في رفع الأسعار بالنسبة إلى المستهلكين. وينبغي لبايدن أن تكون لديه القدرة على إقناع الصين والدول الأخرى بتقليص بعض الحواجز الجمركية أمام الولايات المتحدة مقابل إلغاء الرسوم الجمركية الأمريكية. وعلى أي حال، فإن تحرير التجارة قادر على خفض بعض الأسعار في وقت وجيز.
ربما يزعم بعض المراقبين أن الإنفاق الحكومي الجديد المستهدف في خطة بايدن للإنفاق الاجتماعي قد يسهم في زيادة التضخم، إما لأنهم يرفضون مبدأ الحكومة الكبيرة وإما لأن دولارا منفقا يرفع الطلب أكثر مما يقلله دولار محصل من العائدات الضريبية. هناك آخرون يرون أن الأثر الصافي في التضخم سيكون مفيدا خاصة على المدى البعيد، لأن كثيرا من البرامج المخطط لها، مثل التعليم الجيد الشامل لمرحلة ما قبل المدرسة، سيزيد من توافر العمالة. بغض النظر عن تلك الحجج، أتوقع أن يكون أثر التشريع الجديد في التضخم محدودا. لكن ينبغي أن يكون الحكم على حزمة بايدن للبنية التحتية والإنفاق الاجتماعي المقترح قائما على الموضوعية. إن التضخم الأمريكي المتصاعد ما هو إلا انعكاس لتعاف سريع من الركود الناشئ عن مرض فيروس كورونا، ما يعني ضرورة التوقف عن التفكير في السبعينيات.
خاص بـ «الاقتصادية»
بروجيكت سنديكيت، 2021.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي