عالميا .. أخذ الجائحة على محمل الجد أنجع وسيلة لمواجهتها

عالميا .. أخذ الجائحة على محمل الجد أنجع وسيلة لمواجهتها
واشنطن اليوم مؤهلة لقيادة معركة طويلة الأمد ضد فيروس كورونا.
عالميا .. أخذ الجائحة على محمل الجد أنجع وسيلة لمواجهتها
الدول التي اتخذت الجائحة على محمل الجد اعتمدت على الفحوصات واتبعت إجراءات استثنائية.

في الأشهر الأولى من جائحة كورونا، أجاب وزير صحة في إحدى الدول عن سؤال يتعلق بمستقبل فيروس كورونا، بأن الفيروس "سينشف ويموت"، لكن اليوم وبالاقتراب من الذكرى الثانية لتسجيل الحالة الأولى في مدينة ووهان الصينية في الربع الأول من 2020، يتضح أن مسلسل الجائحة طويل، وعلى طريقة المسلسلات المكسيكية، لكن بدون أي حاجة إلى المتابعة، فالجميع عرضة لأن يكونوا ضحاياه أو أبطاله، فالوجع طال الجميع صحيا واجتماعيا واقتصاديا وعلى المستويات كافة، وإن حصل البشر كافة على اللقاح فمن المستبعد أن يختفي الفيروس المستجد، لأنه اتخذ من أجسام الحيوانات موطنا له، بما في ذلك القرود والقطط والغزلان، ما يعزز إمكانية انتقاله من الحيوانات إلى البشر وتحوره أو حتى انتقاله من البشر إلى الحيوانات وتحوره وانتقاله مرة أخرى إلى البشر، والعالم أمام خيارات محصورة إما التعايش معه أو محاربته، لكن كلا الخيارين يتطلب قدرات وتضحيات.
"مناعة القطيع" في مواجهة فيروس كورونا وعرابها بوريس جونسون رئيس الوزراء البريطاني، الذي سرعان ما تخلى عنها، أصبحت مستحيلة الحدوث بعد ظهور سلالات جديدة من المتحورات، وللحد من التأثير من فاعلية المتحورات الجديدة، لا بد من الاتجاه نحو أخذ اللقاح والجرعات المعززة له، وعلى الرغم من الاكتفاء بالجرعة التنشيطية الثالثة عالميا، فإن الدراسات الأمريكية تشير إلى أن اللقاحات المعتمدة لديها مثل جونسون، وفايزر، وموديرنا فعالة حاليا، لكن التباطؤ في تلقي اللقاح قد يجعلها عديمة الفائدة أمام طفرات السلالات الجديدة ذات الطابع الشرس في المستقبل القريب، ما يتطلب جرعات رابعة وخامسة وحتى سادسة إذا دعت الحاجة، وستكون هذه اللقاحات ذات تركيبة مختلفة عن الموجودة اليوم، وهذا يعني أن الدول والكيانات أمام تحديات لوجستية، تتطلب جهودا استثنائية لأخذ التطعيمات، لكن التحدي الأبرز هو الرهان على الطواقم الطبية، التي تعيش حالة إرهاق مزمن بسبب الحالات المرضية، التي سجلتها الجائحة، وما يرافقها من أمراض تنفسية مصاحبة.
وعلى الرغم من حالة التعايش الجديدة مع الجائحة، إلا أن حالة الاستخفاف بالفيروس ما زالت موجودة لدى شريحة كبيرة في المجتمعات، وهذه الفئة كان لها دور سلبي في التعاطي مع الأمور، ما ترتبت عليه نتائج كارثية في ارتفاع تسجيل الحالات، وما يترتب عليها من وفيات لم تكتب لها النجاة من فيروس كورونا. وعند الحديث عن الاستخفاف لا بد من التوقف عند شخصيات كانت قد تسببت في أضرار كبيرة، أبرزها الرئيس الصيني تشي جين بينج، الذي لم تمنح بلاده الاهتمام الكافي للتقارير الطبية المحلية، التي تشير إلى ظهور مرض غامض في مدينة ووهان، كما تساهلت بكين في الإجراءات الوقائية، وسمحت للمواطنين بالتنقل دون قيود، لقضاء احتفالات رأس السنة القمرية، وهو ما أدى إلى انتشار الفيروس خارج حدود الصين.
