إيران .. تآكل أجهزة النظام الأمنية

إيران .. تآكل أجهزة النظام الأمنية
الشواهد كثيرة على عدم مهنية واحترافية أجهزة الأمن الإيرانية.

يتآكل النظام الأمني الاستخباراتي الإيراني ذاتيا، كاتبا بيديه بداية النهاية الذاتية لمنظومة فاسدة، لم تعمل يوما للمصلحة العامة، وكان هدفها خدمة المصالح الخاصة، لتكون النتيجة اليوم كل أشكال الاختراق التقليدية وغير التقليدية، وكأن هذه المنظومة الفريسة الأسهل وصولا لأعداء النظام الكثر. فالمنطق الأمني كان ولا يزال غائبا عن الأمور العظام، التي تمس الأمن القومي للبلاد، لكنه السيف المسلط على المواطنين المطالبين بأدنى حقوقهم. هذه العقلية القديمة هي السبب في الاختراقات المتكررة، التي تضرب عصب المنظومة الأمنية الإيرانية، التي شهدت أحداثا جساما منذ اغتيال فخري محسن زادة العالم النووي في نوفمبر 2020، إضافة إلى سرقة ملفات متعلقة بالمشروع النووي الإيراني لمصلحة إسرائيل، الحدث الذي أربك السلطات الإيرانية، وأثار الشكوك حول كفاءة استخباراتها، التي تتباهى بقدراتها على التوغل في عمق الدول.
المنظومة الأمنية والاستخباراتية، التي لاحقت علماء العراق بعد سقوط بغداد 2003، وتبنت تصفية كل من لا يتواطأ معها، هي ذاتها المنظومة المهترئة، العاجزة عن الاحتفاظ بمعلومات البلاد القومية، بل كانت غائبة في هذه الأحداث، التي تعد مفصلية من عمر البلاد، بدءا من الهجوم المتزامن تقريبا لتنظيم داعش الإرهابي على البرلمان الإيراني، إضافة إلى الهجوم على مرقد الخميني 2017، كما غابت الاستخبارات الإيرانية عن قراءة الوقائع، التي أحدثت "الثورة الخضراء 2009" التي يسميها النظام "الفتنة"، واحتجاجات ديسمبر 2017، كما غابت غيابا تاما عن حادثة اغتيال قاسم سليماني قائد فيلق القدس السابق، الذي عجزت الاستخبارات الإيرانية عن التنبؤ به.
محسن رضائي، أمين عام مجمع تشخيص مصلحة النظام حينها، والقائد السابق للحرس الثوري، وجه رسالة إلى الرئيس الإيراني السابق حسن روحاني إثر اغتيال فخري زاده، قائلا "هذه العمليات الإرهابية تنم عن ضعف الأجهزة الاستخبارية الإيرانية، ولا بد من وضع حد له"، أمر الاختراق لم يقتصر على مستوى العلماء والوثائق، بل وصل إلى أكثر من ذلك بكثير، خصوصا بعد اكتشاف المنشآت النووية، مثل منشأة فوردو المبنية تحت الأرض في قلب الجبال، ففي سبتمبر 2009 أطل الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما شخصيا، معلنا وجود هذه المنشأة، كما استهداف منشأة نطنز النووية مرات عدة.
كما علق على الاختراقات وضعف المنظومة الأمنية والاستخباراتية الرئيس الإيراني السابق محمود أحمدي نجاد، منتقدا الأوضاع، إذ بلغت التكلفة التقديرية للخسائر الناجمة عن ضربات منشأة نطنز النووية نحو عشرة مليارات دولار أمريكي، مصوبا نقده اللاذع، نحو الأجهزة الأمنية، التي اتهمها صراحة بالخروج عن الدستور الإيراني، متحسفا على المبالغ الطائلة، التي أنفقت على الأجهزة الأمنية الاستخباراتية، إذ اتهمها بالتغافل عن الأمور الأمنية الكبرى، كحفظ حياة العلماء النوويين، وحراسة المنشآت النووية، وغارقة في التجسس والتنصت على الشعب العادي، مطالبا الجهات الأمنية المختصة بزرع كاميراتها في الأماكن الحساسة، مثل وكالة الفضاء الإيرانية، التي اخترقت، من خلال ثقب السقف، لتسرق أعدادا كبيرة من الوثائق المهمة جدا. والغريب أن جميع هذه الحوادث لم تتم بفعل هجوم سيبراني، إنما باستخدام عملاء من داخل إيران، كما أن الخلل قديم، وهذه التصريحات جاءت بعد رفض أهلية نجاد دخول سباق انتخابات الرئاسة 2021.
