الحوثي .. مغامرات عمادها نشر الخراب والدمار
أثبتت الأحداث الأخيرة ضعف السياسي الحوثي ومن يقف خلفه من صانعي قرار في طهران، بقراءة المشهد العام للأحداث، مسيئين تقدير الملف الانقلابي في اليمن، واللعب بالنار مع داعمي الشرعية في التحالف العربي، تحديدا بعد رد المجتمع الدولي الضعيف على حادثة قرصنة السفينة المدنية الإماراتية "روابي" مطلع هذا الشهر، الذي اقتصر على التنديد والشجب دون اتخاذ إجراءات عقابية أكثر جدية وعملية ضد جماعة الحوثي وداعميها، معتبرين هذا الرد رخصة بمواصلة إرهابهم العدواني في المنطقة. لكن ما يلفت الأنظار هذه المرة، هو ارتفاع إيقاع الضربات وتوجيه بوصلتها نحو الإمارات، ليخوض الانقلابيون مغامرة جديدة تفتقر إلى تقدير العواقب.
أبوظبي عاصمة الإمارات، التي تشارك الرياض السراء والضراء نالتها يد الغدر الحوثي، إذ تمكنت طائرات مسيرة إيرانية الصنع - بحسب مراقبين - أطلقتها الميليشيا الإرهابية من مطار صنعاء، مستهدفة محيط مطار أبوظبي ومدينة الصفيح الصناعية، لتكون حصيلة الخسائر البشرية ثلاثة مقيمين من شهداء لقمة العيش، أحدهم باكستاني واثنان من الجنسية الهندية، كما أصيب ستة أشخاص في منشأة النفط والغاز، عندما تسبب حريق في انفجار صهاريج وقود. القرار أكبر من قياس قيادة الجماعة الحوثية، فهو قادم من طهران ومغلف بالشمع الأحمر.
لكن النتيجة كانت ضربات كارثية على الحوثيين، حيث تكبدوا هزائم إضافية في ساحة المعركة ماديا ومعنويا، كما أن الحملة الأخيرة للتحالف العربي أوجعتهم على الرغم من أنها ذات طابع دفاعي، كما أن الضربة تسببت في تعزيز الإدانة الدولية للحوثيين والتضامن مع الإمارات والسعودية، فالضربة الحوثية للإمارات، جاءت ردا على واحدة من أشد الانتكاسات العسكرية للحوثيين في الأعوام الثلاثة الماضية، فقبل أسبوعين فقط، كانت الجماعة يمكنها السيطرة على مركز الطاقة الرئيس في مأرب، إضافة إلى ممر مهم آخر لإنتاج النفط والغاز بين تلك المدينة وخليج عدن، مرورا بمحافظة شبوة، ومع ذلك، ففي وقت قصير، نجحت ضربة نفذتها التعزيزات ضد الحوثيين التي أعيد نشرها في إخراج القوات الأمامية للجماعة من شبوة، ما خفف الضغط على مأرب.
التحالف العربي شن ضربات جوية على معاقل ومعسكرات ميليشيا الحوثي في العاصمة صنعاء، ودك معاقل القيادات الحوثية هناك، وقتل مسلحين من الحوثيين، أبرزهم العميد الركن طيار عبدالله قاسم الجنيد مسؤول في قطاع الطيران الحربي، مدير كلية الطيران والدفاع الجوي في غارات جوية مكثفة، ردا على استخدام صواريخ كروز وباليستية وطائرات مسيرة، في هجوم أبوظبي. وبحسب مراقبين، تظهر الضربات هشاشة جماعة الحوثي العسكرية على الأرض، كما أن للضربات مفعولا كبيرا في الحد من تطاولات إيران بدعم ميليشياتها الإرهابية المنتشرة في عموم اليمن.
أظهرت الردود المنددة الواسعة بالاعتداء الحوثي على أبوظبي والرياض، أن الأصدقاء الدوليين يقفون اليوم إلى جانب التحالف العربي، ويدعمون خياراته، حيث وجهت دعوة إماراتية مدعومة سعوديا إلى الإدارة الأمريكية، لإعادة تصنيف الحوثيين منظمة إرهابية أجنبية، تمارس نشاطا إرهابيا لمصلحة كيان آخر على أرض اليمن، إذ إن التعاطي الدولي مع رعونة جماعة الانقلاب في صنعاء، أصبح يتطلب ردا قويا وصوتا دوليا واحدا ليكون مسموعا ومؤثرا، دافعا إياهم نحو وقف العدوان على دول جوار اليمن، وأن يوقفوا احتلال البلاد، من خلال تغليب المصلحة الوطنية اليمنية على النفوذ والمزايا الإيرانية.
أعادت الضربات الحوثية الأخيرة للأراضي الإماراتية تشكيل الموقف الدولي وتوحيده، إذ أعلن الرئيس الأمريكي جو بايدن أن وضع ميليشيات الحوثي على قوائم الإرهاب مجددا هو مسألة قيد النظر، إذ تجاوزت ميليشيات الحوثي جميع المحاذير والخطوط الحمر بما تمثله من تهديد لأمن المنطقة واستقرارها، ما دفع المجتمع الدولي إلى ضرورة اتخاذ موقف دولي حازم تجاه مثل هذه الممارسات العدوانية، حيث إن هذا التصعيد غير القانوني والمثير للقلق، هو خطوة أخرى في جهود الحوثيين لنشر الإرهاب والفوضى في المنطقة، ومحاولة أخرى من قبل الحوثيين، لاستخدام القدرات، التي اكتسبوها بشكل غير قانوني، في تحد للعقوبات المفروضة من قبل الأمم المتحدة، لتهديد السلام والأمن، فالضربات على المدن السعودية والإماراتية هي بمنزلة جرائم حرب، وتتطلب إدانة جماعية قاطعة، فالميليشيات ولدت من رحم الحرس الثوري في إيران.
بوصلة الأحداث وعنصر الخبرة، والفارق بين الدولة والعصابة والتزامات المؤثرين في الصراع اليمني، أظهرت مدى جدية التحالف والتزامه نحو تحقيق الأمن والاستقرار في اليمن والمنطقة والعالم، لكن في المقابل هنالك عصابة ذات خبرة تراكمية قليلة، عمادها نشر الشر والخراب والدمار، فالميليشيا الحوثية المدعومة من إيران، يعرف القاصي والداني سياساتها الشاذة في المنطقة ورغبتها اللامتناهية في إشعال فتيل الحروب في المنطقة. والطريقة الفضلى لجلب الحوثيين إلى طاولة محادثات السلام هي القضاء على أملهم في تحقيق انتصار عسكري كامل، إذ أثبتت التجارب أن تقليل الضغط العسكري على الحوثيين منحهم الأمل في إمكانية غزو اليمن كاملا بالقوة، ما قلل من حافزهم للانخراط بجدية في محادثات السلام، وربما وبشكل متوقع، أدى إلى فشل الجهود الدبلوماسية متعددة الأطراف بعد أعوام من العمل الشاق.
أظهر التحالف العربي في اليمن أخيرا، قدرته على تنفيذ استراتيجية حربية موحدة على المستوى الوطني، وفي حال أعيد تصنيف الميليشيا الحوثية في قوائم الجماعات الإرهابية أمريكيا، فسيكثف التحالف العربي ضرباته، ما سينتج عنه إخلاء الحوثيين المدن، والتخلي عن السيطرة على مصادر الطاقة، والعودة إلى الجبال للقتال على طريقة حرب العصابات، ما يفقدهم مزايا كبيرة، أبرزها الدروع البشرية، التي يحتمون بها.