مكافحة الإرهاب جهد مستمر وليس حربا

مكافحة الإرهاب جهد مستمر وليس حربا
الأدوات غير العسكرية مكون مهم في الاستراتيجية الناجحة لمكافحة الإرهاب.
مكافحة الإرهاب جهد مستمر وليس حربا
لا يوجد نصر واضح بالنظر إلى زيادة المسلحين النشطين.

ثلاثة خبراء فرنسيين يستطلعون تطور مكافحة الإرهاب في القرن الـ21 ويقيمون الكيفية التي يجب بموجبها أن يتكيف الكفاح ضد عنف الأيديولوجيين واليمين المتطرف في الأعوام المقبلة.
"في 17 كانون الأول (ديسمبر)، عقد معهد واشنطن منتدى سياسيا افتراضيا مع مارك هيكر وإيلي تينينباوم، المؤلفين المشاركين لـ"حرب العشرين عاما: مكافحة الإرهاب في القرن الحادي والعشرين". وهيكر هو مدير الأبحاث والاتصالات في "المعهد الفرنسي للعلاقات الدولية"، حيث يترأس تينينباوم "مركز الدراسات الأمنية" التابع لهذا المعهد. وفيما يلي ملخص المقررة لعرضهما المشترك، إلى جانب الرؤى الختامية للويس دوجيت-جروس الدبلوماسي الفرنسي والزميل الزائر في معهد واشنطن.
عند تقييم الصراع ضد التنظيمات الإرهابية، بإمكان المرء أن يفهم بشكل أفضل الفترة التي أعقبت هجمات 11 أيلول (سبتمبر) على أنها خمس مراحل من الدورة الاستراتيجية، ولكل منها انتصاراتها وخسائرها وأهدافها التوجيهية.

- 2001-2006: قدرة الولايات المتحدة على تعطيل بعض الخلايا المسلحة، مع إدراكها في النهاية حدود التدخل العسكري من خلال الجهود الفاشلة لتحقيق الاستقرار.
- 2006-2011: تبني قوات الدول الغربية نهج مكافحة التمرد.
- 2011-2014: "انتقام الإرهابيين" في أعقاب "الربيع العربي"، مع سيطرة تنظيم داعش على الأراضي وحشده القوة.
- 2014-2017: محاولة الولايات المتحدة وشركائها مواجهة تنظيم داعش والجماعات الإرهابية الأخرى من خلال وجود عسكري أكثر خفة.
- 2017-2021: إمكانية اعتبار الفترة الحالية "انتصارا غريبا"، وهو تلاعب بالكلمات من كتاب مارك بلوخ بعنوان "الهزيمة الغريبة" الصادر 1940، الذي خلص إلى أن احتلال ألمانيا فرنسا نشأ جزئيا عن الفشل في فهم أن "الإيقاع الكامل للحرب الحديثة قد تغير". واليوم، تمكن الغرب من منع ظهور منظمة إرهابية كبرى أخرى، لكنه لم يواجه بشكل كاف عددا كبيرا من القوى الكامنة وراء التهديد الإرهابي.
ومع ظهور مرحلة جديدة محتملة، يتم تحديد بيئة مكافحة الإرهاب من خلال مجموعة من النجاحات التكتيكية والتغييرات في الأولويات. فمن ناحية، لم تعد الجماعات الإرهابية مثل تنظيمي داعش والقاعدة تشكل تهديدا دائما وخطيرا للدول الغربية كما كانت في السابق. ومن ناحية أخرى، أدى تحدي قياس المكاسب السياسية مقابل التكاليف إلى إحباط استراتيجي وإرهاق من الحرب حتى مع انتشار التهديدات الإرهابية جغرافيا. إضافة إلى ذلك، نقلت واشنطن وشركاؤها، بمن فيهم فرنسا، قضايا جديدة إلى رأس جدول أعمالهم - وفي عصر تتنافس فيه القوى العظمى، وينتشر خلاله فيروس كورونا، وتتفاقم أزمة المناخ، تراجعت مكافحة الإرهاب إلى الخلفية.

