السبع الكبار .. قمة عسكرية أم اقتصادية؟

السبع الكبار .. قمة عسكرية أم اقتصادية؟
دول المجموعة تمثل 50 في المائة من إجمالي الناتج الداخلي العالمي.
السبع الكبار .. قمة عسكرية أم اقتصادية؟
القمة التي امتدت أشغالها ثلاثة أيام كانت موجهة إلى الأمن أكثر من الاقتصاد.

اختتمت قمة مجموعة السبع الكبار أعمالها في كورنوار البريطانية، لتكون بهذا ثاني اجتماع حضوري لوزراء خارجية المجموعة، خلال العام الجاري، بعد اجتماع أيار (مايو) في لندن. قمة بطعم استثنائي وخاص، بالنظر إلى المخرجات التي تضمنها البيان الختامي من ناحية، وإلى السياق الذي تنظم فيه من ناحية أخرى. ودفعت الملفات الخمسة التي تصدرت جدول أعمال القمة، مراقبين إلى الحديث عن "قمة عسكرية" أكثر منها "قمة اقتصادية".
شاركت في أشغال القمة، علاوة على ممثلي الدول الصناعية السبع: الولايات المتحدة الأمريكية، المملكة المتحدة، فرنسا، ألمانيا، إيطاليا، كندا، اليابان والاتحاد الأوروبي"، رابطة دول جنوب شرق آسيا "آسيان" للمرة الأولى، المنظمة الاقتصادية الآسيوية التي تضم كلا من إندونيسيا وماليزيا والفلبين وسنغافورة وتايلاند وبروناي وفيتنام ولاوس الديمقراطية وبورما وكمبوديا، كما تمت دعوة كل من كوريا الجنوبية، أستراليا، الهند، وجنوب إفريقيا، خلال تولي المملكة المتحدة الرئاسة الدورية لاجتماعات المجموعة هذا العام.
قائمة الدول المشاركة تساعد على فهم استراتيجية المجموعة، واهتمامها المتزايد بمنطقة المحيطين الهندي والهادي، وحرصها الشديد على رص الصفوف في الغرب، قصد ضمان جبهة موحدة بغية التصدي لأي عدوان خارجي. فقد بدت اللحظة أقرب ما تكون إلى إعادة بناء للمعسكر الديمقراطي ضد "الأنظمة الاستبدادية"، أو كما جاء على لسان ليز تراس وزيرة الخارجية البريطانية "يجب أن نتحد بقوة لمواجهة المعتدين الذين يحاولون تقييد مجال الحرية والديمقراطية.. لهذا السبب يجب أن نتحدث بالتأكيد بصوت واحد".
أدرك قادة المعسكر الغربي أن قيم ومبادئ الديمقراطية باتت مهددة من الغريمين التقليدي والحديث، روسيا والصين، ما يفرض اعتماد استراتيجية تقوض هذه التهديدات الواضحة، بدءا من التصعيد المستمر لحدة التوتر بين روسيا وأوكرانيا، لدرجة الحديث عن توغل روسي في أوكرانيا في المقبل من الأيام، مرورا بتحذير إيران من تضييع الفرصة الأخيرة، من أجل التوقيع على الاتفاق النووي، وصولا إلى الحشد العسكري الصيني لتطويق جزيرة تايوان، والتهديد باجتياح صيني لها.
بدا لافتا في البيان الختامي، أن القمة التي امتدت أشغالها ثلاثة أيام، كانت موجهة إلى الأمن أكثر من الاقتصاد، فأغلبية مخرجاتها ضد قوتين عالميتين أو بلغة البيان "المعتدين العالميين"، "روسيا والصين"، من قبيل إخطار موسكو بعواقب الاعتداء على أوكرانيا، وهي خطوة يخشى منها، بسبب الحشد الضخم للقوات الروسية بالقرب من حدود البلاد، ولا سيما مع ظهور توقعات استخباراتية أمريكية تفيد بأن روسيا تخطط لشن هجوم واسع النطاق، 175 ألف جندي، على أوكرانيا في وقت قريب ربما العام المقبل.
تجدد القمة مطالبة منظمة الصحة العالمية بتعميق البحث، قصد معرفة منشأ فيروس كورونا، بشكل شفاف ووفق أسس علمية، مع إلزامية التحقيق مع الصين بهذا الشأن. وعلى الجبهة الاقتصادية ذكر البيان ضرورة التشاور بين الدول الأعضاء لبلورة مناهج جماعية قصد مواجهة السياسات والأساليب غير السوقية للصين التي تقوض العمل العادل والشفاف للاقتصاد العالمي. وشدد على وجوب الانتصار في معركة التكنولوجيا "عبر التأكد من أن معايير التكنولوجيا يحددها الذين يؤمنون بالحرية والديمقراطية"، في إشارة مرة أخرى إلى بكين.
تحاول قمة مجموعة السبع أن تظهر "الصوت الموحد لدول المجموعة التي تمثل 50 في المائة من إجمالي الناتج الداخلي العالمي"، ما يعني في النهاية توقع العواقب التي تنتظر "المعتدين العالميين" في حال قيام أي منهما بمغامرة عسكرية. يبقى الصوت صوتا، أي مجرد قول بلا فعل، ما يجعل روسيا والصين عازمتين على تنفيذ خططهما، خصوصا مع وجود وقائع سابقة "سورية، أوكرانيا..."، اكتفى فيها المعسكر الغربي بالشجب والتنديد والإدانة، دون أن تتلوها خطوات عملية، باستثناء سلاح العقوبات الاقتصادية الذي بات يفقد تدريجيا فاعليته.
تحاول الولايات المتحدة الأمريكية ومن ورائها دول المعسكر الغربي "الديمقراطي" التقاط الأنفاس، من أجل مواصلة السباق مع موسكو وبكين اللتين تحرجان واشنطن بفرض سياسة الأمر الواقع، مستثمرتين الارتباك الحاصل في مراكز صناعة القرار في أمريكا، الذي يراوح ما بين التردد والانعزال والانسحاب، بعيدا عن أي بوصلة موجهة.
ضمن هذا السياق تبدو القمة إذن أبعد ما تكون عن الاقتصاد، وأقرب إلى جبهة موحدة ضد كل من روسيا والصين، مع الحرص على المرور على النقاط الأخرى "الاستثمار في الأسواق الأكثر هشاشة، الأمن الصحي، مواجهة "أوميكرون"..."، قصد "حفظ ماء الوجه"، فالتصعيد الحاصل بدأ يتنامى، ولم يعد كالسابق مقتصرا على التصريحات السياسية، بل هناك تحركات ميدانية من جميع الأطراف، من شأنها أن تقلب معطيات الأوضاع على أرض الواقع في أي لحظة، وفي غفلة من المعسكر "الديمقراطي" الذي صارت أطراف منه مهددة أكثر من أي وقت مضى "أوكرانيا وتايوان".

الأكثر قراءة