كيف نستثمر في الابتكار؟ «2 من 4»

تطرقنا عموما في المقال السابق للإجابة عن السؤال المهم في كيفية الاستثمار في الابتكار، وتحدثنا عن بعض العوامل والمحاور التي يستند إليها نجاح الاستثمار في الابتكار، ومنها الجاهزية التنظيمية والبيئة والبنية التعليمية والأسس البحثية التطويرية والمنشآت التصنيعية والإنتاجية، وأكدنا أن الوصول إلى استثمار ناجح ومستدام هو مطلب في مجال الابتكار وضرورة يعتمد عليها وجود تنظيمات متكاملة ومؤشرات قياس بأهداف ورؤية واضحة.
الاستثمار في الابتكار حاليا ونشر الثقافة أصبحا مطلبا وضرورة ملحة كما أوضحنا سابقا وهو لا شك تحد كبير جدا خصوصا في وجود التنافسية العالمية، ولتفعيل ذلك لا بد أن تكون لدينا إدارة تنظيمية فعالة تعمل على توحيد السياسات والأهداف والتنظيمات المكتملة لرسم خريطة الطريق لتتواءم مع الخطط الوطنية والاحتياجات الفعلية، وتكون مرجعية لجميع القطاعات والمؤسسات، حيث تتضمن آليات عملها وإنتاجيتها وجود منظومة متكاملة للابتكار، وبالتالي تكون المخرجات منها واضحة يمكن قياسها مع أهمية وجود مؤشرات قياس الأداء KPI، كي يتحقق الارتقاء والتميز والجودة في الإنتاجية والأداء وتحقق التنافسية والاستثمار المستدام.
في المملكة بدأنا نرى كثيرا من المؤسسات التعليمية والقطاعات والمراكز البحثية تعمل على تنويع مصادر الدخل والاستثمار في المعرفة والأفكار والبحث والتقنية، وأصبحنا نرى كثيرا من الجامعات وعديدا من القطاعات والمؤسسات العامة والخاصة بدأت تعمل على تأسيس وتفعيل قطاع الابتكار وتأسيس وتنمية الأعمال في سبيل تحقيق أهداف الاستثمار في الابتكار والاستدامة المالية. بل إن كثيرا من هذه الجهات بدأت بالفعل تنشيط مفهوم الابتكار، وأصبحنا نرى النشرات تطلق هنا وهناك والدعايات، ومن خلال المواقع الإلكترونية ومنصات التسجيل لتلبي الأفكار، وأنفقت وتنفق في سبيل ذلك الأموال الطائلة، لكن هل هناك منهجية تنظيمية لذلك؟.
لا أشك أن لكل جهة أو مؤسسة القدرة على تفعيل مبادئ الابتكار حسب احتياجها، بل أرى أن من الضروري أن يكون هناك في كل مؤسسة وقطاع قسم خاص بالابتكار من أولوياته ومسؤولياته تطوير وابتكار منتجات وتسويقها، لكن لا بد أن تكون هناك جهة تشريعية تنظيمية تدعم وتنظم تلك الجهود على غرار بعض الدول المتقدمة التي سبقتنا في هذا المجال، حيث توجد جهات مرجعية تعنى بوضع التشريعات والقوانين والمعايير في الاستثمار في الابتكار.
وكما ذكرت في مقال سابق أن دولتنا - حباها الله - بقيادة لم يغب عنها أهمية الابتكار والاستثمار فيه، ودعمته بشكل مباشر بل جعلته أحد المحاور المهمة لـ"رؤية 2030" التي شملت التحول من الاقتصاد القائم على النفط إلى الاقتصاد القائم على العلم والمعرفة والابتكار. ولذا رأينا القرارات الحكيمة والصائبة بإنشاء هيئة تنمية البحث والتطوير والابتكار والهيئة العامة للتطوير الدفاعي، الأمر الذي يتطلب توحيد الجهود تحت مظلة متكاملة بين هذه الهيئات المعنية بالابتكار والتطوير والبحث والمؤسسات والقطاعات والجمعيات وغيرها من الوزارات، مثل وزارة التعليم ومراكز ريادة الأعمال في الجامعات والهيئات الصناعية "مدن" التي لها اهتمامات بمجالات الابتكار والاستثمار فيه، وقد يكون ذلك من خلال إنشاء مركز وطني استراتيجي للابتكار وريادة الأعمال يعنى بتوحيد وصياغة ووضع الأدلة الاسترشادية للابتكار عموما وللاستثمار فيه خصوصا، ويعنى كذلك بوضع قواعد أخلاقيات الابتكار على غرار القواعد الأخرى مستفيدا من التجارب الدولية الناجحة ذات السبق في الاستثمار في الابتكار.
ولعلنا نتابع في المقال المقبل - بإذن الله - التحدث عن أهمية البيئة والبنية التعليمية كأحد العوامل المهمة التي يستند إليها نجاح الاستثمار في الابتكار... يتبع.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي