بكين تقود التباعد بين أوروبا والولايات المتحدة

بكين تقود التباعد بين أوروبا والولايات المتحدة
الاتحاد الأوروبي قادر على تعزيز الدبلوماسية البناءة.

أصبحت الدول الأوروبية حاليا منقسمة حول إذا ما كان من الواجب عليها أن تنضم إلى مقاطعة دورة الألعاب الأولمبية الشتوية المقبلة في بكين دبلوماسيا. تؤكد هذه الواقعة مرة أخرى أن التباعد بين أوروبا والولايات المتحدة قد يكون شديدا عندما يتعلق الأمر بالتعامل مع الصين.
ووفقا للباحثين روبرت ويليامز، المدير التنفيذي لمركز بول تساي الصيني، وموريتز رودولف مؤلف مبادرة "الحزام والطريق: الآثار المترتبة على النظام الدولي" (WSPC، 2021). فإلى جانب القيم السياسية الأساسية المشتركة، توظف الولايات المتحدة وأوروبا غالبا خطابا متماثلا فيما يتصل بالتحدي الذي تفرضه الصين على النظام الدولي. مع ذلك، لا تستطيع معظم الحكومات الأوروبية التوفيق بين مصالحها ورؤية تحالف تقوده الولايات المتحدة للديمقراطيات في مواجهة الأنظمة الاستبدادية في العالم، ويبدي المسؤولون الأوروبيون النفور من ملاحقة سياسة تركز على الاحتواء في التعامل مع الصين تحت ستار المنافسة.
بينما يريد الاتحاد الأوروبي تعميق التعاون عبر الأطلسي، فلن نجد أي قدر من الإجماع حول كيفية القيام بذلك دون استعداء الصين أو تقويض النظام الدولي الذي يسعى إلى الدفاع عنه، كما أن الحكومات الأوروبية ليست مقتنعة بمصداقية أمريكا كشريك. ربما يقدر بايدن العلاقة بين ضفتي الأطلسي، لكن سلفه دونالد ترمب لم يكن يقدرها حق قدرها. كيف نجزم بما قد يدافع عنه الرئيس الأمريكي التالي، ربما ترمب ذاته؟ يعد هذا الشك أحد الدوافع الرئيسة وراء الجهود التي يبذلها الاتحاد الأوروبي لتفعيل رؤيته بشأن "الاستقلالية الاستراتيجية".
من المؤكد أن هناك مجالا للتعاون عبر الأطلسي بشأن الصين. الواقع أن الجهود المبذولة لدفع مثل هذا التعاون جارية بالفعل، في هيئة مبادرات مثل الحوار بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي بشأن الصين، ومجلس التجارة والتكنولوجيا التابع للولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي. ويجب أن تكون الجهود المشتركة في التصدي للممارسات التجارية المناهضة للمنافسة، وفرض القيود على الصادرات والاستثمارات في الرد على انتهاكات الصين لحقوق الإنسان، والدفع نحو معايير أعلى لمشاريع البنية الأساسية في الخارج، موضع ترحيب.
لكن الأجندة الحالية المشتركة بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي ربما تكون مفرطة الطموح. الواقع أننا في احتياج إلى ترتيب الأولويات بشكل أوضح لتعظيم الفوائد المترتبة على التنسيق. علاوة على ذلك، ستحرز الأنظمة القانونية وتصورات التهديد المتباينة في الولايات المتحدة وأوروبا تقدما في مجالات أساسية، مثل فرض الضرائب على الكربون، أو سياسة مكافحة الاحتكار، أو الاستجابات لحملات التضليل الصينية، لكن ببطء شديد.
الواقع أن آفاق التعاون العسكري والأمني الحقيقي في التعامل مع الصين محدودة بشكل خاص، ففي حين اتخذت دول أوروبية بعض التحركات الرمزية - على سبيل المثال، استعرضت السفينة الحربية الألمانية بايرن أخيرا حق المرور الحر في بحر الصين الجنوبي - فإنها تخشى الذهاب إلى ما هو أبعد من هذا كثيرا.
هذه هي الحال حتى في فرنسا، الدولة الأوروبية الوحيدة التي لها وجود عسكري ملموس في منطقة الهادي الهندي. وكما أوضح جان إيف لودريان وزير الخارجية الفرنسي أخيرا، "نحن لا نقلل من شأن عمق المنافسة مع الصين، التي قد تكون شرسة، والحاجة إلى التقييم المتواصل للمخاطر، لكننا نحاول تجنب عسكرة استراتيجيتنا بما يسمح لنا بضم كل الدول المعنية، مع احترامنا لسيادتها".
