الطاقة البديلة الواعدة والمستقبل
رغم أن وكالة الطاقة الدولية طالبت المجتمع الدولي مرارا وتكرارا بضرورة زيادة الاستثمار في البحث عن بدائل للطاقة التقليدية، وبالتحديد حذرت الوكالة المجتمع الدولي من احتمالات انخفاض الكميات المتاحة من الفحم الحجري وأنواع الطاقة الأخرى، بسبب المعدلات المتزايدة في الاستهلاك العالمي، إلا أن المجتمع الدولي ضرب بتحذيرات الوكالة الدولية عرض الحائط علما بأن معدلات الاستهلاك مرشحة للزيادة بعد جائحة كورونا.
وإننا قد أخذنا بزمام المبادرات في البحث عن موارد الطاقة البديلة لاستخدامات المستقبل، بل وبعد دراسات عميقة توصلت الجهات المهتمة إلى قناعة كاملة بأن الطاقة البديلة الواعدة هي الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، ثم الطاقة النووية.
ومن نعم الله علينا أن مخزون المملكة من الطاقة الشمسية يفوق مخزون أي دولة أخرى في العالم، ولهذا يمكننا تأكيد أن الطاقة الشمسية هي إحدى الثروات الطبيعية التي تخيم على أراضي المملكة من أقصاها إلى أقصاها. ومنذ ما ينوف على الـ 20 عاما كانت السعودية حريصة على تنمية موارد الطاقة الشمسية جنبا إلى جنب مع الموارد البترولية، ويومذاك أنشأت المركز الوطني للعلوم والتكنولوجيا "الذي أصبح اسمه فيما بعد مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية"، ودعمته بالمال والرجال، ووفرت له أكفأ الكفاءات، واستمر الاهتمام بهذا المركز يتواصل عاما بعد عام حتى توصلت مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية إلى بناء ما كان يعرف بـالمجمع الشمسي لإنتاج الطاقة الكهربائية في القرية الشمسية التي أقيمت في محيط ثلاث قرى هي: العيينة والجبيلة والهجرة التي كانت تقع في شمال العاصمة الرياض، ولكنها الآن أصبحت جزءا لا يتجزأ من العاصمة الكبرى الرياض.
ولم تتوقف جهود مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية، بل واصلت المملكة جهودها الرامية إلى تطوير مواردها من الطاقة الشمسية حتى بلغت مكانة متقدمة في مجال تطوير تكنولوجيا الطاقة الشمسية، وحققت نجاحات لا تقل عن مستوى ما تحقق لدى بعض الدول المتقدمة، ولذلك كانت دول أوروبية عديدة تنظر إلى المملكة بشيء كبير من التقدير بعد أن وقفت على مدى التقدم الذي حققته مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية في مجال استخدام الطاقة الشمسية وتنفيذ بعض برامج التنمية وبالذات في مجال إنتاج الكهرباء، وهو الإنتاج الذي كان يستخدم الكمية الأكبر من استهلاك البترول.
وأذكر أن مدينة الملك عبدالعزيز نظمت ندوة عالمية في قرية العيينة إحدى القرى الثلاث التي يتكون منها المجمع الشمسي، وكان الهدف من الندوة العالمية هو تقييم نتائج التجربة السعودية في مجال استخدامات الطاقة الشمسية، وحضر الندوة كبار العلماء من كل أنحاء العالم، ولقد أجمع العلماء الذين حضروا من أوروبا وأمريكا على أن النظام الذي توصلت إليه المملكة في القرية الشمسية يعد من أوائل الأنظمة الشمسية على مستوى العالم، وأكدوا خلال الندوة أنه لم يتم إنشاء مشروع يماثل هذه القرية من حيث الحجم والجودة التي ترقى إلى مستوى ما وصلت إليه الدول المتقدمة.
وإذا كانت أزمة الطاقة في الثمانينيات قد جاءت لأسباب سياسية وزالت مع زوال أسبابها، فإن أزمة الطاقة في المستقبل ستجيء لأسباب طبيعية واقتصادية، لأن آبار البترول في كثير من الدول المنتجة قد بلغت مرحلة عدم الاعتماد الفعلي عليها مثل إندونيسيا وبحر الشمال والنرويج، بل إن بعض الدول الأخرى تجاوزت مراحل أخيرة من قلة إنتاجها، إضافة إلى أن الاكتشافات الجديدة ضنينة ولم تعد بالحجم الذي كانت عليه في السبعينيات والثمانينيات، في مقابل ذلك فإن معدلات استهلاك البترول ما زالت تتزايد، ولعل ما يزيد من احتمالات نشوب أزمة محتملة في الطاقة هو المناخ السياسي المتوتر بين إيران التي تصر على تنفيذ برنامجها النووي والغرب الذي يهدد إيران بضربة عسكرية استباقية.
وهذا يؤكد أن أزمة الطاقة التي بدأت سوق البترول العالمية تتعرض لها عقب جائحة كورونا، هي أزمة حقيقية، وبدأت كل الأسواق تتأثر بها، وبدأ الاهتمام بتطوير الاستثمارات في مشاريع الطاقة الشمسية، بهدف استغلالها لأغراض التنمية المستدامة في مجالات كثيرة منها توليد الطاقة الكهربائية، وتحلية المياه المالحة، وتطوير وتنمية الزراعة المحمية واستخدامها ـ على نطاق واسع ـ في جميع مجالات الحياة، وبالتأكيد فإن الظروف الآن لاستغلال الطاقة الشمسية وتطويرها أفضل مما كانت عليه قبل عقدين من الزمان، إذ إن العلم حقق تقدما مذهلا في مجالات الحاسبات والتقنيات وتوصل إلى معجزة الاتصالات عبر الإنترنت والفضائيات بكل أشكالها وألوانها التي يمكن أن تقدم لأبحاث الطاقة الشمسية مزيدا من المساهمات في مجالات التنمية المستدامة التي باتت تقوم على موارد الطاقة الشمسية أكثر من كل موارد الطاقة الأخرى.