التأجيل والعنف .. تكتيكات حزب الله في الانتخابات اللبنانية

التأجيل والعنف .. تكتيكات حزب الله في الانتخابات اللبنانية

قد تفوز أحزاب المعارضة بأصوات كافية لتجريد حزب الله من الأغلبية النيابية في لبنان، لكن الحزب بدأ يستعد لاستخدام تكتيكاته المعتادة، من التأجيل والشل واستخدام العنف في الشوارع، إذا لزم الأمر.
بينما يستعد المشهد السياسي اللبناني للانتخابات العامة في 15 أيار (مايو)، أصبح أحد الأسئلة في غاية الأهمية، وهو: هل سيفوز المجتمع المدني وجماعات المعارضة بما يكفي من المقاعد لتغيير الوضع الراهن في المجلس النيابي، أم سيحافظ حزب الله على سيطرته على هذه الهيئة؟ بحسب تقرير حنين غدار"زميلة فريدمان" في "برنامج جيدولد للسياسة العربية" التابع لمعهد واشنطن.
على الرغم من أن التحديات الداخلية والأزمة المالية ستمنعان المعارضة على الأرجح من تحقيق نصر شامل، إلا أن هذا الفريق قد يؤمن ما يصل إلى عشرة مقاعد جديدة أو أكثر - وهي حصيلة يمكن أن تضع حدا للأغلبية الحالية التي يتمتع بها حزب الله، وتمنع الميليشيا وحلفاءها من الهيمنة سياسيا مرة أخرى على القرارات الأمنية والقضائية والمالية في البلاد. وسيختار البرلمان الجديد أيضا الرئيس التالي - على افتراض أن الانتخابات ستجرى في موعدها. ونظرا إلى ارتفاع نسبة المخاطر وازدياد التحدي أمام الهيمنة السياسية لحزب الله، صمم الحزب استراتيجيات مناسبة لكل ظرف محتمل.

التحديات التي تواجه حزب الله

يتمثل التحدي الأساسي الذي تواجهه الميليشيا في الانهيار العام لجبران باسيل الحليف المسيحي الرئيس، رئيس "التيار الوطني الحر"، فوفقا لاستطلاعات الرأي اللبنانية، تراجع الدعم المسيحي لهذا التيار إلى أقل من 13 في المائة، بعد أن كان 70 في المائة في 2005، ويرجع ذلك إلى قيام باسيل بتعطيل عملية تشكيل الحكومة بعد انفجار مرفأ بيروت في آب (أغسطس) 2020، إضافة إلى مختلف أعماله المرتبطة بالفساد التي سلطت عليها الضوء الاحتجاجات العامة في تشرين الأول (أكتوبر) 2019، وعقوبات "قانون ماجنيتسكي" الأمريكية التي فرضت عليه بعد عام. وسيعمد عدة مناصرين سابقين إما إلى الامتناع عن التصويت في أيار (مايو) المقبل، أو إلى اختيار مرشحين آخرين مثل سامي الجميل رئيس "حزب الكتائب".
وفي الواقع، بعد أن فشلت احتجاجات 2019 في إحداث تغيير سياسي فعلي، لا تزال المشاعر المعادية للنخبة السياسية قوية، وتأمل جماعات المعارضة توجيهها لإحراز مكاسب في صناديق الاقتراع. وبشكل خاص، أصبحت مشاعر انعدام الثقة بحزب الله والاستياء منه أكثر جماعية وانتشارا نظرا إلى اعتياد هذه الجماعة على شل مؤسسات الدولة وتهديد القاضي طارق البيطار، الذي يقود التحقيقات في تفجير المرفأ. وفي تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، تصاعدت هذه التهديدات لتتحول إلى اشتباكات في الشوارع شهدها حي الطيونة البيروتي، وأثارت مخاوف جدية من اندلاع حرب أهلية أخرى.
وتتعالى أصوات الاستياء أكثر فأكثر ويزداد عددها، حتى ضمن جمهور الناخبين الشيعة الأساسي لحزب الله. وعلى الرغم من الجهود الكثيرة التي تبذلها الجماعة لإسكات هذه الأصوات، إلا أن الاقتصاد اللبناني قد انهار لدرجة أن عددا أكبر من الناس يكافحون لتلبية حاجاتهم الأساسية، ومن بينهم المجتمعات الشيعية. ولم يعد حزب الله قادرا على توفير مصدر بديل للسلع والخدمات لكثير من هذه المجتمعات، باستثناء دائرة صغيرة جدا من أعضاء النخبة والعناصر العسكرية.
وتحول نبيه بري الحليف الرئيس الآخر لحزب الله، رئيس مجلس النواب، إلى مشكلة أيضا، فإلى جانب باسيل ورياض سلامة حاكم المصرف المركزي، كان بري أحد الشخصيات الأساسية الثلاث التي استهدفتها اتهامات الفساد والدعوات إلى المساءلة خلال احتجاجات 2019، ولتهدئة هذا الشعور باللوم والغضب، سمح حزب الله بل وشجع مشاركة الشيعة في الاحتجاجات ضد بري وسلامة، إلا أن هذه الخطة قد تؤدي إلى نتائج عكسية في أيار (مايو)، عندما سيتعين على الجماعة إما إقناع الشيعة بالتصويت لبري، أو الترشح بدونه والمجازفة بخسارة أصوات "حركة أمل" التي ينتمي إليها.
وما يثير قلق حزب الله وباسيل أيضا هو العدد غير المسبوق من المغتربين الذين تسجلوا للتصويت - حيث بلغ 244442 حتى كتابة هذه السطور، مقارنة بـ92180 في 2018، وتشكل هذه الزيادة الكبيرة تهديدا جديا لحزب الله، لأن التأثير في أصوات المغتربين أو التحكم فيها أكثر صعوبة. والأغلبية العظمى من هؤلاء المغتربين هم من المسيحيين الذين يعيشون في الغرب، وهم أكثر ميلا على الأرجح إلى التصويت لمرشحين مسيحيين مستقلين، أو لحزب "القوات اللبنانية" أو "حزب الكتائب".
وبالنظر إلى هذه التعقيدات، لا يستطيع حزب الله أن يضمن فوزا آخر بالأغلبية. ومع ذلك، لا يمكن للجماعة تحمل خسارة قوتها السياسية المطلقة في وقت أصبحت فيه التطورات الوطنية والإقليمية على المحك، ابتداء من اختيار الرئيس القادم ووصولا إلى ترسيم الحدود البحرية للبلاد، والتفاوض مع "صندوق النقد الدولي"، وتأمين صفقات الغاز والكهرباء. لذلك، توصل قادة حزب الله إلى خيارات مختلفة لتجاوز الأشهر القليلة المقبلة.