يبدو أن هذا العزوف عن اتخاذ موقف متشدد تجاه الصين من المقدر له أن يستمر. وفي حين يبدو من المرجح أن تتبنى الحكومة الجديدة في ألمانيا لهجة أكثر حزما بعض الشيء، فقد اتخذ المستشار أولاف شولتز موقفا حذرا، موضحا أن جميع التدابير يجب أن "تخضع للتقييم بعناية"، ومؤكدا الحاجة للسعي إلى ترسيخ نهج تعاوني.
لذا، لا ينبغي للولايات المتحدة أن تتوقع أن تبدأ ألمانيا في النظر إلى العلاقات مع الصين من خلال عدسة أيديولوجية في المقام الأول في أي وقت قريب، كما أن إخفاقات الاتصال التي تحيط باتفاقية أوكوس AUKUS الدفاعية المبرمة بين أستراليا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة - التي فاجأت فرنسا التي خسرت عقدا دفاعيا كبيرا - تزيد من التأكيد على حدود التعاون العسكري بين الولايات المتحدة وأوروبا في منطقة الهادي الهندي.
لكن التعاون عبر الأطلسي ليس الطريقة الوحيدة التي تستطيع أوروبا من خلالها التأثير في العلاقات الأمريكية الصينية، وتخفيف المخاطر التي ينطوي عليها تدهورها السريع. الآن، يسعى الخبراء الاستراتيجيون حثيثا إلى استخلاص الدروس من التاريخ وابتكار نهج كفيل بتمكين الجانبين من التنافس دون التسبب في إحداث كارثة، خاصة الصراع المسلح. وهنا تستطيع أوروبا أن تساعد.
ينبغي للاتحاد الأوروبي أن يفكر في إطلاق مبادرة دبلوماسية تذكرنا بعملية هلسنكي، التي يعزى إليها الفضل في الحد من التوترات بين الكتلة السوفياتية والكتلة الغربية في سبعينيات القرن الـ20. من خلال هذه العملية، تستطيع أوروبا أن تتوسط في اتفاقيات ترمي إلى تهدئة التصعيد، وخفض المخاطر، وإدارة الأزمة، وبالتالي تقليص احتمالات نشوب صراع مسلح.
الحق أن قدرة أوروبا المحدودة على استعراض القوة العسكرية في منطقة الهادي الهندي قد تكون أمرا محمودا في هذا السياق، لأنها تساعد على تعزيز مصداقية القوى الأوروبية باعتبارها وسيطا نزيها جديرا بالثقة. مقارنة بأصحاب المصلحة الأكثر مباشرة، ربما يكون الاتحاد الأوروبي في وضع أفضل يسمح له بالتوسط في قضايا شائكة مثل تايوان وبحر الصين الجنوبي، وربما يكون حتى قادرا على تعزيز الدبلوماسية البناءة في مجالات مثل الفضاء السيبراني "الإلكتروني" والفضاء الخارجي. في هذه السياقات تعمل القوات الأمريكية والصينية على مقربة بشكل منتظم، وقد يؤدي أي سوء تقدير إلى نشوب حرب.
لا ينبغي لأحد أن يقلل من صعوبة وضع القواعد لمسار قوي بالقدر الكافي لتفادي الصراع. لكن أوروبا تتمتع بميزة نسبية في هذا المجال، وهي ميزة تمكنت من إثباتها مرارا وتكرارا في الماضي. على سبيل المثال، لعبت المفوضية الأوروبية والدول الأوروبية دورا مركزيا في تقديم أنظمة مراقبة الصادرات المتعددة الأطراف، مثل مجموعة موردي المواد النووية وترتيب فاسينار، كما اطلعت أوروبا بدور بالغ الأهمية في المفاوضات مع إيران بشأن برنامجها النووي.
من الواضح أن إطلاق مبادرة يقودها الاتحاد الأوروبي لخفض التصعيد في منطقة الهادي الهندي ليس أمرا مؤكدا على الإطلاق، خاصة في ضوء الزيادة الأخيرة في التوترات بين الاتحاد الأوروبي والصين. لكن مثل هذه المبادرة ستكون متماشية مع هدف الاتحاد الأوروبي المعلن، المتمثل في ملاحقة نهج شامل في المنطقة يعمل على تعزيز النظام الدولي القائم على القواعد. الأمر الأكثر أهمية أنه ربما يوفر أفضل فرصة لتجنب نشوب حرب بين قوى عظمى. أليس هذا هو السبب وراء إنشاء الاتحاد الأوروبي؟!

الأكثر قراءة