مركز المزارع السمكية .. مهام وتاريخ
تربية الأحياء المائية هي صناعة سمكية، أخذت في التطور بشكلها الصناعي خلال الـ40 عاما الماضية، نظرا إلى الطلب العالمي المتزايد على تناول الأغذية الصحية من الأسماك والروبيان والمحار، بل والأعشاب والطحالب البحرية، لما تحويه من أغذية سهلة الهضم غنية بالفسفور والأحماض الدهنية المفيدة للقلب والمزاج "مثل أوميجا3". المتوسط العالمي لاستهلاك الفرد نحو 25 كيلوجراما في العام، وبعض الدول كاليابان والمالديف يصل معدل استهلاك الفرد إلى 150 كيلوجراما.
نحن في المملكة نقترب من عشرة كيلوجرامات للفرد، أي 9.2 كيلوجرام، وهذا لا يقارن باستهلاكه من الدواجن الذي يبلغ 53 كيلوجراما، ولا اللحوم الحمراء البالغ 32 كيلوجراما. ومع هذا المعدل المنخفض للاستهلاك، فإن المملكة تستهلك نحو 350 ألف طن سنويا، تقدر قيمتها بنحو ثمانية مليارات ريال سنويا.
ما يتم إنتاجه من الصيد في البحر الأحمر والخليج العربي من الأسماك لا يتجاوز 75 ألف طن، ويتم استزراع نحو 25 ألف طن من الأسماك البحرية وفي المياه العذبة، أما الروبيان فإنه يتم إنتاج نحو 60 ألف طن منه، يتم تصديرها بنسبة تتجاوز 95 في المائة، أي أن المملكة يتجاوز استيرادها 250 ألف طن تقدر قيمتها بنحو ستة مليارات ريال سنويا.
يستهلك العالم نحو 150 مليون طن سنويا 2019 "الفاو"، منها 80 مليون طن من المصائد الطبيعية، بينما تسهم المزارع السمكية بنحو 50 في المائة من الاستهلاك العالمي حاليا.
وتعد المملكة من أوائل دول العالم التي تنبهت لأهمية صناعة استزراع الأحياء المائية منذ وقت مبكر، أثناء رسم السياسة الزراعية الطموحة في أواخر السبعينيات التي نجني ثمارها حاليا، ولله الحمد، التي تحولت - بعد توفيق الله - بسببها المملكة إلى دولة منتجة لمعظم احتياجاتها من الأغذية الأساسية من الحبوب والألبان والخضراوات والفواكه والبيض والدواجن، وغيرها من المنتجات.
وفي عام 1981، بادرت وزارة الزراعة بإنشاء مركز أبحاث مختص لتوطين تقنيات تربية الأحياء المائية، وهو ما عرف محليا ودوليا لثلاثة عقود باسم مركز المزارع السمكية، وصدر قرار بإنشائه شمال مدينة جدة وعلى مسافة 30 كيلومترا آنذاك ومساحة تزيد على 90 ألف متر، وكلف بهذه المهمة شاب وطني طموح يشرف على إنشائه وتشغيله هو سالم بن عايض الثبيتي العتيبي - رحمه الله، كان يحمل رسالة الماجستير في علم الأحياء "البيولوجي"، واستغرق بناء المركز أربعة أعوام ليبدأ عمله فعليا 1985، وتم إنشاء إدارة عامة للمزارع السمكية في المملكة 1986، تشرف على كل نشاطات الاستزراع السمكي، وتشرفت بالعمل مديرا عاما لها حتى تم تقاعدي المبكر 2007.