السيناريوهات والاستراتيجيات

كانت الانتخابات النيابية التي جرت في العراق في العام الماضي بمنزلة تحذير لحزب الله، فقد خسرت الميليشيات الحليفة لإيران في عملية التصويت تلك بشكل دراماتيكي، ولا يرغب أي من طهران وحزب الله في تكرار هذه النكسة في لبنان.
ويتمثل أحد السيناريوهات في تأجيل انتخابات أيار (مايو)، سواء إلى حين تمكن البرلمان الحالي الذي يسيطر عليه حزب الله من اختيار رئيس جديد، أو إلى تلاشي المصاعب الاقتصادية والاستياء العام. وهناك سابقة لمثل هذه الخطوة، ففي 2013، مدد مجلس النواب ولايته لمدة عامين، بإشارته إلى الهواجس الأمنية المحلية والحرب المجاورة في سورية، وتم الإعلان عن تمديد آخر لمدة عامين في 2014. وقد يحاول حزب الله استخدام هذا العذر نفسه لتأجيل عملية التصويت المقررة في أيار (مايو)، وستخيم الهواجس الأمنية على لبنان إلى أجل غير مسمى، وفي هذه البيئة، يمكن لأي شرارة أن تشعل اشتباكات داخلية.
وفي غضون ذلك، تأمل الجماعة أن تؤدي المحادثات النووية مع إيران في فيينا إلى اتفاق قريب يرفع العقوبات الأمريكية ويعيد فتح المجال أمام تدفق النقد الإيراني إلى خزائنها. وقد لا يحل ذلك الأزمة المالية في لبنان، لكنه قد يسهل الأمور اللوجستية والنفقات الانتخابية الخاصة بحزب الله، بينما يتيح للميليشيا توفير مزيد من الهبات السخية لجمهور ناخبيها.
وتدعم الولايات المتحدة وعديد من الحكومات الأوروبية والجهات الفاعلة الدولية الأخرى دعما قويا إجراء الانتخابات في الوقت المحدد، وقد يجعل هذا الضغط من الصعب تأجيل التصويت. ومع ذلك، إذا اعتقد حزب الله أن التداعيات ستكون محدودة، فقد يخطط لقيام اشتباكات في الشوارع أو حوادث أمنية أخرى تؤدي إما إلى توفير ذريعة للتأجيل، أو إثارة مخاوف عامة تقلل من نسبة المشاركة في الاقتراع.
وخيار آخر هو اللجوء إلى الشل، وهو لعبة أتقنها حزب الله وحلفاؤه منذ 2005، فحتى لو خسروا الانتخابات، لا يزال بإمكانهم عرقلة عملية تشكيل الحكومة لعدة أشهر أو حتى أعوام.
وبالطبع، نظرا إلى المكانة التي يتمتع بها حزب الله كأقوى فصيل مسلح في لبنان، قد يلجأ الحزب ببساطة إلى التهديد أو استخدام القوة إذا لم ترقه النتائج، فقد تجبر التكتيكات العنيفة الحكومة الجديدة على التنازل في مسائل اختيار الرئيس، والتعيينات الأمنية الأساسية، والمفاوضات المرتبطة بصندوق النقد الدولي والبنك الدولي وترسيم الحدود.
وسابقا استخدم حزب الله أسلحته لتحقيق غايات سياسية، فبعد خسارته انتخابات 2005 أمام تحالف "14 آذار"، لجأ هذا الحزب إلى العنف في عدة مناسبات لإسقاط الحكومة الناتجة، وإضافة إلى اغتيال أعضاء من قيادة التحالف الذين لم يذعنوا لإرادته، عاق الحزب الحكومة لعدة أشهر، وأمر عناصره في النهاية بشن معارك في شوارع بيروت في أيار (مايو) 2008، وقد أجبر هذا التصعيد المعارضين على قبول "اتفاق الدوحة"، الذي انتزع الأغلبية من قوى "14 آذار" وأنتج مكانها حكومة وحدة وطنية.
وبالمثل، في الأشهر التي أعقبت خسارته انتخابات 2009، استخدم حزب الله استعراضات القوة لإلغاء النتيجة في نهاية المطاف، ففي حادثة وقعت في شباط (فبراير) 2011 وعرفت بتهديد "القمصان السود"، سار مقاتلون مسلحون كانوا يرتدون بزات مميزة في شوارع بيروت ومختلف المجتمعات الدرزية، وبعد ذلك بوقت قصير، أرغمت الجماعة حكومة "14 آذار" على الاستقالة، ووضعت نجيب ميقاتي رئيسا لحكومة وحدة وطنية جديدة.
لسوء الحظ، ليس هناك ما يمنع حزب الله من استخدام أسلحته مجددا إذا خسر في أيار (مايو)، حتى إن هذا السيناريو هو أكثر منطقية بعد اشتباكات تشرين الأول (أكتوبر) في الطيونة، ولم تسفر التحقيقات الحكومية في تلك الحادثة عن أي محاسبة حتى الآن، ويستمر مسؤولو حزب الله في توجيه تهديدات مقنعة، ففي كانون الأول (ديسمبر)، على سبيل المثال، حذر النائب محمد رعد جماعات المعارضة من أنها بحاجة إلى إعادة النظر في خططها لتغيير المشهد السياسي اللبناني، وقال "يجب أن يفهم الذين يريدون أن يحكمونا غدا بواسطة أغلبية جديدة مزعومة أنه لم تكن هناك أغلبية في لبنان كانت قادرة ذات يوم على ممارسة الحكم كأغلبية".

