تكاتف العراق الرسمي والأكراد للتخلص من الميليشيات

تكاتف العراق الرسمي والأكراد للتخلص من الميليشيات
تكاتف العراق الرسمي والأكراد للتخلص من الميليشيات

تتواصل الجهود العراقية على المستويين الرسمي والشعبي لمكافحة تغلغل الميليشيات المسلحة المدعومة إيرانيا، في ظل خسارة مدوية لممثلي هذه الميليشيات في الانتخابات البرلمانية الأخيرة، التي أتت ترجمة للواقع العراقي الرافض لكل ما هو سيطرة إيرانية على البلاد دامت لنحو عقدين، منذ سقوط النظام العراقي السابق في 2003، لتؤسس بغداد للتخلص من ثاني الآفات، التي سلبت العراق وأهله الكثير، بعد زوال تهديد الخطر الأول المتمثل في تنظيم داعش الإرهابي، لكن المهمة العراقية أكثر تعقيدا للانسلاخ من النفوذ الإيراني، إذ تمكنت الحكومة العراقية من التخلص من التنظيم الإرهابي بتحالف دولي تقوده الولايات المتحدة، في الوقت الذي يتعين فيه على بغداد مواجهة هذا الخطر وحدها دون أي مساعدة خارجية رسمية، لتتكون ضرورة مشتركة الأهداف ومتبادلة المصالح بين الحكومة الاتحادية العراقية وحكومة إقليم كردستان.
تتشارك بغداد وأربيل هَم مواجهة التوغل الميليشياوي الإيراني في البلاد، خصوصا أنها تشكل التحدي الاستراتيجي الأكثر إلحاحا، فلا ينفع حكومة كردستان عزل نفسها عن الاضطرابات التي شهدتها بقية أنحاء البلاد، كما كان يحصل في السابق، فالمطارات والمراكز الحضرية الخاضعة لسيطرتها تعرضت لما لا يقل عن نحو عشر هجمات بالصواريخ والقذائف، منذ تشرين الثاني (نوفمبر) 2019، حيث كانت هذه الهجمات بتوقيع ميليشيات فرعية تابعة للميليشيات الكبرى، التي تندرج تحت راية قوات الحشد الشعبي، التي فرضت نفسها على الدولة بتمثيل سياسي رسمي، كما أن هذه الضربات التي تعرضت لها المناطق الخاضعة لحكومة كردستان كانت أكثر ضررا من هجمات تنظيم داعش الإرهابي، الذي لم يتمكن من إحداث مثل هذه الانتهاكات العميقة في إقليم كردستان.
وجدت الأيدي الإيرانية الخفية في العراق أن مصطفى الكاظمي؛ رئيس الوزراء، هو السبب الرئيس في خسارة امتيازاتها؛ ما دفعها للجوء إلى اغتياله بالمسيرات، لكن لطف الله بالعراق وأهله، أفشل المهمة وقلب الطاولة على الواقفين على هذه المحاولة؛ ما أجبر المنفذين ومن خلفهم على نفي مسؤوليتهم عن المحاولة الفاشلة وإدانتها بأقسى العبارات، لتتلحف هذه العصابات بالزي الوطني العراقي، من خلال تبني الموقف الوطني ومصلحته رغما عنهم، كما أرسلت طهران قائد فيلق القدس في الحرس الثوري إلى بغداد لتخفيف التوتر، ولم تعلن أي جماعة مسؤوليتها عن الهجوم، لترجح كفة الموقف الرسمي العراقي وتقوى حجته في الساحة السياسية العراقية؛ ما أعطاها قوة في موقفها وزخما، لكن هذا ليس كافيا، إذ يعاني العراق تشتت الجهود نظرا إلى التقسيم الجيوسياسي للبلاد، وعليه وجب توحيد الموقف العراقي، بجمع المكونات الشعبية والسياسية بأطيافها كافة.
