الكاشوف والتطور الدفاعي والاستثماري
عند الحديث عن التقنيات والأنظمة الإلكترونية الأكثر فاعلية في عالم الابتكار النوعي لا بد من ذكر الكاشوف وهو أحد الأسماء التي يعرف بها نظام الرادار أحد الأنظمة الإلكترونية الحساسة المتطورة التي تزيد من القدرات الدفاعية التي يجب امتلاكها والاستثمار فيها بشكل كبير، وسأتناول في هذا المقال التعريف بشكل مختصر بهذا النظام وأنواعه واستخداماته وأهميته ودوره في التطور الدفاعي والاستثمار الاقتصادي.
هذا النظام الإلكتروني الكاشوف أو ما يسمى أيضا الراصد هو نظام إلكتروني يستخدم الموجات الكهرومغناطيسية لتحديد اتجاه وسرعة وارتفاع وإحداثيات مواقع الأهداف المقصودة سواء كانت هذه الأهداف جوية - طائرات بمختلف أنواعها الصغيرة والكبيرة أو غيرها - أو أهدافا أرضية مثل السيارات أو بحرية كالسفن بمختلف أنواعها، كما يعرف هذا النظام بالرادار RADAR ويقصد بهذه الكلمة كشف وتحديد المسافة بالراديو وهي اختصار لـ Radio Detection And Ranging، وبدأت فكرة هذا النظام بأول براءة اختراع لجهاز يمكنه كشف الأهداف على بعد مسافات معينة عام 1904 وكانت لمهندس يدعى كريستيان هولسماير Christian Hulsmeyer ألماني الجنسية حيث أثبت باختراعه أن بالإمكان تحديد الأجسام الصلبة "المعدنية" عن طريق إرسال هذه الموجات الكهرومغناطيسية، التي عند انعكاسها، بسبب اصطدامها بأجسام صلبة يتم التحقق من وجود تلك الأجسام عندها يتعرف عليها جهاز الاستقبال، وفي الأغلب تكون هذه الموجات المنعكسة للمستقبل Receiver ضعيفة فيتم العمل على تضخيمها وتكبيرها حتى يتمكن الكاشوف الرادار من تمييزها، إلا أن أول اختراع للكاشوف يحسب للمخترع روبرت ألكسندر واتسون وات Robert Alexander Watson-Watt بريطاني الجنسية حيث تم اختباره بشكل متكامل عام 1935. وتطورت الأبحاث في هذا السياق وأصبح هناك تنافس قوي بين الدول الأوروبية وأمريكا وروسيا بشكل كبير، خصوصا منذ الحربين العالميتين الأولى والثانية، وأثناء الحرب الباردة آنذاك وأصبحنا نرى تطورا هائلا في صناعة الرادارات وبترددات مختلفة، خصوصا مع التطورات الحاسوبية والمعالجات الرقمية التي مكنت من زيادة الكفاءة والقدرة على تحليل واستخلاص كمية المعلومات الضخمة من الإشارات المرتدة عن الأهداف في المجالات المقصودة.
تنوعت المهام التي يستخدم الكاشوف "الرادار" من أجلها كالمراقبة Surveillance والتتبع Tracking والتصوير الراداري Radar Imaging والكشف Detection واختراق الأرض Ground Penetration لكشف ما تحت سطحها، وأصبحت هناك أنواع عديدة من هذه الرادارات المتنوعة حسب المجال الذي تم تطويرها وتصنيعها من أجله سواء تلك المدنية منها أو العسكرية.
واستفاد بعض مراكز الأبحاث الدولية وشركات التكنولوجيا المتطورة من التطور والتقدم في تصنيع تقنيات أشباه الموصلات CMOS BiCMOS وتقنيات MIMO، وأصبحت تعمل على تطوير أبحاثها وابتكاراتها في مجال تصنيع الرادارات على الرقائق الإلكترونية التي سيكون لها دور مهم وكبير في تغيير هيكلة البيئة المجتمعية، خصوصا في مجال الصحة ومراقبة حالات المرضى ووسائل التنقل الذاتي "كتصنيع المركبات ذاتية القيادة"، والمنازل الذكية والروبوتات وغيرها.
كما تتصدر تقنية الكاشوف قائمة الأنظمة الدفاعية المتطورة والحديثة ويعد امتلاك هذه التقنية الابتكارية النوعية موضوعا مهما تسعى له الدول وتعمل على تطويره، وأصبح التنافس الحقيقي في ذلك ملموسا وواضحا لتحقيق الأسبقية والاستدامة في القوة والريادة والاستثمار، ولزيادة القدرة الدفاعية سعت الدول الكبرى لتطوير هذا النوع من الرادارات وتحويله من رادارات ثنائية الأبعاد إلى أنواع أكثر دقة وتطورا وإلى رادارات ثلاثية الأبعاد للكشف والتتبع والإنذار المبكر، والتنافس في تطويرها لتصل لأقصى مدى لكشف ورصد الأهداف بأنواعها المختلفة. وطور كثير من الشركات الكبرى في هذا المجال أنواعا عديدة من الرادارات ورصد بعض الدول برامج مهمة لذلك، منها على سبيل المثال برنامج الرادار التمييزي بعيد المدى Long Range Discrimination Radar Program التابع لوكالة الدفاع الصاروخي الأمريكية MDA الذي تم اختباره أخيرا بقاعدة كلير الجوية في ألاسكا، حيث سيوفر قوة دفاعية عالية جدا كشفا وتتبعا لأي نوع من الهجمات الصاروخية ومن المقرر دخوله الخدمة الفعلية عام 2023.
وكما ذكرت في المقالات السابقة أن الاستثمار وتعزيز القدرة الدفاعية يعتمد في عصرنا الحالي على الابتكارات النوعية كتقنيات الروبوتات والحساسات الإلكترونية المتقدمة وأنظمة الأقمار الصناعية وتحدثنا بشيء من التفصيل عن أنظمة الطائرات دون طيار والدرونز وفي هذا المقال عن أحد أهم أنواع الحساسات الإلكترونية ألا وهو الرادار، وضرورة تكامل هذه العناصر مجتمعة، وهنا يأتي دور وزارة التعليم في نشر ثقافة الوعي بهذه الأنظمة والهيئات مثل الهيئة العامة للصناعات العسكرية والهيئة العامة للتطوير الدفاعي وهيئة تنمية البحث والتطوير والابتكار ودورها التكاملي مع الشركات مثل الشركة السعودية للصناعات العسكرية SAMI وغيرها للخروج بخطط استراتيجية تكاملية لتطوير مثل هذه الابتكارات النوعية وغيرها، ما سيكون له الأثر الإيجابي الكبير في النمو الاقتصادي والصناعي عموما، وفي القطاع الدفاعي خصوصا.