ما الذي يجمع بين كازاخستان وأوكرانيا؟
لم تتناول القناة الأولى المملوكة للدولة، مصدر البث الإخباري الرئيس في روسيا والمنفذ الأساس للكرملين، نتائج المحادثات الأمريكية الروسية الأخيرة التي دامت ثماني ساعات في جنيف، حتى الدقيقة الـ11 من نشرتها الإخبارية. ركز الخبران الأول والثاني على الأحداث في كازاختسان، خاصة المشاورات الافتراضية التي أجراها الرئيس فلاديمير بوتين مع قادة منظمة معاهدة الأمن الجماعي. ويبدو أن بوتين أراد إبهار الروس بطرق أخرى غير توجيه إنذار نهائي إلى الغرب، كذريعة لغزو أوكرانيا.
الواقع أن نشر قوات روسية للمساعدة على قمع الاضطرابات في كازاخستان يتفق تماما مع الجهود التي يبذلها بوتين لإعادة تشكيل الهيمنة الروسية من خلال القوة العسكرية. بحسب تقرير سواومير سيراكوفسكي، مؤسس حركة كريتيكا بوليتيتشانا، زميل أقدم في المجلس الألماني للعلاقات الخارجية. إذ يسعى بوتين إلى محو 25 عاما من السياسة الأمنية الغربية عن طريق تقليص سيادة أوكرانيا، وجورجيا، ومولدوفا، بل حتى جمهوريات سوفياتية سابقة ــ إستونيا، ولاتفيا، وليتوانيا ــ انضمت بالفعل إلى منظمة حلف شمال الأطلسي. ولتعزيز موقفه التفاوضي، يريد بوتين أن يظهر أن روسيا تملك شيئا أشبه بحلف شمال الأطلسي.
رغم أن منظمة معاهدة الأمن الجماعي، وهي كيان أشبه بنسخة خفيفة من حلف وارسو، تأسست في تسعينيات القرن الـ20، إلا أنه لم يستخدمها الكرملين قط لتبرير التدخل الأجنبي حتى الآن في حالة كازاخستان. لم تتدخل منظمة معاهدة الأمن الجماعي عندما طلبت قيرغيزستان مساعدة روسيا في 2010، ولا عندما فعلت أرمينيا الشيء ذاته خلال نزاعها الأخير مع أذربيجان حول ناجورني كاراباخ.
لكن يبدو أن الكرملين تعلم الآن الدروس من الانتفاضات الشعبية في بيلاروسيا وأوكرانيا على مدار العقد الماضي. لإطلاق مهام مشتركة مع ألكسندر لوكاشينكو زعيم بيلاروسيا، كان بوسع بوتين ببساطة أن يختبئ خلف ستار منظمة معاهدة الأمن الجماعي. وما ينبئنا بكثير هنا أن "مهمة حفظ السلام العسكرية" التابعة لمنظمة "معاهدة الأمن الجماعي" في كازاخستان يرأسها أندريه سيرديوكوف القائد العسكري الروسي، وهو الرجل ذاته الذي قاد العمليات العسكرية للاستيلاء على شبه جزيرة القرم في 2014، الذي تولى بعد ذلك قيادة القوات الروسية في سورية.
من المؤكد أن دخول روسيا إلى كازاخستان جذب انتباه الغرب. تشكل المواد الخام "النفط والغاز واليورانيوم" الأصول الأكثر أهمية لدى كازاخستان، فضلا عن موقعها المركزي في مبادرة الحزام والطريق الصينية، التي تتفرع إلى إيران، وتركيا، وروسيا. في عهد نور سلطان نزارباييف، الذي حكم لثلاثة عقود من الزمن قبل أن يتنحى عن الرئاسة في 2019، حافظت كازاخستان على سياسة تتسم بالاستقلالية النسبية في التعامل مع روسيا، والصين، والولايات المتحدة، لكن الآن، تحول هذا التوازن على نحو مفاجئ.
لكن من غير الواضح على وجه التحديد ماذا يأمل الكرملين تحقيقه في كازاخستان. إذا حاول السيطرة على مواردها، فستنتهي به الحال إلى مواجهة مع الصين، وهو ما لا يستطيع أن يتحمله. ولا يستطيع الكرملين السيطرة على الموقف السياسي هناك. فقد حقق المحتجون بالفعل أهدافهم المتمثلة في إرغام الحكومة على الاستقالة واستعادة سقف أسعار الوقود "كانت مضاعفة أسعار الوقود السبب الذي أشعل شرارة الاضطرابات".
لكن بعد أعوام من وقوف الكرملين متفرجا ومراقبة احتلال الولايات المتحدة والصين لكازاخستان اقتصاديا، يتعين على هاتين القوتين الآن أن تراقبا الجنود الروس وهم يساعدون على حراسة المدن في كازاخستان. تمتلك شركات مثل شيفرون، وإكسون موبيل، وشركات النفط الأوروبية حقولا ومنشآت في مختلف أنحاء كازخستان، وعلى هذا فإن آخر شيء تريده هو صراع أعمق.