من المنتصر في الحرب على الإرهاب؟

عند تقييم الحرب على الإرهاب من منظور "الانتصار أو الهزيمة"، لا يتم التوصل إلى نتيجة واضحة. لكن من الأفضل فهم مكافحة الإرهاب على أنها جهد مستمر وليس حربا، وهو مصطلح يشير إلى إمكانية تحقيق نصر نهائي لأحد الطرفين وهزيمة كاملة للطرف الآخر. وقد فشلت الجماعات الإرهابية في تحقيق أهدافها الكبرى مثل إقامة خلافة وتخليص العالم الإسلامي من النفوذ الغربي، لكن هذا الفشل لا يشكل بالضرورة انتصارا للغرب. فعلى الرغم من النجاح التكتيكي الكبير، يمكن القول إن الدول الغربية عانت الفشل الاستراتيجي بالقدر نفسه تقريبا.
على سبيل المثال، حتى مع انخفاض الوفيات المرتبطة بالإرهاب، زاد بشكل كبير عدد المقاتلين المتطرفين في جميع أنحاء العالم، بينما ثبت أن تحقيق المكاسب في معركة الأفكار أمر صعب بالنسبة إلى الدول الغربية. ومن غير الواضح إذا ما كان ذلك يمثل توسعا في التأثير العالمي للحركة الإرهابية أو زيادة في القوة النسبية للجماعات المحلية، ما قد يشكل علامة تحذير من جهود متجددة لتطوير الشبكات العالمية. وفي كلتا الحالتين، يستمر التهديد في الخارج وداخل حدود الدول الغربية، ويتخذ شكل راديكالية مباشرة، ويأتي ضمن سلسلة متواصلة تكتسب فيها حركات اليمين المتطرف زخما.