الخسائر المعنوية والسياسية التي لحقت بإيران، نتيجة بعض ممارسات الأجهزة الأمنية والاستخباراتية كبيرة، وأخطاؤها المرتكبة خارج البلاد أكبر، إذ تسبب التخطيط لتفجير اجتماع المعارضة الإيرانية في باريس، في إلحاق أضرار سياسية بالغة بين النظام الإيراني وقصر الإليزيه، خصوصا بعد اعتقال أسد الله أسدي الدبلوماسي الإيراني المكلف بالقيام بهذه المهمة، وتسجيل النظام الإيراني سابقة غريبة في إناطة هذه المهمة إلى رجل دبلوماسي، الأمر الذي أثر سلبا في صورة إيران في أوروبا والعالم.
الشواهد كثيرة على عدم مهنية واحترافية أجهزة الاستخبارات الإيرانية، وعلى رأسها جهاز استخبارات الحرس الثوري، الخلل الأمني الاستخباراتي يكمن في معالجة الأمور وطريقة التعاطي معها من قبل القائمين على القطاع الأمني الإيراني، وهذا في حد ذاته انعكاس لحالة التدخل في شؤون الآخرين، كما هي الحال في العراق وسورية واليمن ولبنان، فالأجهزة تعمل على العبث، وهي متأثرة بصنع الأزمات لا التعامل معها، حيث تبدع المنظومة الأمنية الاستخباراتية الإيرانية في العمل على المكافحة لا الوقاية. ومنطقيا لا ينبغي السماح بوقوع التهديد ثم مواجهته، بل يجب أن يكون طرح المخططات، بحيث تمنع وقوع التهديد أصلا.
العقلية الأمنية تؤمن بالتعددية على حساب التخصص، إذ قامت منهجيتها المؤسسية على صنع رديف أو أكثر لكل جهاز حساس في الدولة لضمان التبعية والولاء على حساب الإتقان والاحتراف المهني، حيث بلغ عدد هذه الأجهزة الاستخباراتية نحو 16 جهازا، ويمثل هذا التوسع في العمل الاستخباراتي والأمني في جزء منه، هذا التوسع في عدد الأجهزة الاستخبارية، وتقاطع أو تضارب صلاحياتها، واختصاصاتها، الذي يشار إليه أحيانا بظاهر الأجهزة الموازية، أنتج خللا هيكليا، ووظيفيا في هذه الأجهزة، وانعكس سلبا على أدائها وكفاءتها. غموض بعض القوانين، وعدم شفافيتها، واتباع الأسلوب الموازي في سير العمل، الذي ينتج النزاع حول الصلاحيات، والتداخل في الواجبات، غالبا ما يؤدي إلى تنافس عقيم النتائج، والسعي لإجهاض نشاط الآخر.
النتائج الكارثية في المنظومة الأمنية والاستخباراتية الإيرانية لها أسباب عدة، أبرزها إبعاد أهل الاختصاص الاستخباراتي عن منصب وزير الاستخبارات، وعدم اكتراثهم به، باعتباره يولي الأولوية للخلفية الدينية للوزير المكلف، التي غالبا تعني عدم اطلاعه الكافي على الشؤون الاستخبارية، كما أن إمكانية استدعاء البرلمان الإيراني وزير الاستخبارات، واستجوابه، والتحقيق الفاحص في شؤون وزارة الاستخبارات، سينتج عنه مزيد من الضعف، إضافة إلى الضبابية في ضمان إنفاذ قرارات مجلس التنسيق الاستخباري، والمكلف بمتابعتها مع جميع الأجهزة الاستخبارية والأمنية.

الأكثر قراءة