2021 .. السياسة تخفف من حصار الجائحة

2021 .. السياسة تخفف من حصار الجائحة
الوباء لم يقهر بعد ولم تعد الحياة لطبيعتها.

أيام قليلة بقيت من عمر 2021، لتنقضي أولى أعوام العقد الثاني من الألفية الثالثة، عام من الانتظار المرهق لجلاء الوباء الذي صفع العالم بأسره، وعلى حين غرة منه، دون إنذار مسبق ولا إخطار. يرحل عام الأماني والتطلعات دون أن يحقق كثيرا منها على الصعيد الصحي، فالوباء لم يقهر بعد، ولم تعد الحياة لطبيعتها، ولا تزال القيود الصحية تحاصر حرية الكثيرين في الفضاء العام. ولا يزال الوباء ينتشر ويتكاثر ويتحور كما يشاء. ولم نربح سوى تعلم حكمة السلحفاة، الصبر مفتاح الفرج الذي يأتي حين يريد.
كسرت الأحداث السياسة المتلاحقة الملل، وخففت من ثقل أيام 2021، فمطلع هذا العام رحل الرئيس الأمريكي دونالد ترمب عن السلطة في الولايات المتحدة، بعد أن أثر بأسلوبه الشعبوي، على مدار أربعة أعوام في السياسة العالمية. وهدأ الاندفاع العالمي، بفعل السياسات المتلاحقة في الاقتصاد والبيئة، مع دخول الديمقراطي جون بايدن إلى المكتب البيضاوي، بفعل محاولاته (العودة لاتفاق المناخ، إنهاء سياسية الانعزال، قيادة المعسكر الديمقراطي).
أوروبيا، دخلت اتفاقية التجارة والتعاون بين الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة، عقب خروج الأخيرة رسميا من الاتحاد الأوروبي، بعد قرار انسحابها في 2016، حيز التنفيذ مطلع العام الجاري. وفي آخر شهر من العام، غادرت أنجيلا ميركل، أقوى امرأة في العالم، منصب المستشارية بعد قضائها أربع ولايات متوالية، استمرت 16 عاما، في قيادة ألمانيا الاتحادية. وعاشت أوروبا واقعة طعن فرنسا من الخلف، بعد تخلي أستراليا عن صفقة غواصات تقليدية لمصلحة أخرى متطورة نظير التحاقها بتحالف أمني ثلاثي بعيدا عن حلف الناتو.
على الصعيد الأوروبي دائما، كشفت تقارير منظمات غير حكومية عن سياسات ممنهجة لدول القارة في التعامل مع طالبي اللجوء على الحدود، مؤكدة وجود عنف وممارسات غير قانونية بحق المهاجرين واللاجئين بغية إجبارهم على العودة. تحول الأمر إلى قضية رأي عام داخل الاتحاد، بعد رصد ممارسات مروعة ممتدة على مختلف الحدود، ومتشابهة من حيث استعمال العنف والإذلال وسلب اللاجئين أغراضهم. وتذهب التقارير إلى تسجيل عشرات الآلاف من عمليات الصد ما بين آب (أغسطس) وتشرين الثاني (نوفمبر) الماضيين.
تابع العالم صيف هذا العام مشاهد الإخفاق الأمريكي الكبير في أفغانستان، إذ أعاد انسحاب الجيش الأمريكي إلى الأذهان السيناريو الفيتنامي، ولا سيما أن عملية الخروج تزامنت مع استيلاء حركة طالبان على الحكم في العاصمة كابول، وهروب الرئيس أشرف غني خارج البلاد، ثم الإعلان عن عمليات الإجلاء، وما تبع ذلك من توترات (تفجير المطار، المقاومة بوادي بانشيروغيرها) حولت هذه الدولة الفقيرة إلى نقطة احتراب ساخنة، قد تصير ساحة حرب بالوكالة وورقة في أيدي دول الجوار توظفها في معارك إقليمية وصراعات دولية.