دروس للغرب

في الماضي، غالبا ما أدى الميل إلى التقليل من التقدير والمبالغة في رد الفعل، إلى تقويض جهود الغرب لمكافحة الإرهاب، فقد تجاهل عديد من القادة السياسيين التهديدات الإرهابية، التي جاءت بتكلفة، وعلى الأخص قبل هجمات 11 أيلول (سبتمبر)، ولاحقا من خلال بروز تنظيم داعش. وفي مراحل أخرى، جرى التعامل مع التهديد بجدية أكبر، ما أدى في كثير من الأحيان إلى ردود غير متناسبة مكنت الجماعات المسلحة في النهاية من جرف أتباع جدد نحو التطرف وتجنيدهم للمشاركة في الأعمال القتالية.
وفي الفترة اللاحقة، يجب على الغرب تطوير آليات جديدة لدعم جهود مكافحة الإرهاب بموارد أقل من السابق، مع التركيز على العقلانية والاستدامة. وقد يشمل هذا الحد من الطموحات السياسية التي دفعت صناع القرار في الماضي إلى تبني حملات بناء الديمقراطية والتدخلات الليبرالية. وبدلا من ذلك، قد يكون الاعتماد بشكل أساسي على الأدوات غير العسكرية التي تبني قدرة الشريك أكثر فاعلية في تحقيق الاستقرار في المناطق التي يمارس فيها الإرهابيون سيطرة كبيرة.
وفي الوقت نفسه، يجب أن يبقى الشركاء الغربيون يقظين من خلال تتبع تطور الجماعات ذات النفوذ المحلي، من أجل احتواء أي تطلعات أوسع قد تكون لديهم. ومن الممكن أن تنفصل الجماعات عن الشبكات الإرهابية الدولية، لكن إثبات قيامها بذلك أمر معقد. وعلى هذا النحو، يجب على الغرب النظر في ابتكار عملية تدقيق تسهم في التحقق من الاستقلال الفعلي لهذه الجماعات.
وفي منطقة الساحل، واصلت فرنسا جهودها بوجود عسكري خفيف قوامه بضعة آلاف جندي فقط. وعلى الرغم من صعوبة تغيير ديناميكيات الصراع بشكل أساسي باستخدام هذه القوة المحدودة، إلا أن النجاحات التكتيكية للبعثة توضح ميزة الانتشار الصغير بل الاستراتيجي. يجب على فرنسا أن تبني على هذا النجاح من خلال زيادة الاستثمار في التدابير السياسية والاجتماعية لتعزيز الحوكمة والتنمية. ومن خلال تخصيص موارد إضافية لفهم السياقات المحلية، قد تكون الدول الغربية أكثر استعدادا لتقديم مساومات سياسية لخدمة أهداف أكبر. ولهذا النهج إمكانات كبيرة إذا تم تنفيذه بشكل استراتيجي. وهو بالتأكيد لا يستلزم التفاوض مع الإرهابيين، بل يعني تجنب الاندفاع نحو عرقلة المفاوضات الداخلية بشكل منهجي في المجتمعات التي يمثل فيها الإرهابيون حقيقة من حقائق الحياة.
وعلى نطاق أوسع، يعكس الوجود الفرنسي في منطقة الساحل التحول الجيوسياسي بعيدا عن نهج الأمن الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة الذي يمكنه الشركاء. وقد جرى التشكيك في مصداقية الولايات المتحدة خلال إدارة ترمب، ما دفع القوى الغربية الأخرى إلى أن تصبح أكثر اكتفاء ذاتيا. ويستعد الحلفاء حاليا لاتخاذ الإجراءات اللازمة والسماح للولايات المتحدة بالقيادة من الصفوف الخلفية، لكن على واشنطن تقبل "النظرية" بأن الدور الداعم يعني أن أجندتها لم تعد لها الأسبقية.
وبالتوازي مع التنظيمات الإرهابية، يكتسب التهديد الذي تشكله حركات اليمين المتطرف زخما في الوقت الحالي في فرنسا ودول غربية أخرى. ولا تزال التنظيمات الإرهابية هي الشاغل الأساسي لعديد من الدول الأوروبية، لكن هاتين الأيديولوجيتين موجودتان في سلسلة متصلة، ويجب التعامل معهما على هذا النحو. وعندما سافر آلاف الأوروبيين "فرنسيون على وجه الخصوص" إلى سورية والعراق ابتداء من 2013، لم يكن لدى باريس نهج راسخ لمنع التطرف العنيف. يجب على الحكومات أن تتعلم من هذا الخطأ وأن تطور آليات قوية غير عسكرية لمواجهة التهديد. وعند قيامها بذلك، يجب أن تحرص على عدم المبالغة في رد الفعل، أو تكرار أخطاء الماضي التي تقوي المعارضة.

ملاحظات من لويس دوجيت-جروس

من المؤكد أن حملات مكافحة الإرهاب التي نفذتها الدول الغربية قللت من نفوذ الجماعات الإرهابية الرئيسة، لكن لا يوجد نصر واضح بالنظر إلى زيادة المقاتلين النشطين والوجود الإرهابي المتزايد في ساحات بديلة، وقد يكون ذلك نتيجة عدم تماثل الإرادة، حيث تبقى الروح المعنوية للإرهابيين قوية بينما يتضاءل التزام الدول الغربية.
ومهما كانت الحالة، تعد الأدوات غير العسكرية مكونا مهما من الاستراتيجية الناجحة لمكافحة الإرهاب، كما يتضح من تطور العمليات الفرنسية في منطقة الساحل الإفريقي والتركيز على بناء القدرات المحلية. وفي المستقبل، يجب النظر أيضا إلى مكافحة الإرهاب في سياق الأولويات الجديدة بدلا من اعتبارها مسألة منفصلة ومنخفضة الأولوية. على سبيل المثال، سيكون لتغير المناخ تأثير خطير في التدفقات السكانية، لذلك من الضروري على صناع القرار النظر في الكيفية التي يمكن بموجبها لهذه الظاهرة وغيرها من الظواهر غير المسبوقة أن تعزز الجماعات الإرهابية في المستقبل.

الأكثر قراءة