من جهة أخرى، لم يكن الضرر أقل بسبب سياسات الخصم الأول للصين، حيث قللت الإدارة الأمريكية السابقة من خطورة الجائحة، ما أدى إلى التكاسل في اتخاذ قرار الإغلاق المبكر والشامل للبلاد، ما تسبب في فشل تنسيق الاستجابات بين الأنظمة الصحية في الولايات المختلفة، إضافة إلى اختلاف الإدارات الأمريكية السابقة مع المسؤولين في علم الفيروسات والأمراض المعدية في مراكز مكافحة انتشار العدوى والأمراض والوقاية منها، ما أدى إلى تسجيل الولايات المتحدة 25 في المائة من الإصابات، و20 في المائة من الوفيات على مستوى العالم خلال العام الأول من الجائحة.
الدول التي اتخذت الجائحة على محمل الجد اعتمدت على الفحوصات، واتبعت إجراءات استثنائية قاسية جدا، مثل الإغلاق التام، وألغت الرحلات الجوية والمهرجانات السنوية، وفرضت الحجر المجتمعي، لكنها في المقابل سجلت انخفاضا كبيرا في عدد الحالات، بينما شهدت الدول التي لم تتم فيها إجراءات وقائية ولم تعتمد اختبار إظهار الإصابة من عدمه فوضى كبيرة وعجزا في النظام الصحي، بتسجيل ارتفاع حاد في عدد الحالات، وبقيت تحت رحمة دول أخرى لتساعدها في الحصول على المنح الطبية، كأجهزة الأكسجين والأسرة الطبية وأجهزة فحص الفيروس، وعلاوة على كل ذلك فقد خسرت الكيانات السياسية صاحبة القرار ثقة شعوبها، وهذا أحد أهم الأسباب التي أقصت الإدارة الجمهورية في الانتخابات الأمريكية الأخيرة، وجلبت الإدارة الديمقراطية إلى البيت الأبيض.
واشنطن اليوم مؤهلة لقيادة معركة طويلة الأمد ضد فيروس كورونا، فهي، بحسب دراسة موسعة نشرتها مجلة "الشؤون الخارجية"، Affairs Foreign، بصفتها دولة غنية وقوية ومتقدمة علميا، لكن وفق ضوابط وسمات معينة أبرزها أن يتميز الداخل الأمريكي بعدم تسجيل إصابات بالفيروس، وهو ما سيتزامن مع استمرار عمليات التطعيم، وتعقب الحالات المرضية بشكل حازم لمنع انتشاره، وكذلك مضاعفة الجهود لتطعيم الفئات الأكثر عرضة للمرض، إضافة إلى معالجة إدارة بايدن للانقسامات الداخلية، وحشد بقية العالم للانضمام إليها في أكبر تجربة للتعاون الصحي العالمي، من خلال تحقيق هاتين السمتين، تصبح الولايات المتحدة قوية من الداخل، ويمكنها الانطلاق لقيادة المعركة ضد الفيروس في الخارج.
للضرورة أحكام، وعلى واشنطن أن تتجه بصحبة الدول المقتدرة ماديا وعلميا إلى اتخاذ تدابير مستقبلية، للتعامل مع أي سلالات متحورة جديدة، من خلال تطوير جيل جديد من اللقاحات لتكون مناسبة وأكثر فاعلية للدول النامية، تحديدا الدول الإفريقية، التي شهدت ظهور سلالات من المتحورات، وتحمل جميع التكاليف المتعلقة بتصنيع اللقاحات، بحيث تكون مستقبلا أقل من التكلفة الحالية، كما تتطلب الأوضاع الجديدة لقاحات بمزايا مختلفة عن الحالية، بأن تكون ذات قدرة على تحمل درجات تبريد أقل من الحالية، لوقف حالة الاستنزاف، التي أصابت إمداد اللقاحات، كما يجب أن تكون بفاعلية جرعة واحدة فقط، عوضا عن الجرعات المتعددة، إضافة إلى تمتعها بالاستجابة للتطوير عليها، لاستيعاب أي سلالات جديدة قد تظهر في ذلك الوقت، خصوصا في فصل الشتاء، ومن متطلبات اللقاحات الجديدة أن تخرج من شكلها التقليدي على شكل حقن، بأن تحمل طرقا جديدة على صورة رذاذ للأنف أو قطرات فموية أو من خلال وضع لاصق جلدي، وبفضل هذه الابتكارات، يمكن للولايات المتحدة قيادة العالم للسيطرة على الجائحة.
لكن مراقبين للجائحة وتطوراتها يشككون سياسيا، في نية واشنطن، باقتصار معالجتها على الوضع الصحي، معتبرينها ستستغل أي مبادرة لمصلحتها سياسيا، وهذا ما يخشاه العالم، تحديدا الدول النامية والفقيرة، معزين شكوكهم إلى أن البيت الأبيض سيجعل اللقاح وسيلة ضغط على هذه الدول، لتنفيذ أجندات عالمية وإقليمية، تمكنها من فرض سطوتها على القرار العالمي، في ظل التوتر السياسي والاقتصادي مع الصين.

الأكثر قراءة