الانتخابات لا تزال مهمة

على الرغم من أن انتخابات أيار (مايو) لن تحقق على الأرجح نتائج رائدة، إلا أنها لا تزال من الممكن أن تشكل فوزا رمزيا لحركة الاحتجاجات إذا انتزعت من حزب الله أغلبيته النيابية. ولا شك في أن الحزب سيقوم بما يلزم للاحتفاظ بالمقاعد الـ27 المخصصة للمجتمع الشيعي بموجب النظام الطائفي في لبنان، فقد كان يستخدم العنف والترهيب لردع مرشحي المعارضة الشيعة عن التنافس على هذه المقاعد منذ 2019، ولا شيء يدل على إمكانية توقفه، كما سيستخدم الحزب كل ما يملك من أدوات لمساعدة التيار المسيحي الذي ينتمي إليه باسيل في الحفاظ على وجوده الملحوظ في البرلمان، ولاستغلال انسحاب سعد الحريري من الحياة السياسية عبر التسلل إلى الشارع السني المتصدع. وإذا اعتقد الناس أن المعارضة منقسمة أو غير قادرة على تأمين بديل سياسي صالح لهم، فقد تكون نسبة المشاركة في الاقتراع منخفضة للغاية، ما يعزز فرص حزب الله وحلفائه بصورة أكبر.
ومع ذلك، فإن إجراء الانتخابات في موعدها وبوجود مراقبين دوليين لا يزال من الممكن أن يعطي دفعة لشخصيات المعارضة والشعب اللبناني، الذين لديهم مصادر أمل قليلة هذه الأيام إلى جانب العملية الديمقراطية، ولذلك، لا بد من الرد على أي محاولة لتأجيل الانتخابات أو التلاعب بها من خلال فرض عقوبات على جميع المسؤولين عن ذلك، إضافة إلى مواصلة ممارسة الضغوط الراهنة على الولايات المتحدة والأطراف الأخرى، بأن تصر على تكليف مراقبين دوليين على المدى الطويل لضمان تنفيذ عملية حرة وعادلة من الآن حتى أيار (مايو).

الأكثر قراءة