موسكو وطهران .. تقارب أم تباعد؟

موسكو وطهران .. تقارب أم تباعد؟
تعتبر روسيا إيران ورقة ضغط احتياطية.

شغلت طاولة الكرملين، التي استضاف عليها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، المتابعين حول العالم، الذي جاء حاملا رسالة تفاوضية لتخفيف الاحتقان على الجبهة الروسية الأوكرانية، ولإيقاف شبهات حرب محتملة النشوب قد تضع أوزارها في أي لحظة، ليلقى الرئيس الفرنسي ما لقيه من رسائل سياسية عميقة، إذ تصر روسيا على استجابة حلف شمال الأطلسي "الناتو"، لورقة المطالب الأمنية الروسية المعلنة في 17 ديسمبر أواخر العام الماضي، في حين يتمسك الحلف بحقه في ضم دول جديدة إليه، بناء على رغبتها المنفردة، باعتبارها دولا ذات سيادة، لتكون نتائج لقاء الرئيسين رسائل مفادها أنه لا تفاوض حول المسألة الأوكرانية، هذه الزيارة لقيت تغطية إعلامية مكثفة، لكن سبقتها زيارة بالظروف ذاتها للرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي.
لم يكن ماكرون أول الجالسين على الطاولة الشهيرة، فقد كان الرئيس الإيراني من السباقين للجلوس عليها في منتصف يناير الماضي، الذي جاء حاملا رسائل تأييد ومؤازرة للرئيس الروسي، لكن حال إيران حال تركيا، فالعلاقة معها تسير نحو التوتر المتصاعد، فالطرق مسدودة أمام كثير من القضايا والمصالح، إذ إن نقاط الخلاف تفوق نقاط الالتقاء أضعافا مضاعفة، خصوصا على صعيد الوجود المشترك في سورية، إضافة إلى الخيبة الروسية في مجال بيع الأسلحة.
سجل تقرير صادر عن معهد ستوكهولم الدولي لبحوث السلام أن مشتريات إيران من السلاح بلغت 0.3 في المائة، بعد رفع الأمم المتحدة القيود المفروضة على بيع السلاح لها 2020، ولم تكن حصة السوق الروسية تتناغم مع الطموحات والتوقعات، كما أن الثقة مهزوزة بين الدولتين في كثير من الملفات، منها الاتفاق الروسي والإيراني حول الوضع القانوني لبحر قزوين، الذي لا يزال معلقا في البرلمان الإيراني ولم تتم المصادقة عليه حتى يومنا هذا، على الرغم من توقيعه في 2018 من قبل رؤساء الدول المطلة على هذا البحر.
قدم الرئيس الإيراني نفسه على أنه شريك للروس في معاداة الولايات المتحدة الأمريكية والغرب، انتقاما من انسحاب واشنطن من الاتفاق النووي في 2018، بعد أن قرر الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترمب الانسحاب من الاتفاق، عقب انفراجة اقتصادية وسياسية إيرانية دامت ثلاثة أعوام، بتوقيع إدارة أوباما في 2015، كما حاول رئيسي المقرب من المرشد الإيراني علي خامنئي تقديم نفسه كورقة ضغط لروسيا داخل الأراضي السورية وعلى تماس مباشر مع إسرائيل، التي تعد نفسها الطفلة المدللة للغرب وأمريكا.
تجاهل الرئيس الإيراني حجم الشراكة الإسرائيلية الروسية، التي كانت بدايتها حصول إسرائيل على اعتراف روسي في منظمة الأمم المتحدة كدولة، كما تجاوز التبادل التجاري بين الدولتين في 2019 حدود ثلاثة مليارات دولار، إضافة إلى تبادل عسكري في مجالات الطيران والفضاء وتكنولوجيا المعلومات والأمن السيبراني، ما يجعل روسيا تفضل تل أبيب على طهران، كما تدرك روسيا أن إيران تفضل الغرب عليها، وهي في انتظار أي تحسن ملموس في محادثات الملف النووي في فيينا، التي تطمح أن يطرأ أي تطور إيجابي لتتخلى عنها.
