مناورات إيران العسكرية .. استمرار للسياسات والأنشطة العبثية
تواصل السياسة الإيرانية مغالاتها في "الاستعراض"، بمحاولة فرض شروطها على المفاوضات النووية، بإيصال رسائل ضمنية، تحاول فيها إظهار نفسها على أنها قوية ذات قدرات واستعدادات عالية، تمكنها من خوض أي مواجهة محتملة مع إسرائيل مدعومة أمريكيا، بعد الفشل المزمن المسيطر على حالة المحادثات المتعلقة بعودة أمريكية لنادي الموقعين مع طهران على تنظيم تجربتها النووية وضبط سير عملها، إذ لم يشهد هذا الماراثون من المفاوضات أي تقدم منذ انسحاب الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترمب من الاتفاق النووي 2018، وما أصابهم من خيبة بعد أن خذلتهم الإدارة الأمريكية الحالية، التي كان من المفترض أن تحمل إرث الرئيس السابق باراك أوباما الموقع على اتفاق 2015.
مصدر هذا الاستعراض، بلا شك كان حيلة أمريكية بحتة، استخدمها الرئيس ترمب أثناء فترة حكمه، عندما نفذ اغتيال قاسم سليماني قائد فيلق القدس السابق، خصوصا عندما تمكن من امتصاص الغضب الإيراني، لتتمكن تغريدة عبر "تويتر" من أن تبرد نار الغضب الإيراني، بعد قتل رجل المرشد الأول، حيث قال في تغريدته "إيران لم تنتصر أبدا في أي حرب، لكنها لم تخسر في أي مفاوضات"، دافعا إياها نحو خيار المفاوضات وكذلك الضغط، دفعها نحو أسلوب ممارسة المناورات العسكرية، ظنا منها أنها تهدد العالم والمنطقة، لتواري سوأتها، بعد فشل شبه شامل فيما يتعلق بإدارة الدولة داخليا وخارجيا على جميع المستويات، تحديدا العسكرية والأمنية، إذ تعرضت عموم الأراضي الإيرانية لتفجيرات واغتيالات استهدفت مراكز حساسة وشخصيات ذات أهمية على مستوى البلاد.
جوهر هذه البلطجة الايرانية، يكمن في المناورات، التي تعد نقمة وليست نعمة على إيران، التي تعتقد أنها ذات مفعول وأسلوب ضغط نافع، وأبرز هذه المناورات، ما تحمله سلسلة المناورات البريئة من اسمها، التي تحمل اسم "الرسول الأعظم" - عليه الصلاة والسلام، وتحديدا ما تشهده المناورات من تغييرات تعتقد طهران أنها قد تغير من واقع المفاوضات، التي تتزامن معها، إذ جاءت بشكل مفاجئ، لتزيد من الأوضاع التباحثية حرجا، مفاقمة وضع الفريق التفاوضي الإيراني، الذي يعاني ضعفا في الخبرة، بعد رحيل فريق محمد جواد ظريف، وتسليم حقيبة المفاوضات لرجالات المرشد في الحرس الثوري الإيراني.
فبعد مضي وقت قصير على مغادرة مجموعة "أي آر جي" التابعة لسفينة "يو أس أس أسكس" المنطقة إلى خليج عدن، للتحضير لتعطيلها المحتمل، أعلنت طهران تنفيذ المناورات بشكل مفاجئ للضغط على المفاوضات المتوقفة في فيينا أو لوقفها لكسب مزيد من الوقت، للحصول على أعلى نسبة من تخصيب اليورانيوم بشكل غير خاضع للرقابة الدولية. من الناحية التكتيكية، تشبه المناورة مناورات "الرسول الأعظم 14" التي جرت في تموز 2020، التي أطلقت على نطاق واسع ردا على الأنشطة التخريبية في جميع أنحاء إيران، وكذلك مناورات "الرسول الأعظم 12"، التي تم إطلاقها في كانون الأول 2018، بعد أن هددت إدارة ترمب بإيصال صادرات النفط الإيرانية إلى طريق مسدود.