وأقرت الوزارة السياسة التي رسمت للإدارة وللمركز، التي تواصل تنفيذها وزارة البيئة والمياه والزراعة حيث أخذت ستة مسارات متوازية تشمل: إنشاء بنية تحتية وأعمال مدنية لتوطين تقنية تربية الأحياء المائية، تشمل مفرخات للأسماك وأخرى للروبيان، وأنظمة تربية تشمل الأحواض الأسمنتية وأحواض الفايبرجلاس والبرك المكشوفة والمسيجات الشاطئية والأقفاص العائمة، وتزويد كل هذه المرافق بالمياه البحرية للتغذية والصرف، وتعيين الكفاءات السعودية الشابة من خريجي الجامعات والمعاهد الفنية، وتوقيع اتفاقية مع منظمة الأغذية والزراعة "الفاو" مع الاستعانة بخبراء استزراع مقيمين في المركز لإجراء الأبحاث والتدريب، تلتها اتفاقيتان مع معهد تايوان لاستزراع الأحياء المائية، والوكالة اليابانية للتعاون الدولي، ونقل تقنيات التفريخ والتربية للأحياء المائية مع التركيز على الأصناف المحلية قدر الإمكان، بجلب الأمهات من الصيادين واستيراد بعض الأمهات والأصبعيات واليرقات من الدول التي تتشابه ظروفها البيئية والمناخية مع المملكة وإجراء تجارب عليها، وإجراء أعمال مسح شامل لسواحل المملكة وتحديد أفضل المناطق لممارسة أنشطة الاستزراع فيها تمهيدا لتوجيه المستثمرين إليها، وتزويدهم بجميع المعلومات التي توصل إليها المركز، والدعم الفني والتدريب للعاملين في هذه المشاريع وتزويدهم بالإصبعيات واليرقات لبدء نشاطاتهم في مشاريعهم، والإشراف الصحي البيطري على هذه الصناعة باعتماد نظام أمن حيوي لدرء الأمراض وسلامتها، من خلال معامل بيطرة سمكية متعددة التخصصات في المركز، تشرف على هذه الصناعة في المملكة، ويعمل فيها شباب وشابات سعوديون.
استطاعت المملكة على مدى 36 عاما من العمل الدؤوب أن تتبوأ مكانة عالمية مرموقة في استزراع الأحياء المائية، وهي تسير برؤية طموحة لتحقيق إنتاج نحو 600 ألف طن سنويا بنهاية 2030.
إن هذا المركز المهم وقد امتد إليه العمران، وأصبح محاطا بالمخططات السكنية، من المؤكد أنه سيتم نقله إلى موقع آخر، ليكمل مسيرته العلمية باعتباره القلب النابض لهذه الصناعة في المملكة والحارس الأمين لها ومحطا للخبرات والتقنيات العلمية المعنية بالاستزراع، التي تشهد تطورا وتغيرا مستمرا، يتطلب التحديث ومركزا عمليا لتدريب وتأهيل الكفاءات الوطنية باستمرار، ليتماشى مع الطموحات السامية ويكون عونا على تحقيقها، ويتكامل مع مخرجات الجامعات السعودية الأكاديمية في هذه العلوم، لتكون علوما تطبيقية مؤهلة للعمل في مشاريع القطاع الخاص التي تشهد نموا متسارعا جراء الدعم اللامحدود.
إن المملكة في هذا النهج تماثل الدول الصناعية المتطورة في استزراع الأحياء المائية، مثل النرويج وتشيلي واليابان واليونان وتركيا وإسبانيا والولايات المتحدة وتايوان والفلبين والإكوادور، التي توجد فيها مراكز مماثلة، لا غنى لهذه الصناعة عنها لمواكبتها وتفقد احتياجاتها وتقديم الحلول العلمية الصحيحة لها، وتكون مراكز ميدانية تطبيقية للطلاب من الجامعات الأكاديمية لتطبيق دروسهم الحقلية فيها، ويمتد نشاطها لتوطين الصناعات المرتبطة بالاستزراع للأحياء المائية، مثل صناعة الأعلاف السمكية وصناعة المعدات والأنظمة الإلكترونية التي أصبحت تتحكم في التشغيل وكذلك مصانع التجهيز والمعالجة للمنتجات بعد الحصاد، التي تقدم المنتجات السمكية بصور عديدة ومتطورة ومتسارعة، مثل المنتجات الطازجة والمبردة والمجمدة ومنتجات الفيليه والمدخنة والوجبات الجاهزة وشبه الجاهزة سريعة التحضير والمعلبة التي تتناسب مع ظروف سيدات الأعمال والعاملات، بتجهيز وجبات بحرية في منازلهن بطريقة سريعة، ومن خلال أجهزة حديثة تقدم الوجبات السمكية دون زيوت ودون أن تحدث روائح غير مرغوب فيها كما كان معهودا. كل هذه المهام منوطة بالمركز الجديد مواكبتها والعمل على تحقيقها بإذن الله.