هناك تضارب مستمر في المصالح بين روسيا وإيران، وهو يؤثر في قدرة الدولتين على توطيد علاقاتهما، وسبق أن اتخذت القيادة الروسية وربما من على الطاولة ذاتها قرارا بتصفية النفوذ الإيراني في سورية، إذ سجلت تقارير الاستخبارات الروسية أن الميليشيات الإيرانية تتوج نفسها على عرش كل إنجاز تسجله القوات الروسية في الصراع هناك، فالإدارة الإيرانية عززت قدراتها طائفيا وعسكريا لترسيخ جذورها في الأراضي السورية، مستنسخة التجربة الدموية لميليشياتها في كل من العراق واليمن ولبنان.
سورية الغنيمة الأحدث في سجل النفوذ الإيراني التوسعي، هي أحد أهم أولويات النظام الإيراني، في الضغط على العالم نظرا إلى المكان الجغرافي للدولة السورية المحاذي لإسرائيل، معتبرها ورقة ضغط رابحة، في حين توجه إسرائيل ضربات متفرقة هنا وهناك إلى الأراضي السورية، لكن ليس إلى أهداف سورية أو روسية إنما إلى أهداف إيرانية.
سجلت المصالح الإيرانية في سورية خسائر كبيرة، نتيجة للضربات الجوية النوعية، التي ينفذها سلاح الجو الإسرائيلي داخل المجال الجوي السوري، لتتخذ الإدارة السياسية الإيرانية قرارا بدفن قتلى الميليشيات الإيرانية في سورية بعد أن أصبحت عملية شحن جثث مقاتليهم أكثر تكلفة، نظرا إلى الأعداد الكبيرة لضحايا إيران في ساحة الصراع السوري، في حين تقف القوات الروسية صامتة عن هذا الصراع الإيراني الإسرائيلي، الذي يعد لمصلحتها، معطية أنظمة دفاعها الجوي إس - 400 في قاعدة حميميم سبات الدب الروسي، على أي غارات إسرائيلية بحق منشآت إيران ومقاتليها.
المطامع الإيرانية في روسيا لا تقتصر على حدود ما سبق ذكره، فعين صانع السياسة الإيرانية تبرق على قدرة روسيا على امتلاك حق النقض في مجلس الأمن، وهذا صيد ثمين لإيران، إذا تمكنت من إقناع الروس بمجابهة الدول الأعضاء لمصلحتها، فالعقلية الإيرانية ترى أن الاندماج معها يفيد في الصمود أمام قرارات دولية أو إجهاضها، في ظل أجواء مشحونة سياسيا تشبه إلى حد ما أجواء الحرب الباردة، وتروج القيادة الإيرانية لنفسها بأنها تتجرأ على الولايات المتحدة، وتسعى إلى فرض شروطها في أي صفقة أو اتفاق على ارتباط بملفها النووي، فيما تشكل القضية الأوكرانية، وتطورات البلقان، والشرق الأوسط، وأفغانستان محطات متفاوتة الأهمية على الأجندة الروسية.
من جهة أخرى، تنظر موسكو اليوم إلى تمتين وتقوية التحالفات مع دول الخليج العربي، وذلك يعود إلى أسباب أمنية، أبرزها مخططات النظام الإيراني التوسعية، كما ترى موسكو في الرياض شريكا مهما في أسواق النفط العالمية، من خلال شراكة "أوبك بلس"، التي تتسيدها الرياض، إذ تم ضبط أسواق النفط العالمية، بعد مواجهات صعبة، نتج عنها انهيار أسواق النفط العالمية وأسواق النفط الصخري الأمريكي.
تعد روسيا إيران ورقة ضغط احتياطية، بحسب مراقبين، فما أبعدته طاولة الكرملين وأفسده صراع النفوذ في سورية بين إيران وروسيا تقربه الضرورات الروسية، خصوصا تلك الأمنية، فبإمكان موسكو استخدام نفوذ إيران وتوظيف مكانتها في آسيا الوسطى، التي تتضمن أزمات مؤجلة، ويمكنها أن تخرج من تحت الرماد في أي لحظة، وتشكل تهديدا إضافيا للأمن القومي الروسي، إذ سبق أن أظهرت قوى عالمية رغبة كبيرة في استخدام أوراق في هذه المنطقة للضغط على موسكو، لكن على الصعيد التجاري، لا مطامع روسية في إيران، إذ يبلغ التبادل التجاري بين موسكو وطهران نحو ملياري دولار في العام، ما يعني أن حجم التبادل بينهما يبقى دون مستوى 0.50 في المائة من مجموع التبادل التجاري للدولتين.

الأكثر قراءة