الجديد في المناورات أمران أساسيان، الأول أن البيان الافتتاحي للمناورة ألقاه اللواء غلام علي رشيد قائد "مقر خاتم الأنبياء المركزي"، بدلا من الشخص الذي يتولى عادة الافتتاح، وهو اللواء محمد باقري رئيس "هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة"، وقد يعني هذا التغيير أن إيران بدأت تأخذ احتمال نشوب نزاع مسلح على محمل الجد بما يكفي للمضي قدما في الدخول في حرب، مع تولي "مقر خاتم الأنبياء المركزي" المتخصص في زمن الحرب المسؤوليات المتعلقة بالعمليات، بدلا من "هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة".
الأمر الثاني الذي تحمله هذه المناورات أنها تتكون من ثلاثة أجزاء هي: زيادة الاستعداد القتالي من خلال اختبار أسلحة وتكتيكات جديدة، ومحاكاة أحد "السيناريوهات الهجومية الأكثر تطورا" للحرس الثوري الإيراني ضمن إطار حربي هجين باستخدام أساليب حركية وغير حركية متداخلة، لزيادة فاعلية أسلوب الردع الذكي الخاص بإيران، أي من خلال الجدل بأن إسرائيل لن تهاجم إيران دون أن يتم إعطاؤها ضوءا أخضر من الولايات المتحدة، فقد ألمح إلى أن طهران ستحاسب واشنطن على أي عمل عسكري ضدها.
أفادت بعض التقارير بأن المناورات شملت هجمات منسقة متنوعة بالذخيرة الحية على أهداف بحرية وبرية باستخدام طائرات مسلحة بدون طيار، وصواريخ جوالة مضادة للسفن، وصواريخ باليستية أرض-أرض قصيرة المدى، وغواصين مسلحين بألغام ملتصقة مغناطيسية، وخليط من هجمات المركبات المدرعة والمروحيات، وجميعها مدعومة بشبكة متكاملة من الدفاع الجوي، لكن هذا النوع من الممارسات لا يجدي نوعا في عالم سريع التطور، تسيطر عليه الحرب الإلكترونية، والهجمات السيبرانية، التي أثبتت عجزا إيرانيا في مواجهتها، فيما أثبتت هذه الهجمات فاعلية بعلامة كاملة، خصوصا أن أي مواجهة عسكرية ذات طابع تقليدي قد تكلف إيران تخلفا لمئات الأعوام، فأي مواجهة عسكرية لن تكون في مصلحة طهران.
حالة التوتر بين العالم أجمع وإيران، سببها السياسات الإيرانية العبثية في المنطقة، وأسلوبها غير المسؤول في تهديد العالم بسعيها للحصول على السلاح النووي، كما تفضح هذه المناورات خوف صانعي السياسة الإيرانية، من لوائح جديدة من القيود والعقوبات عليها، إذ تحاول طهران تحييد واشنطن عن إسرائيل، لكن العقد الأمريكي الإسرائيلي والمصالح الأمريكية في المنطقة، أبعد مما ترمي إليه الأهداف الإيرانية، فقد ألمح رشيد إلى أن طهران ستحاسب واشنطن على أي عمل عسكري ضدها.
هذه البلطجة الإيرانية، تحديدا المناورات، بمنزلة عبء على إيران ذاتها أكثر مما تقدمه من فوائد، ففي كل مناورة تظهر الثغرات، وتنكشف نقاط الضعف العسكرية، كما تحرج صانعي السياسة هناك أمام المجتمع الدولي، فالطائرات المسيرة، التي عرضت في المناورات ذات شبه كبير بالمسيرات المفخخة، المستخدمة في استهداف منشآت نفطية سعودية تابعة لشركة أرامكو في 2019، وتحديدا منشآت خريص وبقيق، كما أن الطائرات المسيرة، التي سبق عرضها في معرض صالح الصماد القيادي الحوثي الذي تمت تصفيته سابقا، التي ادعت الجماعة أنها صناعة محلية يمنية، هي ذاتها التي ظهرت في المناورات.
ولا يقف الأمر عند إثبات تورط إيران في هجمات معادية للسعودية، فالمناورات أثبتت ضعفا في تأدية التنسيق القتالي خلالها، إذ سبق أن شهدت مناورات عسكرية سابقة في 2020، مقتل 19 عنصرا من قواتها وإصابة 15 آخرين جراء تعرض بارجتها الحربية "كنارك" لنيران صديقة عن طريق الخطأ في مياه الخليج، إذ أصيبت البارجة بصاروخ عن طريق الخطأ مصدره المدمرة الحربية "جماران" في بحر عمان، والحجة كانت أن البارجة لم تلتزم بمسافة الأمان.