يهدف صانعو سياسة التوسع الإيرانية في المنطقة من فرض أنفسهم على الساحة سواء في مناطق سيطرة الحكومة العراقية أو حكومة إقليم كردستان، إلى حرمان واشنطن من خيار إيجاد حل بديل قريب، إذا طلب من قواتها مغادرة العراق الاتحادي، لذلك تحاول الميليشيات المدعومة إيرانيا أن تصبح دولة داخل دولة، من خلال عزل العراق إقليميا ودوليا، خصوصا أن العراق يشهد حراكا كبيرا على المستوى الخارجي بدعم عربي واسع ترأسه السعودية ومصر، وبدعم أردني خليجي مطلق، ومساندة أمريكية فرنسية.
وبحسب مراقبين، إذا كانت الأحزاب الكردية تهدف للانضمام إلى الفصيل العراقي الأكثر التزاما بإنهاء إفلات الميليشيات من العقاب، فلا يوجد من هو أنسب من الصدر لهذه المهمة، خصوصا أنه يحظى بسلطة مركزية واستقلال ذاتي في المنطقة الواقعة تحت سيطرته، كما أنه أكثر التزاما تجاه بقية مكونات النسيج الوطني العراقي، إضافة إلى موقفه الرافض ضمنيا للتدخلات الإيرانية، التي تحظى بدعم إيراني مطلق، فيما تقدم ولاء مطلقا للقيادة الإيرانية على حساب الدولة الوطن العراقي.
الذاكرة الكردية المليئة بالمآسي وويلات الجرائم المتخذة بحقها طوال فترة النظام السابق، هي السبب الأول لتردد قادة الكرد في التحالف مع العرب، فلا يكاد قائد أو صانع قرار كردي يقبل على اتخاذ قرار جامع إلا ويستذكر حملة الأنفال في كردستان العراق، إحدى أبرز حملات الإبادة الجماعية في النصف الثاني من القرن الـ20 ومن أكثرها بشاعة، حيث يقدر عدد ضحاياها بـ182 ألف قتيل، ويقينا أن الصدر لا يخلو من المخاطر بالنسبة إلى حكومة إقليم كردستان، فبرنامجه القائم على تأسيس دولة قوية تحقق ذلك أم لا، يميل إلى إثارة حالة اهتياج لدى الأكراد، لكنهم لا يملكون ترف الخيارات وتعددها، إذ إن العراق الضعيف يحمل مخاطر موازية لهم، ولضمان أمن الأراضي المتنازع عليها الواقعة بين الحكومتين الاتحادية والكردية، تفضل قوات البيشمركة التعامل مع قوات الأمن العراقية النظامية على متاهة الميليشيات في ظل قوات الحشد الشعبي.
الخيار الكردي الحاسم صعب، لكنه أكثر أمانا في ظل فشل محاولات كسب الود للميليشيات، التي كانت تعتقد أنها قادرة على إرضاء الميليشيات وولي أمرها الإيراني، لكن هذه الفرضية كانت خاطئة، فالشاهد الأكبر على هذه الخيبة انتخابات 2018، إذ حافظت قيادات الميليشيات في الحكومة على تخفيضات ميزانية حكومة إقليم كردستان، التي فرضها نوري المالكي؛ رئيس الوزراء العراقي السابق في 2014، في حين شنت جماعاتهم المسلحة مرارا هجمات على كردستان بالصواريخ والطائرات دون طيار.
للتخلص من شرور الميليشيات الإيرانية لا بد من تكاتف العراق الرسمي والأكراد، ووضع المصلحة العامة فوق كل اعتبار، لكن ذلك - بحسب المؤشرات - لن يتم سوى على الصعيد السياسي، أما على الصعيد العسكري فهو لن يتحقق على المدى القريب، لاعتبارات عدة أبرزها الحصول على دعم أمريكي مفتوح، وهذا هدف صعب المنال في الوقت الحالي في ظل السياسات الأمريكية المقننة لدخولها في أي معترك لحساب الحلفاء، خصوصا أن الأكراد لم تبرد أوجاعهم بعد طعنة الظهر التي تعرضوا لها من البيت الأبيض، الذي انسحب من أراضيهم وتركهم عرضة للحملات العسكرية التركية، وفي حال أدرك الأكراد المخاطر الحقيقية طويلة المدى للميليشيات المدعومة من طهران، سيلجأون إلى القتال جنبا إلى جنب مع الحكومة العراقية في وجه هذه الميليشيات.

الأكثر قراءة