عززت الكبوة الأمريكية في أفغانستان طموح الصين وروسيا في تجاوز الخطوط الحمراء، والإمعان في فرض سياسة الأمر الواقع، في عديد من المناطق في العالم، فبعد سورية وليبيا تصر موسكو على التغلغل بأدوات ناعمة في القارة السمراء، كما حولتها إلى سوق كبرى لتصريف منتجات صناعاتها العسكرية، مستغلة تشنج العلاقات بين البلدان الاستعمارية (فرنسا وبريطانيا) وبعض دول القارة (مثل إفريقيا الوسطى، مالي، النيجر، السودان). وتتحين الفرصة لاستخدام القوة الخشنة ضد أوكرانيا، فحشد القوات الروسية، أزيد من 100 ألف عسكري، على الحدود ينذر باحتمال اجتياح بري روسي لشرق أوكرانيا.
لم توقع الصين من جهتها سياسة مناكفة الولايات المتحدة في عديد من الأصعدة والمواقع، بدءا من الحرب التجارية بين الدولتين، مرورا بمعركة السيطرة والسعي نحو احتكار الجيل الخامس من تكنولوجيا الاتصالات، وصولا إلى احتدام حدة التوتر في بحر الصين الجنوبي، بعد انكشاف نوايا صينية لغزو تايوان. ما دفع واشنطن إلى التحرك على أكثر من صعيد لثني التنين الصيني عن هذه المغامرة، بإجراء مناورات بحرية وحشد دعم مجموعة السبع الكبار ناهيك عن تشكيل أحلاف محلية (اليابان، أستراليا...) للرد على سيناريو عدوان صيني على تايوان.
إقليميا، تراجع نفود دول حاولت تسويق نفسها كقوى كبرى، قبل أن تفضحها جائحة كورونا. فتولي رمز المحافظين إبراهيم رئيسي، رئاسة الجمهورية في إيران لم يغير الشيء الكثير من المعادلة على أرض الواقع. فالأزمات في بلاد فارس في تزايد، آخرها ثورة العطش بمحافظة أصفهان وسط البلاد، والولاء الخارجي في تراجع، وانحصار نتيجة قلة السيولة وشح التمويل، فالأذرع الإيرانية في المنطقة العربية باتت مكشوفة ومعزولة في عديد من الدول، وصارت تبحث لنفسها عن موارد بديلة تعوض بها إفلاس المرشد.
الأوضاع في تركيا ليست أفضل حالا، فميدان الاقتصاد غير المعارك السياسية، فحتى آخر أسبوع من العام الجاري لم تستطع الليرة التركية وقف تهاويها أمام العملات الأجنبة. ما أوجد ارتباكا بين خبراء الاقتصاد وهلعا في صفوف رجال الأعمال. وكان لنزيف العملة تداعيات كبرى على رفاهية المواطن التركي، حيث تهاوت الأجور وتراجعت القدرة الشرائية، وزادت جائحة كورونا من تأزيم وضع الاقتصاد التركي المتأزم أصلا.
عربيا، كانت قمة العلا التاريخية بالمملكة العربية السعودية إعلان ميلاد صفحة جديدة في مسيرة دول مجلس التعاون الخليجي، بالتأكيد على وحدة الصف، والحرص على ضمان سلامة وأمن البيت الخليجي. عكس مجرى الرياح في الخليج، اهتزت دول المغرب الكبير على وقع إعلان الجزائر قطع علاقاتها الدبلوماسية مع المغرب، في توقيت شديد الحساسية بالنسبة للدولتين الجارتين، ما حول المنطقة المغاربية إلى برميل بارود على وشك الانفجار، فحرائق ليبيا في تزايد، وتونس تبحث عن مرفأ أمان، وموريتانيا أشبه بدولة معزولة عن المنطقة. باختصار، سيخلد هذا العام في الأذهان بصور اقتحام مبنى الكابيتول لتعطيل تصديق الكونجرس على نتائج الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة، أو بواقعة جنوح سفينة الحاويات إيفرجيفن في قناة السويس، ما أدى إلى تعطيل الملاحة في القناة عدة أيام. أو بتعاقب أخبار عودة الانقلابات العسكرية بعدد من دول القارة الإفريقية (مالي، غينيا...). بعيدا عن السياسية والاقتصاد قد يكون الشلل التقني الذي أصاب مواقع شبكات التواصل الاجتماعي، ما أعاد الأفراد إلى ذواتهم لساعات قليلة، الحدث الأبرز غير القابل للنسيان هذا العام.

الأكثر قراءة