كما هي الحال دوما مع بوتين، يمثل الجمهور المحلي اعتبارا أساسيا. الواقع أن معظم الروس - بمن في ذلك عديد من المحللين المستقلين وشخصيات المعارضة - يعدون كازاخستان جزءا من "العالم الروسي". وكما جرت العادة مع الناطقين باللغة الروسية في أوكرانيا، يتلخص الافتراض الأساسي في أن جميع الناطقين باللغة الروسية في كازاخستان هم في حقيقة الأمر روس، لا يحلمون إلا بضمهم إلى الوطن الأم. في تسعينيات القرن الـ20، دعا القوميون المتطرفون، بمن فيهم زعيم الحزب الديمقراطي الليبرالي فلاديمير جيرينوفسكي والكاتب ألكسندر سولجينيتسن، صراحة إلى دمج شمال كازاخستان في روسيا.
غير أن عديدا من أهل كازاخستان الناطقين باللغة الروسية ليسوا موالين لروسيا، ولا يريدون دمج دولتهم جزئيا أو كليا في روسيا. فهناك أوكرانيون وكازاخستانيون يتحدثون الروسية فقط ولا يريدون أن تكون الروسية اللغة الرسمية في دولتهم. لكن بوتين لا يبالي بأي من هذا، فهو يرى مجرد وجود أقلية روسية - التي يبالغ عادة في تقدير حجمها عدة مرات - مبررا كافيا لضم دولة مجاورة إلى مجال نفوذ روسيا.
لكن الكرملين قد يخسر كثيرا في كازاخستان، فقد يؤدي نشر 2500 جندي إلى تعزيز نفوذ روسيا، لكن الإبقاء على الوجود العسكري من شأنه أن يستعدي أهل كازاخستان، تماما كما تسببت تدخلات سابقة في استعداء الأوكرانيين والبيلاروسيين الذين اعتادوا على اعتبار أنفسهم مؤيدين لروسيا.
لن يكون لهذا الاستعداء سوى أهمية جيوسياسية هامشية في الأمدين القريب والمتوسط، لكنه في الأمد البعيد قد يفضي إلى مزيد من الاستقلال. بعد جورجيا في 2008، وأوكرانيا في 2014، وبيلاروسيا في 2020، تعد كازاخستان فصلا آخر في رواية بوتين الجديدة. لكن هذا يجعلها أيضا مجتمعا آخر مواليا لروسيا تقليديا، أصبح بوتين عرضة لخطر خسارته. ورغم أن التدخل من المفترض أن يخيف المحتجين ويحملهم على الخضوع، فإنه قد يخلف التأثير المعاكس، فينقلب أهل كازاخستان بشكل حاسم ضد روسيا.
يعد الوجود العسكري الروسي في كازاخستان مصدرا إضافيا للضغط مع سعي بوتين إلى تحقيق هدفه الثاني: إبرام اتفاق غير مكتوب لوقف اندماج أوكرانيا وجورجيا في الغرب. لولا الإنذار الروسي بشأن عضوية منظمة حلف شمال الأطلسي، فإن مجرد طلب سحب الدعم الغربي لأوكرانيا سيكون تصرفا متطرفا. لكن على هذه الخلفية، يبدو أن هدف بوتين يمثل خطة الحد الأدنى، أقرب إلى التسوية. ومن الواضح أن مسار الأحداث الكامل في كازاخستان وعلى طول الحدود الأوكرانية يخدم هذا الغرض.
إذا لم تصرخ وسائل الإعلام التي يسيطر عليها الكرملين، بعد ثماني ساعات من المحادثات، بأن روسيا أهينت واستفزت على النحو الذي يحملها على اتخاذ تصرف معين، فيبدو أن النتيجة لم تكن ذريعة لغزو أوكرانيا. كان من المفترض أن يتعلم الغرب من نشر قوات منظمة معاهدة الأمن الجماعي في كازاخستان أن روسيا مساوية للولايات المتحدة، ولديها حلف خاص بها على غرار حلف شمال الأطلسي، وتمتلك القدرة على توسيع نفوذها إلى الدول المجاورة الكبيرة. على حد تعبير سيرجي ريابكوف نائب وزير الخارجية الروسي، "يجب أن تحصل روسيا على شيء من حلف شمال الأطلسي".
من الآن فصاعدا، سيشكل الاتفاق على إبقاء أوكرانيا خارج الحلف مطلب الحد الأدنى وليس الحد الأقصى من جانب روسيا. وقد ينجح هذا. فبينما يلزم الإعلان عن انضمام أي دولة إلى حلف شمال الأطلسي، فإن القرار باستبعاد دولة ما بشكل نهائي لا يستلزم الإعلان.