إيجاد الهدف من العلوم الإنسانية «2 من 2»

النموذج البديل للتقييم الذي اخترته لدورة أقوم بتدريسها في جامعة كارنيجي ميلون هو مقال الرأي التقليدي الذي يتألف من 700 إلى ألف كلمة، أي: مثل المقال الذي تقرأه الآن. هذا النموذج هو مثالي للطلاب الذين يكتبون في العصر الرقمي. إن الشخص الذي يسعى لإقناع عدد كبير من القراء من عامة الناس لا يستطيع أن يبدأ بصياغات ثقيلة مثل "في هذا المقال، سأجادل بأن ..."، كما لا يمكن لأحد أن ينجح إذا استخدم النثر المطول المليء بالمصطلحات غير المفهومة.
يجب أن تكون الرسالة جادة فكريا لكن أيضا منسجمة مع ما يجذب القراء بالفعل، ومن أجل النجاح يجب على المرء أن يفكر مليا في الطرح الذي يرغب في تقديمه، يمكن العثور على بعض نتائج هذه التجربة التعليمية في صفحة "الوسيط" التي قمت بإنشائها.
إن التمكن من مثل هذا النوع من التواصل يعني أن طلاب الألفية سيكون لديهم كثير مما يمكن أن يقدموه للعالم، وقد لا يكوننا خبراء من طراز عالمي أو من الحاصلين على جائزة نوبل (على الأقل ليس بعد)، لكن يمكن تعليمهم للاستفادة من مزايا أخرى. في عام 2004، قدم ديفيد شيبلي الذي كان وقتها محررا لمقالات الرأي في صحيفة "نيويورك تايمز" بعض النصائح المفيدة حول أنواع المقالات التي سعى إليها في قسمه ردا على سؤال "هل من المفيد أن تكون مشهورا؟" أجاب: "في واقع الأمر الإجابة هي لا علما أن تقبل الناس للمقالات يصبح أكثر صعوبة بالنسبة للأشخاص الذين لديهم الوسائل لإيصال رسالتهم بطرق أخرى".
إن مقال كاتب شاب سيحقق المطلوب لو استطاع إيصال خبرة كتابته بشكل صادق وفعال. إن شيبلي يشجع كتاب الرأي على التركيز على الصوت وطبقا لكتاب تمهيدي من كلية هارفارد كينيدي، "يمكن أن يكون نطاق الصوت المستخدم في الأعمدة واسعا، تأمليا، تحاوريا، وصفيا، متمرسا، غنيا بالمعلومات، مستنيرا، استبطانيا، دقيق الملاحظة، حزينا، تحريريا، يتسم بنكران الذات، معقدا، مرحا، إضافة إلى غير ذلك من الاحتمالات".
يستغل هذا التنوع السمة التعبيرية المميزة لجيل الألفية ونحن نريد أن نسمع منهم لأن نظرتهم تختلف اختلافا جوهريا عن تلك الخاصة بمواليد الأعوام التالية لنهاية الحرب العالمية الثانية، والجيل الذي أتى بعده الذين يشغلون حاليا مناصب قيادية في السياسة وقطاع الأعمال. من الذي يستفيد عندما تكون الأصوات المسموعة الوحيدة بشأن تغير في الطبيعة تنتمي إلى أولئك الذين سيكونون قد رحلوا عن عالمنا منذ فترة طويلة قبل أن تتجلى أسوأ إمكاناته؟.
إن معالجة مشكلات مثل تغير الطبيعة أو الذكاء الاصطناعي غير المنضبط لن تتطلب اختراقات تكنولوجية فحسب، بل تتطلب أيضا ابتكارا سياسيا ومناقشات حول القيم غير القابلة للقياس وأسئلة تتعلق بالعدالة بين الأجيال. يجب أن يكون الشباب الذين لديهم المصلحة الأكبر في نتائج تلك المناقشات مجهزين للمشاركة فيها بشكل كامل.
لقد وصفت مجلة "تايم" في قصة غلافها لعام 2013 جيل الألفية بطريقة غير جيدة، حيث أشارت إلى أنه جيل يهتم بنفسه فقط، ما يدعم الافتراض الشائع بأن الشباب الذين يكبرون في عصر وسائل التواصل الاجتماعي يقضون كثيرا من الوقت في التركيز على أنفسهم والترويج لشخصياتهم، لكن هؤلاء الشباب هم الوحيدون الذين يمكنهم نقل المعنى الحقيقي لأن تكون مواطنا رقميا وبينما نستكشف طرقا لتنظيم الاقتصاد الرقمي الجديد، هذا هو الدليل الذي يجب أن نسعى له ونحن بحاجة إلى منهج دراسي للعلوم الإنسانية محكم جيدا وهادف جدا لإنتاجه.
خاص بـ "الاقتصادية"
بروجيكت سنديكت، 2021.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي