إيران .. مقدرات الشعب تستنزفها الصواريخ
أعلن الناطق باسم وزارة الدفاع الإيراني، نهاية الأسبوع الماضي، أن الصاروخ الذي أطلقته إيران إلى الفضاء فشل في وضع ثلاثة أجهزة في المدار، لعدم قدرته على بلوغ السرعة المطلوبة. تزامن الأمر مع أطوار الجولة الثامنة من مفاوضات إحياء الاتفاق النووي الإيراني في العاصمة النمساوية فيينا، ما جر انتقادات غربية على طهران. لم تتوان الخارجية الإيرانية في الرد عنها، مؤكدة "أن التقدم العلمي والبحثي في مجال الجو والفضاء حق بديهي للشعب الإيراني".
تعد هذه خامس محاولة فاشلة لإيران من أجل وضع قمر اصطناعي في الفضاء، منذ 2017، فآخر محاولة كانت مع القمر "ظفر1"، شباط (فبراير) 2020، وقبله محاولتان، "بيام" ثم "دوستي"، 2019. مقابل ذلك، نجحت في إطلاق أول قمر اصطناعي، أوميد "الأمل"، 2008، تلاه قمر ثان راساد "المراقبة" بعد عامين، ثم قمر نافيد "الوعد" 2012.
تحدث عمليات إطلاق الصواريخ إلى الفضاء في انتهاك صارخ لقرار مجلس الأمن الدولي رقم 2231 الذي دعم الاتفاق النووي، ودعا إيران إلى الامتناع عن تطوير صواريخ باليستية قادرة على حمل رؤوس نووية. وكثفت طهران أخيرا من جهودها للتقدم أكثر في تكنولوجيا الفضاء، اعتبارا للأولوية التي يحظى بها هذا المجال بالنسبة إلى الحكومة الحالية.
يذكر أن ولادة البرنامج الفضائي الإيراني كانت من رحم برنامج الصواريخ، الذي انطلق أواخر عقد الثمانينيات، بمساعدة كل من كوريا الشمالية والصين وليبيا والاتحاد السوفياتي. وتعزز 2003 في ولاية الرئيس محمد خاتمي في وكالة الفضاء الإيرانية التي حملت اسم "المجلس الأعلى للفضاء". لقيت هذه الأداة التنفيذية المسؤولة عن كل البرامج العسكرية والمدنية، وافر العناية والاهتمام في ظل رئاسة محمود أحمدي نجاد، ما أدى في النهاية إلى إطلاق إيران أول قمر اصطناعي "أوميد" بعد نحو خمسة أعوام فقط.
أواسط 2013، افتتح وزير الدفاع الإيراني مركز "الإمام جعفر الصادق للرصد الفضائي" لرصد الأجرام الفضائية والأقمار الاصطناعية. بضعة أعوام بعد ذلك، وتحديدا في تموز (يوليو) 2017، تم تدشين مركز الإمام الخميني للفضاء، منشأة الفضاء الرئيسة في الدولة الواقعة في محافظة سمنان جنوب شرق العاصمة طهران، التي أتى عليها حريق شباط (فبراير) 2017، وأودى بحياة ثلاثة باحثين فيها.
يفتخر أتباع المرشد وحواريوه في طهران بأن إيران باتت من بين تسع دول في العالم تمتلك تقنية الفضاء الخارجي. ويتكلم كثيرون عن نحاج بلادهم في تحقيق تنمية في اقتصاد الفضاء خلال عشرة أعوام فقط، ما بين 2008 حتى 2016، بنسبة بلغت 139 في المائة، مع توقعات محلية بتحقيق هذا الاقتصاد نسبة نمو تصل إلى 407 في المائة، خلال العقدين المقبلين.
تبقى هذه الأرقام مؤشرات على نجاح دولة المرشد في غزو الفضاء، لكنها بلا دلالة أمام معطيات واقعية تفيد، بحسب تقرير "مراقبة الفقر" لوزارة العمل والرعاية الاجتماعية في الحكومة الإيرانية، أن خط الفقر زاد 38 في المائة مقارنة بـ2020. تجنب التقرير تدقيق الأرقام، واستعاض عنها بالنسبة المئوية، واكتفى بالإشارة إلى الأرقام المسجلة 2019، حيث بلغ عدد المسجلين تحت خط الفقر في الدولة نحو 26 مليونا و500 ألف شخص.
وتحدث مرتضى بختياري رئيس لجنة الإغاثة، في آب (أغسطس) الماضي عن معدلات الفقر في إيران، مؤكدا أن نحو 33 في المائة من سكان إيران تحت خط الفقر متعدد الأبعاد، ما بين 2001 و2019، وأن السكان الذين يعيشون تحت خط الفقر المطلق، وصلوا إلى 15 في المائة من 2013 إلى 2017، لكن هذه النسبة تضاعفت، لتصل إلى 30 في المائة ما بين 2017 و2019، وحاز التومان الإيراني، خلال العام الماضي، المرتبة الأولى عالميا، من حيث انخفاض قيمة العملة، والتحق نحو أربعة ملايين إيراني بالبطالة 2020، ما أوصل معدل البطالة إلى 35 في المائة.
لا قيمة لأي نجاح في غزو الفضاء حين تقابله خسارة كسب أرواح المواطنين، فتقارير وزارة الصحة تتحدث عن زيادة سنوية في معدلات الانتحارات 5 في المائة، وارتفع المعدل في الأعوام الأربعة من 2015 إلى 2019 إلى 15 في المائة سنويا، وازدادت حالات الانتحار في إيران على مدى العقود الأربعة الماضية، فبعدما كانت إيران في قائمة أدنى معدل للانتحار خلال عقد الثمانينيات، فمن 1.3 لكل مائة ألف نسمة 1984 إلى ستة لكل مائة ألف نسمة في 2004، ارتفع إلى 125.24 لكل مائة ألف نسمة في 2018.
تبقى منجزات الفضاء بلا طعم في دولة ينتفض أبناؤها في ثورة العطش، فحصول الإيرانيين اليوم في محافظات خوزستان وتشهار محال وبختياري وأصفهان... على مياه تروي ظمأهم وتضمن لهم البقاء على قيد الحياة في عام شح وقحط، أكثر نفعا من إطلاق صاروخ الفضاء أو قذيفة نحو كوكب زحل. أليست الـ300 مدينة التي دخلت في حالة إجهاد مائي بسبب قلة الأمطار، منذ الصيف الماضي، في أمس الحاجة إلى الأموال والجهود المبذولة في مغامرات إرسال قمر اصطناعي إلى الفضاء.
أيا تكن نتائج المحاولات المتكررة في كسب معركة الفضاء، فستظل بلا أثر يذكر في نظر شريحة واسعة داخل إيران. فأهواء المرشد وأنصاره غير تطلعات الإيرانيين نحو سبل حياة توفر لهم سبل العيش الكريم، بمستوى عيش مواطني دول الإقليم ذاته، ممن رأى قادتها أن الشعب أساس قوة ومصداقية أي دولة في العالم، فحسم هذا الرهان كفيل بضمان كسب الدولة بقية المعارك في البر والبحر والجو والفضاء.